حلول السنة الميلادية والجواب عن الإشكاليات التي يثيرها الموضوع
حلول السنة الميلادية والجواب عن الإشكاليات التي يثيرها الموضوع
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، في حقيقة الأمر كنت أنوي متابعة الموضوع المهم الذي بدأناه في إحدى الخطب الماضية والمتعلق بالمنهج النبوي السديد في تربية الأبناء، وجاء حدث الأيدي الإرهابية الجاهلة التي هزت بلادنا في الأسبوع الماضي بحدث غدر آثم استهدف أجنبيتين، حدث أليم هز كل مسلم مؤمن صادق الإيمان من أعماق الأعماق، وكان ينبغي التوقف عنده في حينه لتبيين وتوضيح العديد من المسائل المتعلقة بالتكفير وكل دعاوى الإرهاب المتصلة به، ولكن قرب حلول السنة الميلادية الجديدة يتطلب أيضا الوقوف عند العديد من الإشكاليات التي يثيرها الموضوع، وتوضيح رأي الدين فيها، فكان لابد من مراعاة الأولويات بالتطرق لهذا الموضوع، على أن أعود لتلك المواضيع المهمة في فرص مستقبلية بحول الله تعالى.
أيها الإخوة الكرام، لقد دأب العديد من الناس في مجتمعنا المسلم على الاحتفال برأس السنة الميلادية، في ليلة ميلاد نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، وتتعدد تجليات هذه الاحتفالات، كل حسب إمكاناته، بين من يكتفي بشراء الحلوى والاحتفال مع أهله وأولاده ببيته، وبين من يفضل السهر خارج البيت، وبين من يحب أن يعيش لحظة دخول السنة الجديدة في حينها وبطقوسه الخاصة، وبين من يفضل السفر أو التسوق خارج البيت، وبين من يفضل تبادل الهدايا وغير ذلك من التجليات العديدة التي تعرفونها.
فما هو حكم ذلك؟ وماهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في إحياء أمثال هذه المناسبات؟ فعندما نتأمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجده كان يربط الحوادث الدينية بأزمنتها، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»، قالوا: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم”، السؤال إذن، فلماذا أحيى النبي صلى الله عليه وسلم ذكرى اليهود عندما أغرق الله فرعون وقومه ونجى موسى وقومه؟، فقد كان يمكن أن يقول لصحابته رضوان الله عليهم أجمعين حينئذ: “لاتتشبهوا باليهود وبالقوم المغضوب عليهم ولا بالضالين”، وينصرف ويغض الطرف بشكل نهائي، ولكنه ثبت أنه قال: “نحن أولى بموسى منكم”، وصام ذلك اليوم، وأمر بمخالفة اليهود بصوم يوم قبله أو يوم بعده كما تعلمون، لذلكم نقول نحن اليوم لأصحاب النحلة المسيحية النصرانية: “نحن أولى بعيسى منكم”، ونحيي هذه المناسبة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحيي أمثالها، خاصة أن عقيدتنا التي نعتقدها في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن لا فرق بينهم، تماما كما قرر القرآن ذلك حين قال:” لا نفرق بين أحد من رسله”.
ونجد النبي صلى الله عليه وسلم يقرر مبدأ إحياء الذكريات بما هو مشروع في حدث آخر له علاقة بيوم الولادة، عندما سئل عن سبب صيامه ليوم الاثنين، فأجاب كما روى الإمام مسلم:”ذاك يوم ولدت فيه”، ويتأكد هذا الأمر إذا أراد المسلم أن يكون استثناء حسنا بين الناس في تلك الليلة، فيقومها إيمانا واحتسابا لله تعالى، ويصوم يومها، وليس في ذلك من إشكال شرعي، لأن العبرة بالمقاصد والنيات، فيتحقق فيه مارواه الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه قال:”بلغني أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:”ذَاكرُ الله في الغافلين كالمُقَاتِل خَلْفَ الفَّارِّينَ، وذاكِرُ الله في الغافلين كغُصْنٍ أخضرَ في شجرٍ يابِسٍ”.
ويلحق بذلك في الحكم كل ماهو مباح شرعا كتهنئة أهل الكتاب بأفراحهم، وتعزيتهم بأحزانهم كما هو مقرر عند أهل العلم، والمحرم فقط هو أن تشترك معهم في شيء من عباداتهم، أو أن تحتفل بما هو محرم شرعا كالاختلاط أو أن تحضر في مجالس الغفلة عن الله التي تقترف فيها الفواحش وتشرب فيها المسكرات، مما هو موجب لسخط الله ومقته.
نعم أيها الإخوة الكرام، إن تعظيم يوم الولادة هو واحد من الأيام المتميزة التي لا يمكن لأحد أن يقلل من شأنها أو ينساها، لأنه اليوم الذي خرج فيه الإنسان من العدم إلى نعمة الإيجاد، يقول الله تعالى في حق عيسى عليه الصلاة والسلام متحدثا بلسانه:”وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”، فهذه الأحداث المنصوص عليها في الآية كما ذكر المفسرون أعلام ثلاثة في حياة الإنسان: يوم مولده، ويوم موته، ويوم أنْ يُبعث يوم القيامة، ولكن حتى نجيب على العديد من الإشكاليات التي يثيرها الموضوع دعوني أتساءل عن وجه السلامة في هذه الأحداث الثلاثة بالنسبة لعيسى عليه السلام؟ فقوله تعالى:”وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ”، لأن يوم مولده مَرَّ بسلام، رغم ما فيه من عجائب، فلم يتعرَّض له أحد بسوء، وهو الوليد الذي جاء من دون أب، وكان من الممكن أنْ يتعرّض له ولأمه بعض المتحمسين الغيورين بالإيذاء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ومَرَّ الميلاد بسلام عليه وعلى أمه، وبذلك نرد على من يعتقد بأنه ابن الله، وقوله عز وجل:”وَيَوْمَ أَمُوتُ”، لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء، وبذلك نرد على من يعتقد أنه صلب أو قتل، وكل من يتمثل بذلك بحمل الصليب في عنقه، أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل، وأن يبقي عقيدتنا صافية نقية أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله، بقي أن أبين وجه السلامة في قوله عز وجل:”وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً”، فليس هناك من الرسل مَنْ سيسأل هذه الأسئلة، ويناقش هذه المناقشة التي نُوقِشها عيسى عليه الصلاة والسلام في الدنيا حين قال تعالى:” وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ”، وليس هذا قَدْحاً في مكانة عيسى عليه السلام؛ لأن ربَّه تبارك وتعالى يعلم أنه ما قال لقومه إلا ما أُمِرَ به، ولكن أراد سبحانه توبيخ القوم الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، فوجْه السلام في قوله تعالى: “يوم أُبْعَثُ حَيّاً”، أنه نُوقِش في الدنيا وبُرّئتْ ساحته، ثم يقول الحق سبحانه: “ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ”، فهذه هي عقيدتنا السليمة في عيسى عليه الصلاة والسلام كما قررها ديننا لاكما يحكي النصارى في نحلتهم المنحرفة المنسوخة. ولو لم تحرف وتنسخ لما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعده خاتما للرسالات السماوية.
وبقي في الختام أيها الإخوة والأخوات أن أنبه إلى أمر مهم يتعلق بالموضوع، وهو أن تنتبهوا لأبنائكم وبناتكم وتغرسوا فيهم قيم العقيدة الإسلامية الصحيحة، حتى لاتجتالهم حملات التنصير المستمرة المتوالية على كل الواجهات، سواء بشكل مباشر بتوزيع المنشورات المسيحية عليهم، وإغرائهم بكل الوسائل المتاحة، باعتماد الأسلوب العاطفي المؤثر المبني على ترهات ماأنزل الله بها من سلطان، أو بشكل غير مباشر عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية، فكونوا على بال في متابعتهم، والمؤمن كيس فطن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينوا لهم ووضحوا لهم تفاصيل ذلك، سائلا المولى عز وجل أن يحفظنا ويحفظ أبناءنا من كل العقائد الزائغة المنحرفة، ومن كل مكروه وسوء، أمين، والحمد لله رب العالمين.