حفظ الذاكرة الجماعية الحقوقية في الصحراء
ظلت الصحراء فضاءا مجاليا متسما بالتوتر وعدم الاستقرار، منذ أمد ليس بالقصير، فتداعيات الصراع العسكري التي عرفته المنطقة منذ منتصف السبعينات إلى حدود مستهل
التسعينات من القرن الماضي، أرخت ظلالا من التوجس والترقب حول التسوية النهائية لهذا الملف المستعر بأروقة الأمم المتحدة منذ مستهل الستينات (1963) من القرن الفائت. والذي لازال ينتظر حلا يحقن الدماء، ويجسر هوة الشقاق بين الأشقاء في المنطقة المغاربية
وتمخض عن هذا النزاع تجاوزات وانتهاكات مست فضاء الحريات والحقوق، وهو أمر انسحب على باقي المناطق بالمغرب منذ استقلاله إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي، وأصطلح على تسمية هذه الفترة بسنوات الجمر والرصاص.
وأقدم المغرب في بداية التسعينات من القرن السابق على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح للمنفيين ولمعارضي النظام السياسي بالعودة إلى الوطن، وتوجت هذه المبادرة بإطلاق تجربة الإنصاف والمصالحة في بداية القرن الواحد والعشرين، والتي تدخل في خانة ما يعرف دوليا، بالعدالة الانتقالية، وهي ألية تم ابتداعها لطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق والتي تتم في ظل النظام سياسي معين من خلال مجموعة التدابير الهادفة إلى المصالحة مع الضحايا والتاريخ الذي تتم إعادة قراءته وفق منظور جديد يتغي إبراز الحقيقة ولا شيء غيرها دون نكي الجراح.
ويعد حفظ الذاكرة أبرز هذه التدابير التي يلجأ إليها، في هذا المسار التصالحي.
العدالةالانتقالية: رد الاعتبار ومطالبة الصفح
يشمل مفهوم العدالة الانتقالية كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع، لتفهم تركته من التجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.
وتشمل الآليات القضائية وغير القضائية، ومحاكمة الأفراد والتعويض، وتقصي الحقائق، والاصلاح الدستوري، والفحص الشخصي للكشف عن التجاوزات (1) ظلت الصحراء فضاءا مجاليا متسما بالتوتر وعدم الاستقرار، منذ أمد ليس بالقصير، فتداعيات الصراع العسكري التي عرفته المنطقة منذ منتصف السبعينات إلى حدود مستهل التسعينات من القرن الماضي، أرخت ظلالا من التوجس والترقب حول التسوية النهائية لهذا الملف المستعر بأروقة الأمم المتحدة منذ مستهل الستينات (1963) من القرن الفائت. والذي لازال ينتظر حلا يحقن الدماء، ويجسر هوة الشقاق بين الأشقاء في المنطقة المغاربية
وتمخض عن هذا النزاع تجاوزات وانتهاكات مست فضاء الحريات والحقوق، وهو أمر انسحب على باقي المناطق بالمغرب منذ استقلاله إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي، وأصطلح على تسمية هذه الفترة بسنوات الجمر والرصاص.
وأقدم المغرب في بداية التسعينات من القرن السابق على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح للمنفيين ولمعارضي النظام السياسي بالعودة إلى الوطن، وتوجت هذه المبادرة بإطلاق تجربة الإنصاف والمصالحة في بداية القرن الواحد والعشرين، والتي تدخل في خانة ما يعرف دوليا، بالعدالة الانتقالية، وهي ألية تم ابتداعها لطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق والتي تتم في ظل النظام سياسي معين من خلال مجموعة التدابير الهادفة إلى المصالحة مع الضحايا والتاريخ الذي تتم إعادة قراءته وفق منظور جديد يتغي إبراز الحقيقة ولا شيء غيرها دون نكي الجراح.
ويعد حفظ الذاكرة أبرز هذه التدابير التي يلجأ إليها، في هذا المسار التصالحي.
العدالةالانتقالية: رد الاعتبار ومطالبة الصفح
يشمل مفهوم العدالة الانتقالية كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع، لتفهم تركته من التجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.
وتشمل الآليات القضائية وغير القضائية، ومحاكمة الأفراد والتعويض، وتقصي الحقائق، والاصلاح الدستوري، والفحص الشخصي للكشف عن التجاوزات (1)
وفي هذا السياق أسس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ويهتم هذا المركز بدراسة التجارب المختلفة من حيث سياقاتها وإسهاماتها النظرية والمطورة للموضوع ويوجد مقرها بنيويورك(2)
خلصت التجارب الدولية إلى ضرورة تحقيق، الحق في معرفة الحقيقة، والحق في العدالة والحق في جبر الضرر والحق في حفظ الذاكرة.
وتركز العدالة الانتقالية على إحداث لجان الحقيقة والمصالحة والتي تعتبر هيئات غير قضائية وغير برلمانية، وهي بمثابة وسيط بين الدولة والمجتمع، وتعتمد في مرجعيتها على القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وأحكام وقرارات المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، وخلاصات التجارب الدولية والفقه والقانون، واجتهادات كافة الفرقاء في العملية الحقوقية. أما اختصاصها الزمني فلا يتجاوز مداه عامين، تهدف خلالها إلى الكشف الكامل عن حقيقة والإقرار العمومي بها، بغية جبر الضرر الفردي والجماعي، والنهوض بثقافة حقوق الإنسان، ورد الاعتبار للكرامة الإنسانية(3).
وعليه فإن اللجان الدولية للعدالة الانتقالية انطلقت من أربع مسلمات:
1. معرفة الضحايا والجناة والتوجه نحو المتابعة القضائية
2. ضرورة وجود منتهكين مع الجناة
3. معرفة الجناة لن تؤدي إلى أي تكلفة سياسية
4. تصفية التركة بداية للانتقال لديمقراطية وإقامة دولة الحق والقانون (4).
إن تحقيق العدالة يهدف إلى الانتقال من فترات النزاع أو قمع الدولة، وتحقيق المحاسبة والتعويض عن الإنتهاكات التي تعرض لها الضحايا. وهي اعتراف بما اجترحوه من معاناة وما كابدوه من ويلات، لتتمكن الدولة من زرع عرى الثقة في علاقتها بالمجتمع وتقوية سيادة القانون واحلال الديمقراطية بغية تحقيق المصالحة الوطنية وحفظ ذاكرة الشعب.
المخاض العسير لهيئة الإنصاف والمصالحة
جادت التجربة المغربية للعدالة الانتقالية، كخلاصة للتحولات عميقة حصلت خلال سنوات، ومست السياسة والثقافة والمجتمع، ما كان لها أن تكون لولا الإرادة السياسية العليا للدولة وصمود الديمقراطيين واستماتة الضحايا وعائلاتهم وأقاربهم، والوعي الفكري للنخبة الحقوقية، التي دافعت عن حقوق الإنسان والسلم والثقافة و الديمقراطية وحكم القانون.(5)
وجدير بالذكر أن أولى تجارب هيئات الحقيقة والانصاف والمصالحة عبر العالم ظهرت إلى حيز الوجود في منتصف القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وفي المرحلة لاحقة انتقلت إلى أمريكا اللاتينية ومن تم إلى إفريقيا:
– التجربة الأوغندية 1974 . هيئة التحريات حول اختفاء الأشخاص
– التجربة البوليفية 1982 الهيئة الوطنية للتحريات حول اختفاء الأشخاص
– التجربة الأرجنتينية 1983 الهيئة الوطنية حول اختفاء الأشخاص
– التجربة الفليبينية 1986 الهيئة الرئاسية حول حقوق الأشخاص
– التجربة الروندية 1990 الهيئة الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان
– التجربة الشيلية 1990 الهيئة الوطنية حول حقيقة الإنصاف
– التجربة جنوب افريقيا 1995 مفوضية جنوب افريقيا لحقيقة والمصالحة
– التجربة التيمور الشرقية 2002 هيئة التلقي وحقيقة والمصالحة
– التجربة الصربية 2004 هيئة الحقيقة والمصالحة
– التجربة المغربية 2004 هيئةالإنصاف والمصالحة. (6)
قبل ظهور هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب، عرف المجتمع المدني المغربي حركية ودينامية كبيرتين جاءت على النحو التالي:
– انعقاد المناظرة الوطنية لحقوق الإنسان المنظمة من طرف هيئة المحامين بالمغرب 10و11و92 دجنبر 1987
– اصدار الميثاق الوطني لحقوق الإنسان 10 دجنبر 1990 من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لدفاع عن حقوق الإنسان.
– تأسيس المجلس الملكي الاستشاري لحقوق الإنسان في 8 ماي 1990
– الإفراج عن من تبقى من الأحياء المختفين قسريا بالمراكز السرية السابقة، في 23 مارس 1991
– العفو الملكي الشامل عن المعتقلين والمغتربين سياسيا في 8 يوليوز 1994
– تأسيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ي 27 نوفمبر 1999
– شروع هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي في عملها في يناير 2000
– البدء في تسوية ملفات قدماء المعتقلين والمنفيين سياسيا في فبراير2000
– تنظيم أول مناظرة وطنية حول ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في 11 نوفمبر 2001
– تنصيب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، برئاسة عمر عزيمان وأمانة العامة لادريس بنزكري في 10 دجنبر 2002
– رفع المجلس توصية للملك وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة في 14 أكتوبر 2003
– المصادقة على التوصية في 6 نوفمبر 2003
– 07 يناير 2004 استقبال وتعيين أعضاء الهيئة
– 12 أبريل 2004 صدور النظام الأساسي للهيئة
– 30 أكتوبر 2005 انتهاء أشغال الهيئة. (7)
حري بالإشارة قبل التطرق إلى هيئة الإنصاف والمصالحة وآليات اشتغالها، ومجال اهتمامها، إلى أن هيئة التحكيم المستقلة، مهدت الأرضية لعمل الهيئة من خلال تحديد مختلف حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي على ضوء مقتضيات التسريع المغربي والقواعد المتعارف عليها عالميا، بالإضافة إلى القيام بتصنيف كل الطلبات ودراستها، ومن ثم أصدرت التجارب التحكيمية مستعينة في ذلك بما جاءت به التجارب العالمية في ميدان العدالة الانتقالية وأيضا على الأحكام الواردة في المحاكم المغربية وأيضا المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. (8)
دوائر التسويات الممكنة:
جاءت هيئة الإنصاف والمصالحة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب خاصة حالتي الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي
يقصد بالاختفاء القسري التصرف الذي تقدم به أجهزة الدولة والمتمثل في أخذ شخص معين بدون وجه حق، وسلب حريته، واحتجازه بمكان يظل سريا، وعدم إعطاء أي بيانات بشأنه، ويظل في حكم المجهول، كشخص على قيد الحياة، لا يعرف عنه أي شيء مع حرمانه من الحماية القانونية.
أما الاعتقال التعسفي فيعني احتجاز تقوم به الدولة دون مراعاة الشروط الجوهرية والإجرائية المتعلقة بسلب الحرية، وذلك بسبب ممارسة المواطنين حقوقهم الأساسية وعلى وجه الخصوص، حرية الرأي وحرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة سياسيا، أو نقابيا أو جمعويا. (9)
وعليه فإن الهيئة وحسب المادة التاسعة من القانون المنظم لها، فإنها جاءت «لإعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية، يتضمن خلاصات أبحاث والتحريات المجرأة بشأن الانتهاكات الجسيمة وسياقاتها، وتقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة، وضمان عدم تكرار ما جرى، ومحو الأثار المرتبطة عن الانتهاكات، واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون و احترام حقوق الإنسان»(10)
وأوصت هيئات في تقريرها الختامي بضرورة جبر الضرر الجماعي والفردي من خلال التعويض المادي والمعنوي للضحايا، والكشف عن الحقيقة بالإضافة إلى تسوية الأوضاع القانونية والإدارية للضحايا وتأهيلهم صحيا وإدماجهم اجتماعيا، واعادة الاعتبار لأماكن الاعتقال، والمناطق التي عرفت موجات من الاعتقال. مع ضمان عدم التكرار ما وقع في الماضي.
ولوحظ على النظام الأساسي للهيئة السالفة الذكر، إلى أن ديباجته احتكرت 95% من محتواه، في حين حازت المهام على 41% فقط. كما أنه تضمن تطمينا للجناة بعدم إثارة مسألة المتابعة الفردية. بالإضافة إلى مقايضة الضحية بالتعويض وجبر الضرر بعدم إثارة موضوع المتابعة
وتجدر الإشارة إلى أن المتابعة ليست إجراءا انتقاميا، وإنما هو إقرار بمبدأ الإفلات من العقاب.
في حين أن جنوب افريقيا طلبت من الجناة ملأ جذاذات يعترفون فيها بما ارتكبوه من انتهاكات، ومن لم يقدم بهذه العملية، لم يمنح حق العفو. إذ تمت متابعتهم والتشهير بالكثير من الجناة. (11)
ورغم مجهودات الهيئة إلا أن السرية لم ترفع عن بعض الوثائق لأن من شأن رفعها الكشف عن مزيد من الحقيقة. لأنها مطلب الضحايا وعائلاتهم وأيضا مبتغى الجسم المدني. (12)
الذاكرة الجماعية: معوقات استحضار الوجع إلحاحية الحفاظ على الذاكرة
يرى سوريس هاليوكس أن الذاكرة المشتركة لجماعة بشرية معينة، شرط لا محيد عنه، لوجود هذه الجماعة نفسها، وتتشكل الذاكرة ما فوق فردية عند الاستدعاء المشترك لماضي تلك المجموعة الاجتماعية، ويمكن القول أن الذاكرة الجمعية هي ذاكرة الذاكرات الجماعية، أو مجموع هذه الذاكرات في مجتمع ما، وهي تأسيس هوية مجتمع وضمان سيرورته، أما الذاكرة الجماعية خاصة بجماعة وحيدة معينة داخل مجتمع ما، الذاكرة الجمعية هي ذاكرة مشتركة بين مختلف الجماعات المكونة للمجتمع.
ويقصد بها أيضا هي منظومة القيم وأنماط التفكير، وضابط السلوك الفردي والجماعي. (13)
تنشأ الذاكرة وتحفظ انطلاقا من تصور الأفراد في إطار الجماعية في وسط سوسيو ثقافي متجانس في الغالب، لذلك حق القول على أنها مرتبطة بالهوية الثقافية، ضمن النسق الثقافي لذلك الوسط، وأنها ذاتية ونسبية، وأنها تتغير حسب الشروط الداعية إلى حفظها وإحيائها وللظروف والملابسات، وأن حالها الصيرورة وأن النظر إليها لا يستقيم إلا من زاوية سانكرونيه، أي الذاكرة كما هي في الحال، لا كما سنريدها نحن في المآل، لأن الذاكرة مرتبطة بالنسق الثقافي في الغالب وطالما تعيد نفسها وفق نفس الخصوصيات ووفق الوسط. (14)
ويفترض في الذاكرة أن تكون فردية لتعلقها بالحلم والخيال والتذكر وقد سبق لأفلاطون أن اعتبر المعرفة تذكرا والجهل نسيانا، ومع مرور الوقت تبين أن للذاكرة مضمونا سياسيا واجتماعيا وثقافيا وظهرت الذاكرة الجماعية كمفهوم. وكان أول من أثارها في الأبحاث الحديثة هو عالم الاجتماع الفرنسي موريس هاليواكس، (تمت الإشارة إلى تعريفه سابقا) وذلك في كتابه الإطارات الاجتماعية للذاكرة.
يذهب الكثير من الباحثين إلى القول أنه لاطي صفحة الماضي قبل قراءتها. بل يجب اعتماد مقاربة شاملة كفيلة بمعرفة ما حصل في الماضي وتوفير الضمانات حتى لاتتكررأحداثه، فهيئة الإنصاف والمصالحة تركت أرشيفا ضخما (أزيد من 20 ألف ملف)، ناهيك عن جلسات الإستماعات وما تضمنته من شهادات. بالإضافة إلى مذكرات الاعتقال وما تضمنته صفحات الجرائد والشبكة العنكبوتية من معطيات ومعلومات متنوعة ومختلفة الحقائق إلى درجة التعارض والتناقض في بعض الأحيان(15)
وتبقى الذاكرة جملة من الأفكار والرؤى والأحاسيس المحفوظة من الماضي يتشارك فيها، ويجمع عليها عادة معظم أفراد مجتمع ما.(16)
حفظ الذاكرة ورد الاعتبار
تقدم التقارير الدولية الصحراء كفضاء استثنائي تغيب فيه مقومات حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة، في حين يرى المغرب أن هذه التقارير يطبعها الانحياز وعدم الحياد، بالإضافة إلى تواطئها مع جهات خارجية تهدف بالإضرار بصورة المغرب الخارجية وإلى تبخيس المجهودات التي قام بها في ميدان حقوق الإنسان بدءا من الإفراج عن المعتقلين السياسيين مرورا بتجربة الإنصاف والمصالحة وصولا إلى الإصلاحات السياسية المتلاحقة. (17)
وتعتمد هذه التقارير الدولية على مجموعة من الآليات، كالزيارات الميدانية، وإجراء المقابلات، وأخذ الشهادات، والاستشهاد بمضامين تقارير موازية أخرى لمنظمات غير حكومية، وقد تكون هذه التقارير متصفة بالانتظام وفي أحيان أخرى تكون ذات صبغة استثنائية ولعل أبرز هذه المنظمات التي تخوض في هذا المضمار منذ سنوات، البرلمان الأوروبي والخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتش.
وغالبا ما تستحضر هذه التقارير الخلفية التاريخية للنزاع بالمنظمة بالإضافة إلى المقاربة الأمنية السائدة والتطرق أيضا إلى الأجواء التي تجري فيها المحاكمات، بالإضافة إلى تسليطها الضوء على فضاء الحقوق والحريات. معتمدة بشكل كبير على التشخيص والرصد وإصدار توصيات في ختام كل تقاريرها. (18)
وبالعودة إلى تجربة الإنصاف والمصالحة والتي تعد أول تجربة في ميدان العدالة الانتقالية التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا، فإن أول عملية جبر الضرر الجماعي والفردي وحفظ الذاكرة التي همت منطقة الصحراء، فإنها ركزت بشكل أساسي على جمع كافة المعطيات المتاحة على حالتي الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في المنطقة السالفة، فإن قامت في بداية الأمر باستلام جميع الطلبات المقدمة من طرف الضحايا. وقامت بإجراء عمليات البحث والتحري لكشف الحقيقة، وتوصلت إلى الحصول على مجموعات من المعلومات حول مسار الاعتقال بالنسبة للضحايا والكشف عن رفات المتوفين منهم، إلا أنها بقية عاجزة في أحيان أخرى عن إيجاد أجوبة شافية لبعض مجهولي المصير بفعل عدم تعاون بعض الأجهزة الأمنية مع فرق البحث والتحري التابعة للهيئة وهو أمر صرحت به هذه الأخيرة في تقريرها النهائي الذي وضع رهن إشارة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لمتابعة التوصيات الصادرة عن الهيئة. ولقد صرفت تعويضات مادية للضحايا، وتمت تسوية الأوضاع الإدارية والقانونية خاصة لبعض العاملين في القطاع العام، كما تم إدماج بعضهم.
وبخصوص حفظ الذاكرة فإن الهيئة تتوفر على أرشيف هام من المعطيات حول المنطقة التي هي في حاجة إلى الدراسة والحفظ، لكن بعض القصور سجل على عمل الهيئة خاصة في المجال المتعلق بجلسات الاستماع المخصصة للصحراء خاصة الجلسة التي كانت مقررة بمدينة العيون ولم يتم إجراءها. أما بخصوص جبر الضرر الجماعي فإن مناطق التوقيف والاعتقال التي توجد بالمنطقة، لم يتم تحويلها إلى مراكز سوسيو ثقافية، تساهم في المصالحة مع الماضي.
ويبقى على المجتمع المدني دور كبير في الدفع قدما بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة إلى أجرأتها وتنفيذها على أرض الواقع وصيانة الذاكرة الفردية والجماعية والعمل على ضمان تكرار ما حدث في الماضي وإشاعة قيم الديمقراطية، وحماية فضاء الحريات والحقوق وصيانتها ضد الخرق والانتهاك
———————————————
الهوامش:
1- أحمد شوقي بن أيوب: الأسس النظرية لمذهب جبر الضرر. التجربة المغربية للعدالة الانتقالية. منشورات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة فريدريش إبيرت. مطبعة البيضاوي. الطبعة الأولى2008 ص 31 .
2- www.ictj.org
3- أحمد شوقي بن أيوب. الأسس النظرية م.س ص39.
4- المصطفى الصويلح. مشروعية حقوق ‘’مدى احترام ارادة الشعب وتحقيق العدالة نموذجا’’ مجلة وجهة نظر. العدد 48 ربيع 2011.
5- أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
6- أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
7- -أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
8-م.س.
9-م.س.
10- الموقع الإلكتروني للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
11-المصطفى صويلح. المشروعية الحقوقية…م.س.
12-برنابي لويث غارسيا الصحيفة العدد10 بتاريخ 18و24 نوفمبر 2005 ص15.
13-ندوة الحسيمة حول «التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الانتقامية يوم الأحد 20 يناير 2013.
14-ندوة الحسيمة حول «التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الانتقامية يوم الأحد 20 يناير 2013.
15- محمد الصغير جنجار. الذاكرة ورهانات كتابة تاريخ المغرب المعاصر-مجلة نشاز- مجلة رقمية تونسية.
16- لحسن ايت لفقيه. التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الإنتقالية–الريف نموذجا- الحوار المتمدن.
17- محمد أتركين –نزاع الصحراء- رؤية بمنظار التقارير الدولية وجهة نظر العدد 32 ربيع 2007 ص 20.
18-محمد أتركين –نزاع الصحراء- رؤية بمنظار التقارير الدولية وجهة نظر العدد 32 ربيع 2007 ص 22.
وفي هذا السياق أسس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ويهتم هذا المركز بدراسة التجارب المختلفة من حيث سياقاتها وإسهاماتها النظرية والمطورة للموضوع ويوجد مقرها بنيويورك(2)
خلصت التجارب الدولية إلى ضرورة تحقيق، الحق في معرفة الحقيقة، والحق في العدالة والحق في جبر الضرر والحق في حفظ الذاكرة.
وتركز العدالة الانتقالية على إحداث لجان الحقيقة والمصالحة والتي تعتبر هيئات غير قضائية وغير برلمانية، وهي بمثابة وسيط بين الدولة والمجتمع، وتعتمد في مرجعيتها على القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وأحكام وقرارات المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، وخلاصات التجارب الدولية والفقه والقانون، واجتهادات كافة الفرقاء في العملية الحقوقية. أما اختصاصها الزمني فلا يتجاوز مداه عامين، تهدف خلالها إلى الكشف الكامل عن حقيقة والإقرار العمومي بها، بغية جبر الضرر الفردي والجماعي، والنهوض بثقافة حقوق الإنسان، ورد الاعتبار للكرامة الإنسانية(3).
وعليه فإن اللجان الدولية للعدالة الانتقالية انطلقت من أربع مسلمات:
1. معرفة الضحايا والجناة والتوجه نحو المتابعة القضائية
2. ضرورة وجود منتهكين مع الجناة
3. معرفة الجناة لن تؤدي إلى أي تكلفة سياسية
4. تصفية التركة بداية للانتقال لديمقراطية وإقامة دولة الحق والقانون (4).
إن تحقيق العدالة يهدف إلى الانتقال من فترات النزاع أو قمع الدولة، وتحقيق المحاسبة والتعويض عن الإنتهاكات التي تعرض لها الضحايا. وهي اعتراف بما اجترحوه من معاناة وما كابدوه من ويلات، لتتمكن الدولة من زرع عرى الثقة في علاقتها بالمجتمع وتقوية سيادة القانون واحلال الديمقراطية بغية تحقيق المصالحة الوطنية وحفظ ذاكرة الشعب.
المخاض العسير لهيئة الإنصاف والمصالحة
جادت التجربة المغربية للعدالة الانتقالية، كخلاصة للتحولات عميقة حصلت خلال سنوات، ومست السياسة والثقافة والمجتمع، ما كان لها أن تكون لولا الإرادة السياسية العليا للدولة وصمود الديمقراطيين واستماتة الضحايا وعائلاتهم وأقاربهم، والوعي الفكري للنخبة الحقوقية، التي دافعت عن حقوق الإنسان والسلم والثقافة و الديمقراطية وحكم القانون.(5)
وجدير بالذكر أن أولى تجارب هيئات الحقيقة والانصاف والمصالحة عبر العالم ظهرت إلى حيز الوجود في منتصف القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وفي المرحلة لاحقة انتقلت إلى أمريكا اللاتينية ومن تم إلى إفريقيا:
– التجربة الأوغندية 1974 . هيئة التحريات حول اختفاء الأشخاص
– التجربة البوليفية 1982 الهيئة الوطنية للتحريات حول اختفاء الأشخاص
– التجربة الأرجنتينية 1983 الهيئة الوطنية حول اختفاء الأشخاص
– التجربة الفليبينية 1986 الهيئة الرئاسية حول حقوق الأشخاص
– التجربة الروندية 1990 الهيئة الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان
– التجربة الشيلية 1990 الهيئة الوطنية حول حقيقة الإنصاف
– التجربة جنوب افريقيا 1995 مفوضية جنوب افريقيا لحقيقة والمصالحة
– التجربة التيمور الشرقية 2002 هيئة التلقي وحقيقة والمصالحة
– التجربة الصربية 2004 هيئة الحقيقة والمصالحة
– التجربة المغربية 2004 هيئةالإنصاف والمصالحة. (6)
قبل ظهور هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب، عرف المجتمع المدني المغربي حركية ودينامية كبيرتين جاءت على النحو التالي:
– انعقاد المناظرة الوطنية لحقوق الإنسان المنظمة من طرف هيئة المحامين بالمغرب 10و11و92 دجنبر 1987
– اصدار الميثاق الوطني لحقوق الإنسان 10 دجنبر 1990 من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لدفاع عن حقوق الإنسان.
– تأسيس المجلس الملكي الاستشاري لحقوق الإنسان في 8 ماي 1990
– الإفراج عن من تبقى من الأحياء المختفين قسريا بالمراكز السرية السابقة، في 23 مارس 1991
– العفو الملكي الشامل عن المعتقلين والمغتربين سياسيا في 8 يوليوز 1994
– تأسيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ي 27 نوفمبر 1999
– شروع هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي في عملها في يناير 2000
– البدء في تسوية ملفات قدماء المعتقلين والمنفيين سياسيا في فبراير2000
– تنظيم أول مناظرة وطنية حول ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في 11 نوفمبر 2001
– تنصيب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، برئاسة عمر عزيمان وأمانة العامة لادريس بنزكري في 10 دجنبر 2002
– رفع المجلس توصية للملك وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة في 14 أكتوبر 2003
– المصادقة على التوصية في 6 نوفمبر 2003
– 07 يناير 2004 استقبال وتعيين أعضاء الهيئة
– 12 أبريل 2004 صدور النظام الأساسي للهيئة
– 30 أكتوبر 2005 انتهاء أشغال الهيئة. (7)
حري بالإشارة قبل التطرق إلى هيئة الإنصاف والمصالحة وآليات اشتغالها، ومجال اهتمامها، إلى أن هيئة التحكيم المستقلة، مهدت الأرضية لعمل الهيئة من خلال تحديد مختلف حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي على ضوء مقتضيات التسريع المغربي والقواعد المتعارف عليها عالميا، بالإضافة إلى القيام بتصنيف كل الطلبات ودراستها، ومن ثم أصدرت التجارب التحكيمية مستعينة في ذلك بما جاءت به التجارب العالمية في ميدان العدالة الانتقالية وأيضا على الأحكام الواردة في المحاكم المغربية وأيضا المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. (8)
دوائر التسويات الممكنة:
جاءت هيئة الإنصاف والمصالحة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب خاصة حالتي الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي
يقصد بالاختفاء القسري التصرف الذي تقدم به أجهزة الدولة والمتمثل في أخذ شخص معين بدون وجه حق، وسلب حريته، واحتجازه بمكان يظل سريا، وعدم إعطاء أي بيانات بشأنه، ويظل في حكم المجهول، كشخص على قيد الحياة، لا يعرف عنه أي شيء مع حرمانه من الحماية القانونية.
أما الاعتقال التعسفي فيعني احتجاز تقوم به الدولة دون مراعاة الشروط الجوهرية والإجرائية المتعلقة بسلب الحرية، وذلك بسبب ممارسة المواطنين حقوقهم الأساسية وعلى وجه الخصوص، حرية الرأي وحرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة سياسيا، أو نقابيا أو جمعويا. (9)
وعليه فإن الهيئة وحسب المادة التاسعة من القانون المنظم لها، فإنها جاءت «لإعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية، يتضمن خلاصات أبحاث والتحريات المجرأة بشأن الانتهاكات الجسيمة وسياقاتها، وتقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة، وضمان عدم تكرار ما جرى، ومحو الأثار المرتبطة عن الانتهاكات، واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون و احترام حقوق الإنسان»(10)
وأوصت هيئات في تقريرها الختامي بضرورة جبر الضرر الجماعي والفردي من خلال التعويض المادي والمعنوي للضحايا، والكشف عن الحقيقة بالإضافة إلى تسوية الأوضاع القانونية والإدارية للضحايا وتأهيلهم صحيا وإدماجهم اجتماعيا، واعادة الاعتبار لأماكن الاعتقال، والمناطق التي عرفت موجات من الاعتقال. مع ضمان عدم التكرار ما وقع في الماضي.
ولوحظ على النظام الأساسي للهيئة السالفة الذكر، إلى أن ديباجته احتكرت 95% من محتواه، في حين حازت المهام على 41% فقط. كما أنه تضمن تطمينا للجناة بعدم إثارة مسألة المتابعة الفردية. بالإضافة إلى مقايضة الضحية بالتعويض وجبر الضرر بعدم إثارة موضوع المتابعة
وتجدر الإشارة إلى أن المتابعة ليست إجراءا انتقاميا، وإنما هو إقرار بمبدأ الإفلات من العقاب.
في حين أن جنوب افريقيا طلبت من الجناة ملأ جذاذات يعترفون فيها بما ارتكبوه من انتهاكات، ومن لم يقدم بهذه العملية، لم يمنح حق العفو. إذ تمت متابعتهم والتشهير بالكثير من الجناة. (11)
ورغم مجهودات الهيئة إلا أن السرية لم ترفع عن بعض الوثائق لأن من شأن رفعها الكشف عن مزيد من الحقيقة. لأنها مطلب الضحايا وعائلاتهم وأيضا مبتغى الجسم المدني. (12)
الذاكرة الجماعية: معوقات استحضار الوجع إلحاحية الحفاظ على الذاكرة
يرى سوريس هاليوكس أن الذاكرة المشتركة لجماعة بشرية معينة، شرط لا محيد عنه، لوجود هذه الجماعة نفسها، وتتشكل الذاكرة ما فوق فردية عند الاستدعاء المشترك لماضي تلك المجموعة الاجتماعية، ويمكن القول أن الذاكرة الجمعية هي ذاكرة الذاكرات الجماعية، أو مجموع هذه الذاكرات في مجتمع ما، وهي تأسيس هوية مجتمع وضمان سيرورته، أما الذاكرة الجماعية خاصة بجماعة وحيدة معينة داخل مجتمع ما، الذاكرة الجمعية هي ذاكرة مشتركة بين مختلف الجماعات المكونة للمجتمع.
ويقصد بها أيضا هي منظومة القيم وأنماط التفكير، وضابط السلوك الفردي والجماعي. (13)
تنشأ الذاكرة وتحفظ انطلاقا من تصور الأفراد في إطار الجماعية في وسط سوسيو ثقافي متجانس في الغالب، لذلك حق القول على أنها مرتبطة بالهوية الثقافية، ضمن النسق الثقافي لذلك الوسط، وأنها ذاتية ونسبية، وأنها تتغير حسب الشروط الداعية إلى حفظها وإحيائها وللظروف والملابسات، وأن حالها الصيرورة وأن النظر إليها لا يستقيم إلا من زاوية سانكرونيه، أي الذاكرة كما هي في الحال، لا كما سنريدها نحن في المآل، لأن الذاكرة مرتبطة بالنسق الثقافي في الغالب وطالما تعيد نفسها وفق نفس الخصوصيات ووفق الوسط. (14)
ويفترض في الذاكرة أن تكون فردية لتعلقها بالحلم والخيال والتذكر وقد سبق لأفلاطون أن اعتبر المعرفة تذكرا والجهل نسيانا، ومع مرور الوقت تبين أن للذاكرة مضمونا سياسيا واجتماعيا وثقافيا وظهرت الذاكرة الجماعية كمفهوم. وكان أول من أثارها في الأبحاث الحديثة هو عالم الاجتماع الفرنسي موريس هاليواكس، (تمت الإشارة إلى تعريفه سابقا) وذلك في كتابه الإطارات الاجتماعية للذاكرة.
يذهب الكثير من الباحثين إلى القول أنه لاطي صفحة الماضي قبل قراءتها. بل يجب اعتماد مقاربة شاملة كفيلة بمعرفة ما حصل في الماضي وتوفير الضمانات حتى لاتتكررأحداثه، فهيئة الإنصاف والمصالحة تركت أرشيفا ضخما (أزيد من 20 ألف ملف)، ناهيك عن جلسات الإستماعات وما تضمنته من شهادات. بالإضافة إلى مذكرات الاعتقال وما تضمنته صفحات الجرائد والشبكة العنكبوتية من معطيات ومعلومات متنوعة ومختلفة الحقائق إلى درجة التعارض والتناقض في بعض الأحيان(15)
وتبقى الذاكرة جملة من الأفكار والرؤى والأحاسيس المحفوظة من الماضي يتشارك فيها، ويجمع عليها عادة معظم أفراد مجتمع ما.(16)
حفظ الذاكرة ورد الاعتبار
تقدم التقارير الدولية الصحراء كفضاء استثنائي تغيب فيه مقومات حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة، في حين يرى المغرب أن هذه التقارير يطبعها الانحياز وعدم الحياد، بالإضافة إلى تواطئها مع جهات خارجية تهدف بالإضرار بصورة المغرب الخارجية وإلى تبخيس المجهودات التي قام بها في ميدان حقوق الإنسان بدءا من الإفراج عن المعتقلين السياسيين مرورا بتجربة الإنصاف والمصالحة وصولا إلى الإصلاحات السياسية المتلاحقة. (17)
وتعتمد هذه التقارير الدولية على مجموعة من الآليات، كالزيارات الميدانية، وإجراء المقابلات، وأخذ الشهادات، والاستشهاد بمضامين تقارير موازية أخرى لمنظمات غير حكومية، وقد تكون هذه التقارير متصفة بالانتظام وفي أحيان أخرى تكون ذات صبغة استثنائية ولعل أبرز هذه المنظمات التي تخوض في هذا المضمار منذ سنوات، البرلمان الأوروبي والخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتش.
وغالبا ما تستحضر هذه التقارير الخلفية التاريخية للنزاع بالمنظمة بالإضافة إلى المقاربة الأمنية السائدة والتطرق أيضا إلى الأجواء التي تجري فيها المحاكمات، بالإضافة إلى تسليطها الضوء على فضاء الحقوق والحريات. معتمدة بشكل كبير على التشخيص والرصد وإصدار توصيات في ختام كل تقاريرها. (18)
وبالعودة إلى تجربة الإنصاف والمصالحة والتي تعد أول تجربة في ميدان العدالة الانتقالية التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا، فإن أول عملية جبر الضرر الجماعي والفردي وحفظ الذاكرة التي همت منطقة الصحراء، فإنها ركزت بشكل أساسي على جمع كافة المعطيات المتاحة على حالتي الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في المنطقة السالفة، فإن قامت في بداية الأمر باستلام جميع الطلبات المقدمة من طرف الضحايا. وقامت بإجراء عمليات البحث والتحري لكشف الحقيقة، وتوصلت إلى الحصول على مجموعات من المعلومات حول مسار الاعتقال بالنسبة للضحايا والكشف عن رفات المتوفين منهم، إلا أنها بقية عاجزة في أحيان أخرى عن إيجاد أجوبة شافية لبعض مجهولي المصير بفعل عدم تعاون بعض الأجهزة الأمنية مع فرق البحث والتحري التابعة للهيئة وهو أمر صرحت به هذه الأخيرة في تقريرها النهائي الذي وضع رهن إشارة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لمتابعة التوصيات الصادرة عن الهيئة. ولقد صرفت تعويضات مادية للضحايا، وتمت تسوية الأوضاع الإدارية والقانونية خاصة لبعض العاملين في القطاع العام، كما تم إدماج بعضهم.
وبخصوص حفظ الذاكرة فإن الهيئة تتوفر على أرشيف هام من المعطيات حول المنطقة التي هي في حاجة إلى الدراسة والحفظ، لكن بعض القصور سجل على عمل الهيئة خاصة في المجال المتعلق بجلسات الاستماع المخصصة للصحراء خاصة الجلسة التي كانت مقررة بمدينة العيون ولم يتم إجراءها. أما بخصوص جبر الضرر الجماعي فإن مناطق التوقيف والاعتقال التي توجد بالمنطقة، لم يتم تحويلها إلى مراكز سوسيو ثقافية، تساهم في المصالحة مع الماضي.
ويبقى على المجتمع المدني دور كبير في الدفع قدما بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة إلى أجرأتها وتنفيذها على أرض الواقع وصيانة الذاكرة الفردية والجماعية والعمل على ضمان تكرار ما حدث في الماضي وإشاعة قيم الديمقراطية، وحماية فضاء الحريات والحقوق وصيانتها ضد الخرق والانتهاك
———————————————
الهوامش:
1- أحمد شوقي بن أيوب: الأسس النظرية لمذهب جبر الضرر. التجربة المغربية للعدالة الانتقالية. منشورات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة فريدريش إبيرت. مطبعة البيضاوي. الطبعة الأولى2008 ص 31 .
2- www.ictj.org
3- أحمد شوقي بن أيوب. الأسس النظرية م.س ص39.
4- المصطفى الصويلح. مشروعية حقوق ‘’مدى احترام ارادة الشعب وتحقيق العدالة نموذجا’’ مجلة وجهة نظر. العدد 48 ربيع 2011.
5- أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
6- أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
7- -أحمد شوقي بن أيوب م.س.ص13.
8-م.س.
9-م.س.
10- الموقع الإلكتروني للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
11-المصطفى صويلح. المشروعية الحقوقية…م.س.
12-برنابي لويث غارسيا الصحيفة العدد10 بتاريخ 18و24 نوفمبر 2005 ص15.
13-ندوة الحسيمة حول «التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الانتقامية يوم الأحد 20 يناير 2013.
14-ندوة الحسيمة حول «التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الانتقامية يوم الأحد 20 يناير 2013.
15- محمد الصغير جنجار. الذاكرة ورهانات كتابة تاريخ المغرب المعاصر-مجلة نشاز- مجلة رقمية تونسية.
16- لحسن ايت لفقيه. التاريخ والأرشيف وحفظ الذاكرة في التجربة المغربية للعدالة الإنتقالية–الريف نموذجا- الحوار المتمدن.
17- محمد أتركين –نزاع الصحراء- رؤية بمنظار التقارير الدولية وجهة نظر العدد 32 ربيع 2007 ص 20.
18-محمد أتركين –نزاع الصحراء- رؤية بمنظار التقارير الدولية وجهة نظر العدد 32 ربيع 2007 ص 22.