حد السوالم: مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير معلمة لصناعة الرجال

بينما كانت السيارة تقطع بنا الطريق إلى “حد السوالم” لزيارة فرعية مجموعة مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير الخاصة للتعليم العتيق بالسوالم الطريفية، تذكرت كلمة الدكتور “عبد المغيث بصير” قبل ثلاث سنوات (يوم السبت 13 شتنبر 2014م)، أثناء إعطاء انطلاق أشغال بناء المسجد وهذه المدرسة الخاصة للتعليم العتيق، حين قال: “هذا المشروع الهام سيكون معلمة لصناعة الرجال بمنطقة حد السوالم وحد السوالم الطريفية، وسيكون له دور مهم في تنمية المنطقة وتحصين الأمن الروحي للمواطنين”.

وصلت رفقة زميلي عمر العمري إلى مدينة “أحد السوالم” حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم الأحد 12 نونبر 2017، اتصلنا بمديرها السيد عبد الرحيم الشبلي، ليدلنا على الطريق المؤدية إلى المسجد والمدرسة، عبر الهاتف أخبرنا بأنها تبعد حوالي كيلومترين عن وسط المدينة عبر طريق سيدي رحال الشاطئ، وتابع قائلا: استفسر أي شخص عن المدرسة القرآنية سيدلك عليها.

فعلا، أول من سألناه دلنا بسهولة على الموقع، مما جعلني أتاكد أن هذه المعلمة القرآنية استطاعت أن تؤثر في محيطها، طبقا لقاعدة شهيرة في عالم العلاقات العامة مفادها: أن مقياس مدى نجاح مؤسستك يكون بمدى معرفة سكان المدينة بها.

من أعلى أكمة الطريق وفي منتصف المسافة التي تفصلنا عن المدرسة القرآنية بدت صومعة المسجد تنكشف أمامنا ومعها باقي المسجد والمدرسة في منظر يشد النفس بجمالية بنايتها المشيدة على مساحة 5000 (خمسة آلاف متر مربع)، وبوصولنا إلى بوابتها أخذتنا روعة معمارها، ورونق زخرفتها المغربية.

في باحة المدرسة كان السيد الشبلي بانتظارنا، بعد التحية أخذنا في جولة للتعرف على مختلف مرافق المؤسسة، التي يتابع بها 460 طالبا وطالبة دراستهم، بدأنا بالمسجد (يتسع لحوالي ألف مصل)، الذي سد خصاصا كبيرا لسكان المنطقة، يؤدون فيه الصلوات الخمس والجمع، وأصبح ملاذهم لصلاة القيام والتراويح ليالي رمضان، بعدما كانوا يفتقدون لهذه المؤسسة المغذية لأمنهم الروحي، وفضل كبير يعود لكل المحسنين الذين ساهموا في بناء المعلمة، وبذلوا جهودهم لاحتضان هذا المشروع، من بينهم السيد “امحمد نجيب” واهب القطعة الأرضية المخصصة لبناء المسجد والمدرسة، والمحسنين الذين يساهمون في استمرار عمل المؤسسة.

المسجد يوجد على يمين الداخل للمدرسة، له باب خاص بالطلبة وبابان للعموم خارج المدرسة، وباب خاص للنساء والطالبات، وعلى اليسار يوجد باب الولوج إلى المدرسة، يأخذك مباشرة إلى قاعات الدراسة في الطابق الأرضي.

يوجد بالطابق الأرضي أيضا المكاتب الإدارية، ويعمل بها 6 أفراد، وفي الطابق تحت الأرضي توجد قاعتين للتعليم الأولي (الروض)، والمطعم والمطبخ (يبلغ عدد المستخدمين والأعوان 14 فرد)، وساحة كبيرة خاصة بتجمع الطلبة والطالبات لأداء النشيد الصباحي والانطلاق منها إلى قاعات الدراسة، كما تخصص هذه الساحة للأنشطة الثقافية والأدبية التي تقام بالمؤسسة، من مسرحيات وأمسيات شعرية ومحاضرات وندوات، تشمل مجال الثقافة والبيئة والتدين والمناسبات الدينية والوطنية… كان آخرها احتفال تلاميذ وتلميذات وأطر ومستخدمي المدرسة بالذكرى 42 للمسيرة الخضراء المظفرة، عبر تشخيص الحدث في ساحة المؤسسة، والقيام بمسيرة حول المدرسة تثبيتا لروح المواطنة لدى الناشئة التعليمية.

بعد أن أتممنا جولة تعرفنا على الفصول الدراسية وبعض المؤطرين التربويين الذين يبلغ عددهم الإجمالي 32 أستاذا، يدرسون الطور الأولي والابتدائي والإعدادي، أخذنا المدير إلى تناول وجبة الفطور، شاي (بالشيبة) وخبز وزيت الزيتون والجبن، وأثناءه جرى حوار بين العمري والمدير:

عمر: كيف يتم الالتحاق بالمدرسة وماهي الأطوار الدراسية بها؟
الشبلي: يبدأ التدريس من الروض إلى الإعدادي وبعدها يلتحق الطالب بالمدرسة الأم ببني عياط إقليم ازيلال لمتابعة دراسته الثانوية.
بالنسبة للالتحاق فيتم عبر الإعلان عن فترة التسجيل، فيها يقبل الطالب أو الطالبة قبولا أوليا بعد تقديم المعلومات والبيانات الشخصية، ومقدار ما يحفظه من القرآن الكريم، ووفق عدد الأحزاب المحفوظة يتم ترتيب المترشحين، فالذي يحفظ القرآن كاملا مقدم على من يحفظ النصف وهو مقدم على من يحفظ الربع أو أقل، وتحصر اللائحة عند بلوغ عدد المقاعد الشاغرة بالمدرسة، والباقي في لائحة الانتظار.
ثم تاتي مرحلة الانتقاء، باستدعاء المقبولين أوليا لإجراء اختبارات كتابية وشفوية، تكون نتائجها حاسمة في تحديد المقبولين نهائيا لمتابعة الدراسة هنا.

عمر: ما هي الصعوبات التي تلاقونها خصوصا وأن المدرسة تقبل الطلبة من الجنسين؟
الشبلي: عند التسجيل الأولي نشترط على المتقدمين عدم استصحاب الهاتف المحمول طيلة مدة الدراسة بالمؤسسة والتي تصل إلى ما يقارب عشرة شهور، وهذا الشرط يتم تنزيله بصرامة شديدة، لهذا لن تجد عند أي طالب أو طالبة هاتفا نقالا؛ وهذا الشرط كان حلا للعديد من المشاكل، فأنا درست بالتعليم العتيق وفق النظام القديم بالزاوية البصيرية، وكنت مدرسا بالمدرسة الأم وفق النظام الجديد، وتجربتي جعلتني أقف بالممارسة عند العديد من الاختلالات التي عشناها أو سمعنا عنها في مدارس أخرى، ونسعى بتوجيه من المشرف على المدرسة مولاي إسماعيل بصير شيخ الزاوية البصيرية ببني اعياط، إلى تجاوزها، وهذا الهدف ولله الحمد تم النجاح فيه بنسبة كبيرة جدا.

من جهة أخرى نلزم الطلبة بعدم الإكثار من الخروج عن حرم المدرسة، ومن يريد الاتصال بوالديه وذويه فله أن يعلم الإدارة وهي تسهل له الأمر.
أما بخصوص دراسة الجنسين، فالمدرسة تحتضن 340 مقيما و120 طالبا خارجيون، عدد الإناث هو: 175 طالبة والباقي ذكور.

ومرافق المؤسسة تم تصميم الولوج ليها وفق نظام يمنع إلتقاء الطلبة والطالبات، فباستثناء الفصول الدراسية التي هي مختلطة، فباقي الفضاءات لكل من الذكور أو الإناث منافذ الدخول والخروج الخاصة. فمثلا الإناث ينتقلن بين المكان المخصص للمبيت وبين المسجد ومكان حفظ القرآن (التدرير) دون أن يلتقين مع الذكور الذين لهم مسار مختلف تماما عنهن.

بعد ذلك توجهنا إلى الطابقين الأول والثاني، لزيارة الفضاء المخصص لمبيت الإناث والآخر المخصص للذكور، الذَين تتوفر فيهما أحسن الظروف المساعدة والمحفزة على طلب العلم، من أَسِرَّة وأفرشة وأغطية وحمامات وخزانة خاصة بكل فرد عليها رقمه.

على سطح المؤسسة تم نصب لوحين كبيرين للطاقة الشمسة، إذ يتم استغلالها لتدفئة الماء الخاص بالاستحمام، وتأمل المؤسس بمساهمة المحسنين لتشمل الإنارة وباقي الاستعمالات الكثيرة للكهرباء بالمدرسة والمسجد.

بالنسبة للماء، فكل الاستعمالات مصدرها بئر المؤسسة، باستثناء الماء الشروب فقد تم ربط المؤسسة بشبكة الماء الصالح للشرب.

بعد عزمنا على مغادرة المدرسة أخبرنا بأن المشرف عليها مولاي إسماعيل شيخ الطريقة البصيرية في طريقه إليها، وصل بعد ثلاث دقائق، توجهنا إلى مكتبه، ودار بيننا حديث عن علاقة التصوف بالتعليم الديني.

“مولاي إسماعيل” له نظرة خاصة للموضوع، مفادها أن أصل التصوف ومبناه على العلم، ويوم فرط فيه شيوخ الطرق والزوايا ضاعت بعض القيم منها العطاء، ولهذا لا بد من العودة إلى العلم لعودة التصوف إلى تحمل أدواره التي تنتظرها الأمة منه.

ينطلق “شيخ البصيرية” من تعريف الصوفي بأنه “ابن وقته”، ولهذا يدعو إلى تخريج علماء ودعاة وخطباء ومرشدين يفقهون واقعهم ويسعون للإجاية على تساؤلات عصرهم، وهذا ما تهدف إليه الزاوية البصيرية ومدرستها للتعليم العتيق.

ونحن نغادر المدرسة وجدنا أولياء الأطفال الذين يتابعون دراستهم بالتعليم الأولي (الروض)، ينتظرون خروجهم، كان عددهم 38 تلميذا وتلميذة، يقطنون بجوار المدرسة والمسجد، أدركت من جديد معنى كلمة د. عبد المغيث بصير: “هذا المشروع الهام سيكون معلمة لصناعة الرجال بالمنطقة”… (يتبع)
خليل بن الشهبة

منقول من موقع اسلام مغربي

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *