جاءكم رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله الذي فرض على عباده المؤمنين الصيام في رمضان، ليطهر به نفوسهم وأجسامهم مما تراكم عليها من الغفلة والأدران، وجعله شهرا كريما للتوبة والغفران، وأنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الرحيم الرحمن، قابل التوب شديد العقاب ذو الطول عظيم الإحسان، القائل: “يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، الذين كانوا يطعمون الطعام، ويكثرون الصيام، ويقومون بالليل والناس نيام، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الليالي وتوالت الأيام، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، ها هو شهر الصيام الذي كنا ننتظر إدراكه قد حل ضيفا عليكم، وحط رحاله بين ربوعكم، هذا الشهر الذي ذكرنا أنفسنا وإياكم بحسن استقباله بالإكثار من تلاوة للقرآن، وتمرس على الصيام، وتفريج لكرب الإخوان، والتضامن مع ذوي الحاجات من الفقراء والمساكين والأيتام، حتى يكون صيامنا لشهر رمضان صياما منتجا لخلق التعبد الخالص للواحد الديان، ولقد اختص الله تعالى شهر رمضان بأن أنزل فيه القرآن وجعله مناسبة طيبة لمحاسبة المرء نفسه، وتطهير قلبه من أدرانه، وتخليص الجسم من رسوباته، وتعديل المرء سلوكه بما يصلحه في دنياه وآخرته، وفي شأن هذا الشهر الكريم، وحول ما يتعلق بفضله العميم روى ابن خزيمة في صحيحه عن سيدنا سلمان الفارسي (ض) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر جمعة من شعبان فقال:”إنه قد أظلكم شهر مبارك عظيم، فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا. قالوا يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الأجر من فطر صائما على ثمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”، أيها المسلمون، إن رمضان شهر أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الشهور، شهر الصبر على الطاعة لله، والإستسلام لأمره، والإنقياد لعبادته، فعلينا أن نخلص فيه العمل، وأن نستغله بما يليق به من أنواع العبادات ومحاسن الأخلاق وكريم الخصال، إنه شهر الصدق والثبات، وفطم النفس عن الشهوات، وتطهيرها من الحسد والحقد والضغينة وكل الحزازات، والتنافس والتسابق إلى الخيرات، روى البيهقي عن سيدنا جابر (ض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل”. وهكذا ينبغي أن نعلم من أخبار وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا أمام شهر عظيم، فيه تنزل الرحمة وتستجاب الدعوة، وتغفر الخطيئة، إذا نحن داومنا فيه على التدبر والإحسان، والتذكر وتلاوة القرآن، وتعمير المساجد بالذكر والقيام، ولم نجعل هذا الشهر ولا غيره من أيام الله موسما للموائد الحافلة الزاخرة والسهرات الماجنة الفارغة التي تنشر لها الدعاية على القنوات التلفزية والإذاعية. إن شهر رمضان مناسبة فريدة، وفرصة ثمينة للتخلص من العادات الخبيثة والخصال القبيحة كالخمر والتدخين والقمار وغيرها من أنواع الرذيلة التي ابتلي بها الناس في هذه الأعوام. أيها المؤمنون والمؤمنات، شهر رمضان هو شهر لمدارسة القرآن، والحصول على الثواب والتقرب إلى الله العزيز الوهاب بإقالة العثرات ومضاعفة الحسنات والتنافس في الخيرات والمبرات، وتعلم فقه الصيام بالجلوس بين يدي العلماء ليكون صيامنا موافقا لمنهج قدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيا ذوي الهمم العالية، والنفوس المرضية المطمئنة، ويا ذوي المطالب الرفيعة السامية، اغتنموا الفرصة قبل أن تكون غصة، فلأوقات الفضائل فوات وسيندم عليها المفرط يوم التنادي ويوم الحسرات، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون والمؤمنات، نحن بين يدي شهر فضائله كثيرة، وحسبه في الفضلِ أنّ الله تعالى أنزل فيه القرآنَ العظيم الذي جعله الله نورًا وهُدى، وجعله زمنًا للصّوم الذي هو سرٌّ بين العبد وبين ربِّه روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: كلّ عمل ابنِ آدم يضاعَف، الحسنةُ بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعف، قال الله تعالى: إلاّ الصوم، فإنّه لي، وأنا أجزي به، يدَع شهوتَه وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطرِه، وفرحة عند لقاءِ ربّه، ولَخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك”، ومِن فضائل رمضانَ ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (ض) قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخلَ رمضان فتِّحت أبوابُ الجنّة، وأغلقَت أبواب جهنّم، وسلسِلت الشياطين”. عباد الله، إذا صام أحدُكم فليصُم سمعُه وبصره وجوارحه عن المحرّم، وفي الحديث: “إذا كان يوم صوم أحدِكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إنّي صائم”، وعلى الصائم أن يحافظ على السّحور، فعن أنس (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تسحّروا فإنّ في السّحور بركة” لأنّ فيه قوّةً للبدن على الطّاعة، ويُسَنّ تأخيره ما لم يطلع الفجر، ويُسَنّ تعجيل الفِطر لما رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد (ض) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر” لأنّ ذلك يدلّ على إظهار سنة النبي صلى الله عليه وسلم في فقه الصيام. “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” الدعاء.