توجيهات هامة إلى حجاج بيت الله الحرام قبل التوجه إلى الديار المقدسة

بادئ ذي بدء، أيها الإخوة الحجاج أيتها الأخوات الحاجات نهنئكم على توفيق الله عز وجل واختياره لكم بزيارة تلكم البقاع الطاهرة، فأنتم في حقيقة الأمر جد محظوظين، وأنتم تعلمون،

كم كان عدد أولئك الناس الذين تقدموا معكم أثناء إجراء القرعة، ومنكم من أجرى القرعة سنوات وسنوات وهو ينتظر، وكيف أن الله عز وجل اختاركم من بينهم لتلبية ندائه هذه السنة، فكونوا في مستوى هذا الاصطفاء الرباني، حيث جعلكم من الذين سيلبون وسيؤدون الركن الخامس، فريضة الحج التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان الدين.

أيها الإخوة الحجاج والأخوات الحاجات، أحب من خلال هذه الكلمات أن أذكركم بجملة من التوجيهات الهامة، قبل حلول موعد رحلتكم المباركة، ومنها:

النية الصادقة: جددوا نياتكم أيها الحجاج وأخلصوها لله، فبعض الناس يحج لأن العادة تقتضي ذلك، أو لأن الناس يحجون، أو لعامل السنن أو ليقال أنه حاج، فلذلك يستحسن أن تكون نيتك بأنك إنما تحج لتؤدي الفريضة امتثالا لأمر الله، تأدية للركن الخامس من أركان الإسلام، بغية غفران ذنوبك وتقوية إيمانك، عسى أن ترزق القبول وتدخل مع الداخلين بحول الله إلى الجنة، واعلموا أنكم ضيوف الرحمن حقيقة واستشعروا ذلك.
أذكركم باستحضار معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”، فاحرصوا على أن يسلم حجكم من الكلام القبيح والمعاصي والدناءات والسباب، واستحضروا الإخلاص لله، واحرصوا على الابتعاد على المال الحرام وكل مال مشبوه وعدم الاعتداء على حقوق الغير، وكونوا متسامحين وتنازلوا لله تعالى عن التشبث بحقكم في حق كل من ظلمكم من الحجاج أو تعدى عليكم .  
التوبة النصوح من كل الذنوب سواء منها التي بينكم وبين الله أو التي بينكم وبين العباد.
أذكركم أيضا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم: “السكينة السكينة فإن البر ليس بالإ يضاع”، في هذا الحديث بيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَكَلُّفَ الْإِسْرَاعِ فِي السَّيْرِ لَيْسَ الْبِرَّ، أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ، وَمِنْ هَذَا أَخَذَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز قَوْلَهُ لَمَّا خَطَبَ بِعَرَفَة: “لَيْسَ السَّابِقُ مَنْ سَبَقَ بَعِيرُهُ وَفَرَسُهُ وَلَكِنَّ السَّابِقَ مَنْ غُفِرَ لَهُ”، فالخير كل الخير أيها الإخوة الحجاج أيتها الأخوات الحاجات ليس بالإسراع والعجلة والمدافعة والمزاحمة.
التحلي بالصبر، وملازمة الجماعة والرفقة التي معكم لئلا تضيعوا عنها فتفتنوهم في عبادتهم.
الرجوع إلى البعثة العلمية والإدارية والصحية كلما عن لكم أمر مهم، وتعاملوا معهم بكامل أخلاق المؤمن، واعلموا أنهم في خدمة الجميع وأنهم في سهر دائم، ولا داعي لإحراجهم على توافه الأمور.
عدم الاشتغال بالأسواق وما يتعلق بها إلا في آخر أسبوع من حجكم. والحذر في هذا الجانب من الإسراف والتبذير والمباهاة .
زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، للسلام عليه والصلاة عليه، فقد ورد في فضل زيارته فضائل كثيرة، واحرصوا على طلب شفاعته لدى المولى تعالى، والتوسل به في غفران الذنوب وطلب القبول، فليس في كل ذلك من بدعة .
اعرضوا ما يهدى لكم من كتيبات على العلماء المرافقين لموكبكم لينظروا في شرعيتها وتوافقها مع ثوابت الأمة المغربية.
اشتغلوا بالذكر وحركوا ألسنتكم به آناء الليل وأطراف النهار، فقد ورد في فضله آيات كثيرة وخاصة في تلك البقاع يقول تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) ويقول: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)، ويقول: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله)، ويقول أيضا: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا)، واجعلوا عقب ذلك دعاء، فإن الدعاء مستجاب في تلك الرحاب، ولا تنسوا الدعاء لملككم ولبلادكم ولجميع المسلمين، فإن لكم عناية خاصة لدى مولانا أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله، وتظهر هذه العناية بوفدكم، في أنه يحرص على توجيه رسالة ملكية سامية إلى أول فوج من الحجاج يغادر أرض المملكة الشريفة، كما يحرص على بعث وفد رسمي يرعى شؤون الحجاج عن كثب، وقد اخترت لكم بعض نصائح وتوجيهات مولانا أمير المؤمنين لحجاج بيت الله الحرام من رسائله السابقة، يقول جلالته حفظه الله: “اعلموا وفقكم الله أنكم ستحلون برحاب الأرض المقدسة في ضيافة الرحمن وستصلون بالمسجد الحرام الذي تعتبر الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وستنزلون بالبلد الذي أقسم الحق سبحانه به تشريفا له وتعظيما، فقال عز من قائل: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) كما أنكم ستزورون مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فاحرصوا على أن تتحلوا بجميع الصفات والمكرمات، وعظيم الخصال، وكونوا مثالا يحتذى به في حسن السلوك والمعاملة وطيب الأخلاق والمعاشرة حتى تنالوا رضا الرحمن وإعجاب مختلف الشعوب والأقوام التي تأتي من كل فج عميق مجتمعة على كلمة التوحيد”… ولا تنسوا – رعاكم الله – أنكم تمثلون بلدكم العظيم وحضارتكم المجيدة، وأمجادكم التليدة، فكونوا خير سفراء لبلدكم”…” واجعلوا  نصب أعينكم أن الحسنات والسيئات تعظم بعظم الزمان والمكان، واجعلوا ألسنتكم تلهج بالتلبية والحمد لله تعالى الذي يسر لكم أداء هذه الشعيرة العظمى”…” واحرصوا كذلك على احترام كل الإجراءات والتنظيمات الخاصة بمناسك الحج والعمرة والزيارة التي تضعها المملكة العربية السعودية الشقيقة”…” وتذكروا في ذلك المقام العظيم ما عليكم من واجب الدعاء لملككم أمير المؤمنين الساهر على راحتكم وعلى وحدة دينكم ووطنكم واستقرار بلدكم وأمنه وتنميته وازدهاره”.

أحب في الختام أن أذكركم بقولة شهيرة للإمام علي رضي الله عنه وكرم وجهه يقول: “أرأيت أسراب الحمام الظامئة وهي تحط بجانب الغدير؟، فكم يكون حرصها على التزود منها قبل أن تطير إلى القاحل من البقاع؟ فعلى الحاج أن يرى نفسه كمثل هذا الحمام الذي ساقه العطش إلى غدير الحرمين الشريفين، ليرجع بزاد العمر كله، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *