توثيق جوانب من حياة طائفة المغاربة في القدس الشريف
ملخص: تتحدث هذه الدراسة عن جوانب من تاريخ طائفة المغاربة في القدس الشريف، واستقرارهم بها، وتبين مدى اهتمامهم الديني فيها باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتتعرض إلى أوقافهم فيها، وزيارتهم لها والإحرام منها قبل الحج، أو زيارتها بعد
الانتهاء من مناسك الحج، وبداية تكوين حي خاص بهم في القدس الشريف منذ أواخر الفترة العباسية، وتفاعلهم مع الجماعات الأخرى داخل هذه المدينة، وتعرض وجودهم في هذه المدينة المقدسة إلى مأساة كبيرة تمثلت في طردهم من الحي الخاص بهم بالقوة، وذلك بعد الاحتلال الإسرائيلي لهذه المدينة عام 1967 م، وإجبارهم على مغادرة المدينة، وتركهم في العراء بلا مأوى دون أي اعتبار للنواحي الإنسانية، وتدمير هذا الحي وقيام الصهاينة بإقامة ساحة لصلاتهم على أنقاضه.
Abstract
This stady deals with the religious of the holy city of Jerusalem to Al-Magarebah community the – one of the Islamic sects that settled in Jerusalem since the advent of Islam to north Africa-their homeland. this was due to the fact that the city has in one of its parts ,the third holy mosque. Moreover ,it is a symbol of religious importance to them ,in addition to Makkah and Al-Medina-Al-Munawarrah,the other two holy cities to all muslims, It also deals with their entails, theirs visit and the place where they put Ihram clothes on them before starting their Hajj to Makkah, or visting it after the Hajj. Then they started establishing their own neigbourhood in jerusalem at the end of the Abbasi era. their presence in the city and interaction with other sects\groups was exposed to great danger.they were dismissed from the holy city by Israeli forces after the war of 1967. They were left homeless without any respect or consideration to human aspects. The Israeli forces destroyed their part in the city and the Zionists started to do their prayers from that place since then.
المقدمة:
كانت مدينة القدس محورا رئيسا في العلاقات بين الشرق والغرب وتفاعلها في العصور الوسطى، حين تعرضت هذه المدينة إلى هجمات استعمارية شنها الغرب الأوروبي على الشرق الإسلامي استمرت مدة قرنين من الزمان من جهة، وجرى خلالها تغيير الواقع الديمغرافي لمدينة القدس بشكل كامل، وهذا شكل الهاما روحيا عند المسلمين، وإصرارا قويا على استعادة كافة الأراضي التي احتلها الفرنجة في الشرق .
وقد مهدت حروب الاستراد التي شنها المسلمون لإعادة الوجه الإسلامي لهذه المدينة، وإجراء تغيير في التركيبة السكانية فيها، كما مهد لاستقرار العديد من الطوائف الإسلامية فيها، وكانت إحدى هذه الطوائف هي طائفة المغاربة التي استقرت في المدينة قبل غزو الفرنجة، وتعرضت لتهجير منها أثناء الغزو، وأعادت تنظيم نفسها واستقرارها بعد هذا الغزو، وتفاعلت بشكل واضح وساهمت في حركة الإفاقة والوحدة الإسلامية نحو الأخطار المحيطة بهم.
وفي هذه الدراسة ناقش الباحث بداية استقرار المغاربة في القدس ومجاورتهم للحرم الشريف، وحرصهم على الإحرام انطلاقا من القدس الشريف، ومواقفهم الجهادية في مواجهة الفرنجة بعد احتلالهم إجزاء من بلاد الشام .
وتطرقت الدراسة كذلك إلى أوقافهم، ومنها وقفية الملك الأفضل بن السلطان صلاح الدين الأيوبي، وتواصلهم مع المغرب عبر السفارات والرحلات المتجهة إلى الشرق، وأخيرا هدم حارتهم وتشريدهم عن هذه المدينة ضمن سياسة التهويد التي تمارسها السلطات الصهيونية تجاه المدينة وسكانها العرب .
وهدفت هذه الدراسة إلى ما يلي:
أ ـ توثيق جوانب من حياة طائفة المغاربة في القدس الشريف بعد أن تعرضوا للشريد والتهجير، وهدم حارتهم، وتحويلها إلى مكان للعبادة لليهود في أعقاب عام 1967 م .
ب ـ التأكيد على عروبة وإسلامية حائط البراق الشريف وحارة المغاربة المجاورة له في وجه موجه الهجمات التي تستهدف تهويد هذه الأمكنة الإسلامية المقدسة.
ج ـ توضيح دور هذه الطائفة كأحد الطوائف الإسلامية العريقة في مدينة القدس منذ الفتح الإسلامي، وتفاعلها الإيجابي داخل مدينة القدس.
وقد اعتمدت هذه الدراسة على عدد من الوثائق غير المنشورة والمسجلة ضمن سجلات المحكمة الشرعية في القدس، وعلى عدد من المصادر الأولية التي تطرقت إلى هذا الموضوع، والمراجع الحديثة، والمقالات التحقيقات الصحفية حول هدم حارة المغاربة وتشريد سكانها، والقسوة التي استخدمها الصهاينة في سبيل إخراجهم من المنازل التي عاشوا فيها مئات السنين .
1. استقرار المغاربة في القدس :
كانت مدينة القدس الشريف محطة هامة من محطات الرحالة والحجاج المغاربة وهم في طريقهم إلى الحجاز وبقية أقطار المشرق الإسلامي، ومركزا لاستقرار جماعة منهم في هذه المدينة، وفي مواقع شتى من فلسطين باعتبارها أرض مقدسة، وأرض رباط ظالما تعرضت للعديد من الهجمات الخارجية بغية السيطرة عليها سواء لأهميتها الاقتصادية أو الدينية أو الإستراتيجية (1) .
وقد استقر قسم كبير من المهاجرين المغاربة في مدينة القدس، وفضلوا جوار الحرم القدسي الشريف، وتفاعلوا مع المجتمع المحلي، واندمجوا فيه، وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من سكان القدس منذ دخول الإسلام واستقرارهم فيها وحتى الآن بالرغم من هدم حارتهم وإجبارهم على النزوح منها .
كانت القدس محل قدسية، وتقدير، واحترام عندهم، فهم من أوائل من طبق فضيلة الإحرام انطلاقا من القدس الشـريف، التي أكدها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الرحالة المغربي الشيخ أبـو إسحاق ابراهيم بن يحيى المكناسي في كتابه “كتاب فيه فضايل بيت المقدس” قائلا:
“… عن أم سلمة أن النبي صلى الله علية وسلم قال: من أهل من بيت المقدس غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأدخل الجنة، وعن أبي داود(2) بسنده إلى أم سلمة (3)أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة…” (4).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) التازي، عبد الهادي، القدس والخليل في الرحلات المغربية، ص 11 ـ15 .
(2) أبو داود، سنن أبي داود ،ج2، ص 144، كتاب المناسك باب في المواقيت،حديث رقم 1741.
(3 ) أم سلمة: هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وهي ابنة عم خالد بن الوليد وآخر من توفي من أمهات المؤمنين وذلك عام 59هـ /678 م، وقد روى لها البخاري ومسلم ثلاثة عشر حديثا شريفا. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 8، ص 86؛ ابن الأثير،، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 5، ص 588.
(4) المكناسي، كتاب فيه فضايل بيت المقدس، ص 12 ب .
ويبدو أن صاحب هذا الكتاب ـ الذي لا يزال مخطوطا ـ قد عاش في مكناس(1 ) في القرن السابع الهجري / الثالث عشر للميلاد، وارتحل إلى المشرق، وجاور في القدس بعد أن أدى فريضة الحج (2).
وعلى أية حال فإن فضيلة الإحرام من القدس الشريف نادت بها العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، والتي قام بها العديد من الصحابة الكرام، وسار في أثرهم العديد من الجماعات الإسلامية بمن فيهم المغاربة (3)، قد تعطلت في الوقت الحاضر لعدة أسباب أهمها : الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس، وعدم رغبة المسلمين بزيارة هذه البقعة المقدسة، وهي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والإجراءات الإسؤائيلية التي تحول دون زيارتهم لها.
وعند احتلال الفرنجة لمدينة القدس عام 492 هـ / 1099 م، وعدم مقدرتهم على التوجه والإحرام انطلاقا منها، قام شيوخهم بسن صلاة الرغائب فـي منتصف شهر شعبان ابتهالاً إلى الله العلي القدير لتحرير القدس الشريف من سيطرة الفرنجة، وتعويضا عن انقطاع زيارتهم عنها .
كما أنهم طبقوا قدسية الأوقاف في هذه المدينة إلى درجة أنه اعتبر من وقف بالقدس من ماله أربع وقفيات كان كمن حج، وهم الذين بينوا أهمية المجاورة فيها مما أدى إلى انتشار الطائفة بشكل واسع في القدس الشريف (4) .
ــــــــــــــ
(1) مكناس: مدينة في المملكة المغربية، على بعد 50 كم إلى الغرب من فاس،اشتهرت بزراعة الزيتون حتى سميت مكناسة الزيتون .الحميري،الروض المعطار في خبر الأقطار، ص 544.
(2)العسـلي، مخطوطات فضائل بيت المقدس، ص 57.
(3) للمزيد عن فريضة الإحرام من القدس الشريف راجع : المنذري، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ج 2، ص190 ؛ المكناسي، فضائـل بيت المقدس وفضائل الشام، ص 12 ب ؛ الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ج 1، ص351 ـ 352 ؛ العسلي،، حارة المغاربة في القدس وأهميتها التاريخية، ص20، الدوري، القدس في الفترة الإسلامية الأولى، ص 145 .
(4) العبادي، القدس في التاريخ والحضارة، ص25 .
ويهمنا في هذا المجال استقرار المغاربة في القدس الشريف، وتكوين جماعة لها تأثير فاعل في تاريخ هذه المدينة إلى جانب إخوانهم من الطوائف الإسلامية الأخرى.
والحقيقة أن المصادر المعاصرة لا تسعفنا بالحديث عن بدايات استقرار المغاربة في القدس الشريف، وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أن ذلك قد تم في نهايات العصر العباسي، وخصوصاً بعد أن قدموا بشكل مكثف مصاحبين امتداد الدولة الفاطمية نحو الشرق (1)، وقد بدأنا نتلمس بداية تكوين جماعة لها تأثير ديني في حلقات المسجد الأقصى من خلال رحلة ابن العربي(2)الذي وصلها بصحبة والده ـ الذي شغل منصباً مهماً في دولة بني عباد (3) ـ عام 486هـ/ 1093م، ومكث في هذه المدينة معبرا عن حبه لها في كتابه المعروف باسم قانـون التأويل (4)، وأورد في كتابه هذا أنه فضل البقاء في مدينة القدس الشريف على غيره من المناطق، بعد أن لمس حركة علمية نشطة، قائلاً لوالده: “… إن كان لك نية في الحج فامض لعزمك فإني لست برائم عن هذه البلدة حتى أعلم علم من فيها…”، وقد اجتمع ابن العربي بالعديد من علماء القدس.
ــــــــــــــ
(1) ابـن القـلانسي، تاريخ دمشق، ص 14، 41 ،44 ،82 ؛ المقريـزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمـة الفاطميين الخلفا ،ج1، ص 249 ،256.
(2) أبو بكر عبد الله بن محمد المعروف بابن العربـي، عالم مسلم نشأ في إشبيلية، وانتقلمنها إلى المغرب، وطاف معظم أقطار العالم الإسلامي، وتوفي أثناء رحلته إلى مدينة فاس سنه 543 هـ/ 1148 م. ابن العربي، العواصم من القواصم، ص 5 ـ 29 ؛ Pellet , C. H. , Ibn Al Arabi , E. I 2. , Vol. , III , pp. 706 – 707.
(3) إمارة بني عباد : إحدى الإمارات الإسلامية في الأندلس، وحكمت بعد سقوط الخلافة الأموية هنـاك، وكانت عاصمتها إشبيلية، وامتد حكمهم بين عامي 414 ـ483 هـ / 1023 ـ 1090 م. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون ،ج 4، ص200 ـ 204 ؛Levi – Provencal , E. , Abbadids , E. I2. ,Vol. , I , pp. 1- 5.
(4) كتاب قانون التأويل وصلتنا شذرات فيه عن رحلته إلى الشرق والذي دونها في كتابه المفقود ترغيب الرحلة للترغيب في الملة : ابن خلدون، ج 6، 250 ؛ عباس، إحسان، الجانب السياسي من رحلة ابن العربي إلى الشرق، ص217 ـ 236.
الشريف(1) من أبرزهم الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الأندلسي الطرطوشي(2) حيث يقول ” … ومشيت إلى شيخنا أبي عبد الله الفهري رحمة الله عليه،وكان ملتزما من المسجد الأقصى… (3) “
وقد أشارت العديد من المصادر الإسلامية إلى جماعات المجاورين المسلمين من كافة الأقطار الإسلامية بمن فيهم المغاربة في الحرم القدسي الشريف، والذين استشهدوا على يد الفرنجة أثناء احتلالهم لمدينة القدس عام 492هـ /1099 م، فذكرت : “… وقتل الفـرنج، بالمـسجد الأقصـى، ما يزيد على سبـعين ألفاً، منهم جمـاعة كثيرة من أئمة المسلمـين، وعلمائـهم، وعبـادهم، وزهـادهم، ممــن فارق الأوطان وجـاور بذلك الموضع الشـريف… ” (4)، وقد أكد هذه الرواية العديد من المؤرخين الفرنجة الذين رافقوا الحملة الفرنجية الأولى وكتبوا عنها، حيث أكد كل من المؤرخ المجهول أن قبة الدماء فاضت من الصخرة المشرفة (5) كما أورد ريموند داجيل قائلا : “وفي معبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التقى ابن العربي عددا من علماء القدس منهم : نصر بن إبراهيم النابلسي، وعطـاء المقدسي، والزوزني، والصاغاني، والزنجاني، والريحانـي. ابن العربي، أحكـام القرآن،، ق 4، ص1584 ؛ ابن العربي، آراء أبي بكر ابن العربي، ج 2، ص61.
(2) أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي: عالم مغربي جاور في القدس الشريف عام 476 هـ/ 1082 م، والتقى به ابن العربي وله كتب منها: كتاب سراج الملوك وتوفي عام 520 هـ/ 1126 م(1). ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان،ج 4، ص 262 ـ 264.
(3) ابن العربي، قانون التأويل، ص91 ـ 106؛ عباس، إحسان، رحلة ابن العربي إلى المشرق كما صورها “قانون التأويل”، ص59؛ عباس، إحسان، الحياة العمرانية والثقافية في فلسطين خلال القرنين : الرابع والخامس، م 2، ص365.
(4) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 10، ص283 ؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج 5، ص25 ؛ الحنبلي، ج 1، ص 447 ؛ عـبد المهدي، عبد الجليل، بيت المقدس في أدب الحروب الصليبية، ص17، 26.
(5) مؤرخ مجهول، أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، ص 118 ـ 119.
سليمان [المسجد الأقصى] وفي الرواق خاض الصليبيون بخيولهم في الدم الذي وصل إلى ركبهم وسروج خيولهم … ” (1) .
وأثناء الحروب الصليبية أشارت المصادر إلى مواقفهم الجهادية بشكل واضح، فقد تطرق أسامة بن منقذ(2) إلى جهادهم ومعاناتهم ووقوع عدد منهم في أسر الفرنجة ضمن كتابه الاعتبار(3)، وتحدث ابن جبير(4) عن العديد من مواقفهم الجهادية كذلك أثناء رحلته إلى الشـرق، حيث قالل : ” وأكثر المعترضين في هذا المكس من المغاربة [ الضريبة التي تفرض على العبور من دمشق إلى عكا ] ولا اعتراض على غيرهم من جميع بلاد المسلمين، وذلك لمقدمة منهم أحفظت الإفرنج عليهم، ببها أن طائفة من أنجادهم غزت مع نور الدين، رحمه الله، ظأحد الحصون فكان في أخذه غنى ظهر واشتهر، فجازاهم الإفرنج بهذه الضريبة المكسية ألزموها رؤسهم، فكل مغربي يزن على رأسه الدينار المذكور في اختلافه على بلادهم…” (5).
وأثناء الحروب التي دارت رحاها في فلسطين بين المسلمين بقيادة السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي والفرنجة، طلب السلطان صلاح الدين الأيوبي المساعدة بشكل خاص من خليفة الموحدين المغربي المنصور يعقوب بن يوسف
ـــــــــــــــ
(1) ريموند داجيل، تاريخ الفرنجة غزاة بيت المقدس، ص 247.
(2 ) أسامة بن منقذ: شاعر وفارس مسلم، ولد في مدينة شيزر على نهر العاصي في شمال سوريا،، عاصر الاحتلال الفرنجي، وزار القدس عدة مرات أثناء احتلال المدينة، وله عدة مؤلفات منها كتاب الاعتبار أو حياة أسامة، وكتاب العصا، وديوان شعر بعنوان المنازل والديار، وتوفي عام 584 هـ / 1188 م .ياقوت الحموي، معجم الأدباء، ج5، ص 188 ـ، 245.
(3) ابن منقذ، الاعتبار، ص 81 ـ 82 .
(4) ابن جبير : محمد بن أحمد الكناني، كانت رحلته المعروفة باسم ” تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار” ثمرة ثلاث رحلات استغرقت ثلاث سنوات بين عامي 578 هـ ـ 581 هـ / 1182 ـ 1185 م. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج13، ص 128 ؛Pellet , C. H. , Ibn Djubayr , E. I2. ,Vol. , III , p. 755.
(5) ابن جبير، ص247، 253.
بن عبد المؤمن الموحدي (1) وبين حاجة المسلمين في الشرق إلى المساعدة وتعاون إخوتهم في المغرب للوقوف في وجه الهجمات الفرنجية المتلاحقة عليهم، وكان هذا الطلب عبر سفارة برئاسة سيف الدولة عبد الرحمن بن منقذ (2) الذي مدح الخليفة الموحدي في قصيدة جاء فيها :
سأشكر بـحـرا ذا عباب قطعتـه
إلى بحـر جود ما لنعماه ساحـل
إلى معدن التقوى إلى كعبة الهـدى
إلى من سمت بالذكر منه الأوائـل
إليك أمير المسلمين ولـم تــزل
إلى بابك المأمول تزجى الرواحـل
قطعت إليك البر والبحر موقنـــا
بأن نداك الغمر بالنـجح كافـــل
فما راعني من وجبـة البر رائـع
ولا هالني من زاخر البـحر هـائل
رجوت بقصديـك العـلا فبـلغتها
وأدنى عطايـاك العـلا والفضائـل
ـــــــــــــ
(1) يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن: خليفة الموحدين من عام 580 هـ/1184 م، حتى عام595 هـ/1198 م. سبط بن الجوزي،، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، ج 8، ق 2، ص464؛ بوزورث، كليفورد، الأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، ص56؛ كريم، عبد الكريم، صلاح الدين الأيوبي ويعقوب المنصور الموحدي، مجلة التـاريخ العربي، عدد 2، 1997 م، ص17 ـ 22.
(1) الأمير سيف الدولة عبد الرحمن بن منقذ : أبو الحارث عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن علي بن منقذ، ولد في قلعة شيزر شمال سوريا عام 523 هـ /1128 م، توفي في القاهرة عام 600 هـ/ 1203 م، وهو ابن أخ الشاعر، والفارس المشهور أسامة بن منقذ صاحب كتاب الاعتبار .الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 18، ص251 ـ 252 ؛ المقري، نفح الطـيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 4، ص70.
ومن كان غايات المعالي طلابــه
يهون علـيه كـل أمر يحــاول(3)
البحر الطويل
وأرسل له الخليفة 180 سفينة ضخمة أطلق على كل منها أسطول لضخامتها لنجدة الإسلام والمسلمين.
ويبدو أن هذه المساعدات قد أفسحت المجال أمام التواصل بين الشرق الإسلامي والمغرب، ومهدت الطريق أمام استقرار المغاربة في القدس الشريف بعد رحيل الفرنجة عنهـا وتحريــــرها من الفرنجة عام 583 هـ / 1187 م (2) .
واعترافاً من الأيوبييـن بفضلهم، ودورهم في التصدي للفرنجة، وحاجته إلى إسكانهم في القدس ضمن سياسة ملء الفراغ بعد رحيل الفرنجة عنها، أوقف الملك الأفضـل بن السلطان صلاح الدين الأيوبي(3) حارة المغاربة في القدس الشريف عليهم، شكلت الأساس الفعلي لاستقرارهم، وموطئاً ثبت أقدامهم فيها، ولأهمية هذه الوثيقة نسطرها كما وردت في المصدر :
ـــــــــــــــــــــ
(2) أبو شامة، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، ج 4، ص 205، 206، 265 ـ 266 ؛ المقري، نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، ج4، ص 71- 72 .
(2) كان عدد المراسلات بين صلاح الدين والمغاربة خمس منها : رسالتان من السلطان إلى أمير المؤمنين يعقوب بن يوسف الموحدي، ورسالتين إلى سفيره بالمغرب سيف الدول بن منقذ، ورسالة من القاضي الفاضل إلى صلاح الدين. للمزيد راجع : أبو شامة، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، ج 4، ص 205، 206، 265 ـ 266 ؛ ابـن واصــل، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ،ج 2، ص496 ـ 517 .
(3) الأفضل : الملك الأفضل أبو الحسن علي بن يوسف، أكبر أولاد السلطان صلاح الدين، حضر مع والده معركة حطين عام 583 هـ / 1187 م، وتوفي عام 622 هـ / 1225 م. ابن خلكان، ج 3، ص419 ؛ Gibb , H. , AL Afdal , E. I2. ,Vol ., I , p. 215
وقف حي المغاربة
شرط واقف محلة المغاربة قيد بإذن مولانا وسيدنا أشرف قضاة الإسلام سيد الموالي العظام صدر أساطين العلماء الأعلام شجاع الدين أفندي قاضي القدس الشريف (1) أدام الله تعالى دولته وهذا الكتاب متصل الثبوت والتنفيذ بحاكم الشريعة إلى يومنا هذا وقيد بتاريخ 26 شعبان سنة 1004 هـ(2).
يشهد من أثبت اسمه وشهادته آخر هذا المحضر وهم يومئذ من الشهود الأمناء الأحـرار العقلاء المسلمين الذكور الأخيار من أهل علم ومخبرة بما يشهدون به شهادة عرفوا صحتها وتحققوا معرفتها وعلموا حقيقتها لا يشكون فيها ولا يرتابون [ … ] ويلقون الله بأدائها أنهـم يعرفون جميع الحارة المعروفة المسماة بحارة المغاربة الكائنة بمدينة القدس الشريف ويحدها ويشـمل [ … ] بالحدود [ … ] الحد الأول وهو القبلي ينتهي إلى سور مدينة القدس الشـريف وإلى الطريق المسلوكة إلى عين سلوان (3) وغيرها والحد الثاني وهو الشرقي ينتهي إلى حائط الحرم الشريف الحد الثالث وهو الشمـالي ينتهي إلى القنطرة المعرفة بقنطرة أم البنات، والحد الرابع وهو الغربي ينـتهي إلى دار الفاضل(4) وإلى سفل الدار المعروفة بالمولى القاضي الإمام العالم شـمس الديـن قاضــي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم أعثر له على ترجمة ويبدو أنه قاضي القدس الشرعي خلال تلك الفترة العثمانية وهي الفترة التي أعيد فيها تسجيل الوقفية وهو : 26 شعبان سنة 1004 هـ/الخامس والعشرين من نيسان عام 1596 م.
(2) الخامس والعشرين من نيسان عام 1596 م.
(3) عين سلوان: سلوان قرية فلسطينية مجاورة لسور القدس من الجنوب، وتحوي عددا من الينابيع التي تحظى بقدسية لدي اليود والمسيحيين والمسلمين ومن هذه الينابيع: عين أم الدرج،، بركة سلوان، البركة التحتانية، عين المقذوفات، بئر أيوب، عين اللوزة، وقد أوقف الخليفة عثمان بن عفان عين سلوان على فقراء بيت المقدس. البشاري المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 114، الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ج 2، ص 112 ـ 114 ؛ الدباغ، بلادنا فلسطين، ج 8، ص 151 ـ 155.
(4) هكذا وردت في المصدر دون تفصيل، ولا يمكن تفسيرها على أنها منزل قاضي القدس لأنه يورد عبارة دار الإمام شمس الدين قاضي القدس الشريف في العبارة اتي تليها.
القدس الشريف(1) كان ثم إلى دار الأمير عماد الدين بن موسكي (2) ثم إلى دار الأمير حسام الدين قايماز(3) .
ويشهد شهوده أن هذه الحارة المعينة المحدودة أوقفها السلطان الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان [ … ] الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي رحمهما الله تعالى على جميع طائفة المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ذكورهم وإناثهم كبيرهم وصغيرهم فاضلهم ومفضولهم، ليسكنوا فيها [ … ] في مساكنها وينتفعوا بمرافقها، على قدر طبقاتهم وما يراه الناظر عليهم وعلى وقفهم من ترتيب ذلك وتفضيل من يفضله وتقديم من يقدمه بحيث لا يتخذ شئ من المساكن التي [ … ] ملكاً ولا احتجازاً ولا بيعاً وقفاً مؤبداً شرعياً ماضياً جارياً على هذه الطائفة المغاربة كان من كان ويشهد شهوده أن النظر في ذلك وفي كل جزء منه وفي ترتيب أحواله ووظائفه وأموره راجع إلى من يكون شيخاً قدوة من المغاربة المقيمين في كل عصر وأوان بالقدس الشريف يتولى ذلك بنفسه وينظر وله أن يولي من اختار وآثر، ويستنيب عنه من يقوم مقامه، وله عزله إذا أراد [ …] إذا رأى وقف وحبس […] ويشهدون به وبذلك كتبوا شهادتهم في اليوم الرابع والعشرين من شهر الله رجب الفرد سنة ست وستين وستمائة (1) وبالأصل […] هذا المسطر وصورتـه ثم إلى دار الأميـر عماد الدين بن موسكي إلى دار الأمير حسام الدين قايماز وكذلك إصلاح دار الفاضل وهذا المــــلحق المذكور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القاضي شمس الدين أبو نصر محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي الذي تولى قضاء القدس عام 594 هـ / 1197 م، نيابة عن القاضي محيي الدين بن الزكي المتوفى عام 635 هـ / 1237 م. الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ج2، ص 172 ـ 173.
(2) عماد الدين بن موسكي: يرجح أن يكون من أقارب عز الدين بن موسك أحد أقارب السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي شارك في الحروب ضد الفرنجة وتوفي عام 584 هـ / 1188 م. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج3، ص 284.
(2) حسام الدين قايماز : لعله أحد أقارب مجاهد الدين قايماز أحد مماليك المعظم مظفر الدين صاحب أربل المتوفى عام 595 هـ / 1198 م ؛ ويمكن أن يكون قايماز النجمي الذي اشترك في تحرير مدينة القدس عام 583 هـ 1187 م .ابن الأثير، الكامل ج11، ابوشامة الذيل ص 14، ابن واصل ج2، ص 153.
(1) نيسـان عام 1268 م.
[ … ] منها هذه النسـخة ونبه على ذلك ليعلم(1) .
واستمر الملوك المغاربة في تقديم كافة أشكال الدعم للقدس الشريف، ومن مظاهر هذا الدعم قيام السلطان أبوالحسن علي بن عثمان المريني ـ حكم المغرب في الفترة بين محـرم سنة 732 هـ/تشرين الأول 1331 م ـ جمادى الثاني عام 749 هـ /آب 1348 م ـ بتخصيص ستة عشر ألفا وخمسمائة دينار لشراء الآثاث والمصاحف وتخصيص الأوقاف لها في الحرم القدسي الشريف، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة عام 738 هـ / 1337 م(2)، وقـام كذلك بنسخ مصحف بيده وجمع الوراقين لتزيينه، وقـام القـراء بضـبطه وتهذيبه، وصنع لها صندوقـاً من الأبنوس، والعاج والصندل، ومزينا بصـفائح الذهب، والحرير، والديباج، وبعث بها إلى الحرم القدسي الشريف عام 745هـ/ 1344 ـ 1345 م، ووقف على قراءتها اوقافا في ريف القدس والرملة (3).
واستمر دعم المحسنين المغاربة لطائفة المغاربة حيث أوقف عليهم الشيخ عمر المصمــودي زاوية في القدس الشريف تقع في الزاوية الشمالية الغربية من حارة المغــاربة، وغلــة ثلاثة مـنازل أخــرى وذلك عــام 703 هـ/
ـــــــــــــــــ
(1) سجلات المحكمة الشرعية، القدس، سجل، 77، ص 588 .
(2) التازي، عبد الهادي، حي المغاربة بالقدس، قسم القدس، ج 1، ص، ص102 .
(3) سجل القدس، سجل 403، ص392 ؛ سجل وقفيات المغاربة، عدد 18، ص18 ؛ عـدد 19، ص 18 ـ 19، عدد 34، ص35 ـ 37، عدد 36، ص38 ـ 40، عـدد 37، ص41، عدد 39، ص41 .
1303 م (1)، والشيخ أبو مدين الغوث (2) الذي وقف قرية عين كارم (3) بالقرب من القدس الشريف.
وأوقف في مدينة القدس مكاناً قرب قنطرة أم البنات بباب السلسلة قرب الحرم القدسي الشريف، ويشتمل على إيوان وبيتين وساحة ومرفق كطابق ثان، في حين حوى الطابق الأول على مخزن وقبو، وقد أوقف هـذا المكان كسكن للواردين من المغاربة الذكور القادمين إلى القدس للمجاورة فيها، وقـد بـدأ هـذا الوقف يـوم 29 رمضـان عام 720 هـ /2 تشـرين الثاني1320م (4) .
ووفد الرحالة المغاربة إلى القدس، ومنهم من استقر بها فترة مشاركاً في الحياة العلمية المتدفقة حيــوية ابن العربي، ومنهم من مر بها في طريقه للحج وطمعا في الأجر والثواب مثــل الشيخ أبو عبــــد الله الفهري (5)، والعبدري (6)
ـــــــــــــ
(1) سجلات القدس، سجل 229، ص253 ؛ سجل المغاربة، عدد 62، ص64 ؛ الحنبلي، ج 2، ص63، 334 ؛ Tibawi , A. ,The Islamic Pious Foundation in Jerusalem , The Islamic Cultural Centre , London , 1978 , p. 10.
(2) أبو مدين الغوث : العالم أبو مدين الغوث بن محمد بن أبي مدين بن شعيب بن الحسن المعروف بالغوث، وتوفي في قرية رباط الفتح قرب تلمسان عام 594 هـ / 1154 م، ويبدو أن أبو مدين الحفيد هو صاحب الوقفية في القدس الشريف. التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، ص 319 ـ 326 ؛ التازي، أوقاف المغاربة في القدس الشريف، ص 30.
(3) عين كارم : قرية فلسطينية تقع على بعد سبعة كليلومترات جنوب غرب القدس، دمرها وهجرها الصهاينة عا 1948 م، وأقاموا على أراضيها مستوطنة ” Ein Kerem “. الدباغ، بلادنا فلسطين ج8، ص 157 ـ 160 .
(4) سجلات القدس، سجل 229، ص365 ؛ سجل المغاربة، وثيقة 1، ص1 ـ 2 .
(5) أبو عبد الله محمد بن عمر الفهري نشأ في مدينة سبته، وتلقى تعليمه بجامع القرويين في فاس، وارتحل إلى الشرق، وزار القدس ووضع رحلة بعنوان ” ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الواجهة الوجيهة إلى الحرمين بمكة وطيبة. وتوفي عام 721هـ / 1321 م. ابن القاضي، درة الحجال في أسماء الرجال. ج2، ص 96 ـ 100 .
(6) أبو عبد الله العبدري الحيحي، خرج من بلاد المغرب حاجا، وزار القدس عام 690 هـ / 1291 م، كتب عن رحلته كتابا بعنوان الرحلة المغربية، أو رحلة العبدري. حميدة، عبد الرحمن، أعلام الجغرافيين العرب، ص 402 .
والقاسم بن يوسف التجيبي (1)، أوكمحطـــة فـي رحلته العلميـة مثل الشيـخ محمد بن جابر الوادي آشي (2)، والرحالة ابـن بـطوطـة (3)، والشيـخ ابن مرزوق (4)، وأبو البقاء البلوي (5).
واستمر المغاربة في التوافد والاستقرار في القدس الشريف، متفاعلين بدرجة كبيرة في الحياة الاقتصادية، عاملين في المهن المختلفة في هذه المدينة وأنحاء أخرى من فلسطين التي عرفتهم مزارعين وموظفين وتجاراً، واندمجوا بالسكان المحليين محافظين في الوقت نفسه على علاقتهم الوثيقة بالمغرب، أئمة للمذهب المالكي الذي حملوه معهم من المغرب، كما شهدت بذلك وثائق الحرم الشريف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القاسم بن يوسف التجيبي : نشأ في مدينة سبته، ورحل إلى الشرق وزار القدس في رحلته المعروفة باسم ” مستفاد الرحلة والاغتراب “، توفي عام 730 هـ / 1329 م. العسلي، بيت المقدس في كتب الرحلات، ص 65 .
(2) محمد بن جابر الوادي آشي : رحالة قام برحلتين للشرق زار خلالها القدس الشريف والتقى عددا من علمائها، وتوفي عام 749 هـ /1348 م. ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج3، ص 163 ـ 165 ؛ للمزيد راجع : الزركلي، الأعلام، ص 68 .
(3) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بطوطة: رحالة زار في رحلته المعرفة باسم ” تحفة النظار في غرائب الأقطار وعجائب الأسفار ” القدس ومدنا عديدة في فلسطين وتوفي عام 770 هـ / 1368 ـ 1369. ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، م.
(4) محمد بن محمد بن مرزوق : رحالة نشأ في تلمسان، وتوفي بعد عودة في رحلته من الشرق في القاهرة عام 781 هـ / 1379 م. وكتب رحلة بعنوان “عجالة المستوفزالمستجاز في ذكر من استجازني من المشايخ دون من أجاز من أئمة المغرب والشام والحجاز “. المقري، نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، ج5، ص 394 ـ395 ؛ العسلي، بيت المقدس في كتب الرحلات، ص 69 ـ 70.
(5) أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي : نشأ في فاس، وزار القدس عام 737 هـ / 1337 م، في رحلته المعروفة باسم ” تاج المفرق في تحلية علماء المشرق “، وتوفي عام 780 هـ / 1378 هـ. البلوي، تاج المفرق في تحلية علماء المشرق، ص ص 25 ـ 40 .
وسجل وقفيات المغاربة، والتي تعتبر من الوثائق الهامة للحديث عن هذه الطائفة خلال فترة الدراسة، كما اشتركوا بفعالية في الحياة العلمية، في شتى ميادين المعرفة في مجال الأدب والفقه والتاريخ والسير والقضاء والإدارة وغيرها (1).
وعاش المغاربة في القدس الشريف وكان لهم حضور خاص في هـذه المدينة، ويساعدون فقراءهم من أوقافهم المنتشرة في أنحاء عديدة من فلسطين حتى قدم الصهاينة الذين صادروا أوقافهم عام 1948م، وأكملوا مأساة المغاربة عندما هدموا حارتهم ـ التي تعود مبانيها إلى الفترة الأيوبية ـ، ولم يراعوا أي اعتبار إنساني فقتلوا بعض أبناء هـذه الطائفة تحت جدران منازلهم، وحرموهم من المأوى ضاربين عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية وذلك عام 1967م، تاركين ما يزيد على 135 عائلة دون مأوى، يعيشون إلى اليوم في منازل مستأجرة ينتظرون عودتهم إلى منازلهم التي أجبروا على الخروج منها، في الوقت الذي يتبجح العدو بهذا العمل اللاأخلاقي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ونقوم بأخذ مقـتطفات، من أقوال “موشيه بن إيتان” الضابط الصهيوني الذي أشرف على هدم هذه الحارة عام 1967 م في مقابلة له مع صحيفة يروشاليم التي تصدر في فلسطين المحتلة:
“يعترف بن موشيه وعمره 81 عاماً ويعيش في مستوطنة “جيلو” قرب القدس اليوم في إطار تحقيق صحفي نشرته صحيفة “يورشليم”، أنه اشرف بنفسه على عملية هدم منازل حي المغاربة، وأنه نقل بنفسه جثث ثلاثة فلسطينيين قتلوا خلال هدم الحي إلى مستشفى “بيكور حولييم”، وأن جثثاً أخرى دفنتها جرافاته التي قادها بنفسه بين الأنقاض … وتضيف الصحيفة … عند منتصف الليل مساء يوم السبت العاشر من حزيران 1967 م، شرعت الجرافات تحت قيادة ضابط سلاح الهندسة الرائد ” إيتان بن موشيه ” بهدم بيوت حارة المـغاربة في القدس، من أجل تسوية الساحة الواقعة بجانب حائط المبكى{ البراق الشريف } “.
ــــــــــــــــ
(1) الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، ج2، ص 362 ـ 377 .
هذا الأسبوع كشف بن موشيه النقاب، لأول مرة، عن تفاصيل تقشعر لها الأبدان من أحداث تلك الليلة وقال : ” قبل أن نزيل الحي مرت سرية من قوة أخرى بين البيوت، معلنة للسكان العرب ضرورة مغادرة الحي خلال ربع ساعة، وبعد أن فرغنا من هدم الحي وجدنا بين الأنقاض جثث قسم من الناس الذين ظلوا في بيوتهم “.
س ـ كم كان عدد هذه الجثث؟
ج: 3 جثث وقد قمت بنقلهم في سيارتي إلى مستشفى “بيكور حولييم ” غربي المدينة، ولكن كان هناك جثث أخرى… .
ويقول بن موشيه: “تيدي ـ تيدي كوليك رئيس بلدية القدس الصهيوني ـ ورفاقه خططوا للقيام بعمل صغير محدود من دون المس بالأماكن المقدسة، كان في باحة البراق على مسافة عدة أمتار، مسجد كان يسمى “مسجد البراق” (1)، حيث كان حصان النبي محمد قد صعد منه إلى السماء”. أنا قلت: “إن كان الحصان قد صعد للسماء فلماذا لا يصعد المسجد أيضا؟: وقمت بسحقه بشكل جيد بحيث لم يبق منه أثر يذكر ” (2).
هذا شاهد على امتهان الأعراف والقوانين الدولية، ودليل على ثبات المغاربة في القدس الشريف رغم معاناتهم، مصرين على مقاسمة إخوتهم العرب في هذه المدينة شرف المرابطة والثبات والدفاع عن القدس الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، متمسكين بتراث الأجداد فكما دافع أجدادهم عن المدينة ضد غزو الفرنجة يقف المغاربة اليوم في القدس مدافعين عن عروبتها في وجه أعنف غزوة استعمارية عرفها التاريخ.
ـــــــــــــــ
(1) مسجد البراق : ضمن الجرد المعتمد للعقارات التي هدمت بحارة المغاربة في القدس الشريف عام 1967 م كان يحتوي على مسجد صغير ومنافع، وسور ومتوضأ. جرد العقارات التي هدمت بحارة المغاربة في القدس الشريف عام 1967 م، وثيقة غير منشورة .
(2) صحيفة القدس الصادرة في القدس الشريف، عدد، السبت 27 / 11/ 1999 م، نقلاً عن صحيفة يروشاليم العبرية.
مصادر ومراجع الدراسة
الوثائق غير المنشورة :
ـ سجلات المحكمة الشرعية ،القدس، سجل، 77، ص 588 .
ـ سجل المحكمة الشرعية، القدس، سجل 403، ص392 .
ـ سجل وقفيات المغاربة، نسخــة موجودة في المحكمة الشرعية بالقدس الشريف .
ـ المكناسي، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن أبي الحفاظ، كتاب فيه فضايل بيت المقدس، مخطوط جامعة توبنجن، مجموع 26 .
المصادر العربية
ـ ابن الأثير، علي بن أبـي الكرم ( ت 630 هـ/ 1232 م ) ،أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار إحياء الثراث العربي، بيروت، 1989 م .
ـ الكامل في التاريخ، 12 ج، دار صادر، بيروت، 1982 م .
ابن جبير : ابن جبير، محمد بن أحمد ( ت 614 هـ/ 1217 م )، رحلة ابن جبير، دار التراث، بيروت، 1968 م .
ـ ابن خلدون، عبد الرحمـن بن محمد (ت 808 هـ/ 1406 م )، تاريخ ابن خلدون، 8 ج، تحقيق خليل شحادة، دارالفكر، ط 2، بيروت، 1988 م .
ـ ابن خلـكان، أبـو العبـاس أحمـد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 8 ج، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1972 م .
ـ ابن سعـد، محمد بن عبد الله ( ت 230هـ /844 م )، الطبقات الكبرى، دار صادر ـ دار بيروت، 1960 م، ج 8، ص 86.
ـ ابن العربي ،أبو بكر عبد الله بن محمد ( ت 543 هـ/ 1148 م )، أحكام القرآن، 4 ق، تحقيق علي البجاوي، القاهرة، 1972 م .
ـ آراء أبي بكر بن العربي، 2 ج، تحقيق عمارة الطالبي، الجزائر، 1974 م .
ـ العواصم من القواصم، تحقيق محب الدين الخطيب، مكتبة السنة، ط 6، القاهرة، 1990 م.
ـ قـانون التأويل ؛ تحقيق محمد السليماني، دار الغرب الإسلامي، ط 2، 1990 م .
ـ ابن القاضي، أحمد بن محمد، ( ت 1025 / 1616 م )، درة الحجال في أسماء الرجال، 3 ج، تحقيق محمد أبو النور، دار التراث، المكتبة العتيقة، تونس، 1970 م.
ـ ابـن القـلانسـي، أبو يعلـى حمـزة بـن أسـد بن محمد، تاريخ دمشـق، تحقيق سهيل زكار، دارحسان للطباعة والنشر، دمشق، 1983 م .
ـ ابـن واصـل، جمال الدين محمد بـن سالم، ( ت 697 هـ/ 1298 م )، مفرج الكـروب في أخبار بني أيوب، 5 ج، تحقيق جمال الدين الشيال، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1957 م.
ـ أبو داود، سليمان بن داود، (ت203 هـ /818م ) سنن أبي داود، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1969 م
ـ أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل ( ت 665 هـ / 1267 م )، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، 5 ج، تحقيق إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997 م .
ـ البشاري المقدسي، أبو مـحمد بـن أحـمد (ت 390 هـ /1000 م )، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليـم، تحقيق محمد مخزوم، دار إحياء التراث العربي، بـيروت، 1987 م .
ـ البلوي، خالد بن عيسى ( 765 هـ / 1362 م )، تاج المفرق في تحلية علماء المشرق، تحقيق الحسن السائح، د. ن، المغرب، د. ت .
ـ الحميري، محمد بن عبد المنعم (ت 900 هـ /1494 م ) الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، مكتبة لبنان، ط2، بيروت، 1984 م .
ـ الحنبلي، مجير الدين (ت 927 هـ / 1520 م )، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، 2 ج، ج 1 تحقيق عدنان أبو تبانة، ج 2 تحقيق محمود كعابنة، مكتبة دنديس، الخليل، 1999 م .
ـ الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان ( 748 هـ / 1347 م )، سير أعلام النبلاء، 25 ج، أكثر من محقق لكل جزء، مؤسسة الرسالة، ط7، بيروت، 1990م .
ـ سبط بن الجوزي، شمس الدين، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، 8 ج، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد الدكن،الهند، 1952 م
ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك ( ت 764هـ/ 1362م )، الوافي بالوفيات، 22 ج، تحقيق أيمن فؤاد السيد، دارالنشر فرانز شتاينـر شتوتغـارت، 1991 م.
ـ العبدري، أبو عبد الله الحيحي، ( وصل القدس 690 هـ / 1291م )، رحلة العبدري، تحقيق محمد الفاسي، جامعة الملك محمد الخامس، 1968 م.
ـ المقري، أحمد بن محمد بن أحمد ( ت 1041 هـ / 1631 م )، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 7 ج، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1997 م.
ـ المقريـزي، تقي الديـن أحمـد بن علـي بن محمد، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمــة الفاطميين الخلفا، 3 ج، تحقيق جمـال الدين الشيال، الهيئة المصرية العامة للكتب، القاهرة، 1967 م .
ـ المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي ( ت 656 هـ/ 1258 م )، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، 2 ج، تـحقيق مصطفى عمارة، دار إحياء التراث، بيروت، 1968 م .
المصادر الفرنجية المترجمة :
ـ ريموند داجيل، تاريخ الفرنجة غزاة بيت المقدس، نقله من اللاتينية إلى الانجليزية جون هيوج هيل ورفيقه، ترجمه، حسين محمد عطية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1989 .
ـ مؤرخ مجهول، أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس ،ترجمة حسن حبشي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1958 م
المراجع والمقالات
ـ بوزورث، كليفورد، الأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، ترجمة حسين اللبودي، مؤسسة الشراع العربي، الكويت، 1995 م .
ـ التازي، عبد الهادي، حـي المغاربة بالقدس، موسوعة العتبات المقدسة، قسم القدس، ج 1، ص97 ـ 112 .
= = القدس والخليل في الرحلات المغربية، رحلة ابن عثمان نموذجا، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “ايسيسكو”، 1997 م .
أوقاف المغاربة في القدس الشريف، دار العلم، الرباط، 1974 م .
ـ حميدة، عبد الرحمن، أعلام الجغرافيين العرب، دار الفكر، ط2، دمشق، 1987 م.
ـ الدوري، عبد العزيز، القدس في الفترة الإسلامية الأولى، القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي، الجامعة الأردنية، عمان، 1992 م، ص131 ـ 158 .
الزركلي، خير الدين، الأعلام في اللغة والأدب، 8 ج، دار العلم للملايين، بيروت، 1984 م .
ـ العبادي، أحمد مختار، القدس في التاريخ والحضارة، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1996 م .
ـ عباس، إحسان، الجانب السياسي من رحلة ابن العربي إلى الشرق، مجلة الأبحاث، م 16، ج 1، 1963 م، ص217 ـ 236.
ـ عباس، إحسان، الحياة العمرانية والثقافية في فلسطين خلال القرنين : الرابع والخامس. المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام، الجامعة الأردنية، ط 1، عمان، 1983م، م 2، ص347 ـ 366 .
ـ عباس، إحسان، رحلة ابن العربي إلى المشرق كما صورها “قانون التأويل “، مجلة الأبحاث، م 21، 1968 م ،ص59 ـ 91 .
ـ عبد المهدي، عبد الجليل، بيت المقدس في أدب الحروب الصليبية، دار البشير للنشر والتوزيع، ط 2، 1995 م .
ـ العسلي، كامل، بيت المقدس في كتب الرحلات عند العرب والمسلمين، عمان، 1992 م.
= =، مخطوطات فضائل بيت المقدس، مجمع اللغة العربية الأردني، عمان، 1981 م.
= =، حارة المغاربة في القدس وأهميتها التاريخية، مجلة أرض الإسراء، عمان، 1987 م، عدد 103، ص20 ـ 32 .
ـ كريم، عبد الكريم، صلاح الدين الأيوبي ويعقوب المنصور الموحدي، مجلة التـاريخ العربي، عدد 2، 1997 م، ص17 ـ 22 .
الصحف:
ـ صحيفة “الـقدس” الصادرة في القدس الشريـف، السبـت 27 / 11/ 1999 م.
المراجع والمقالات باللغات غير العربية :
– Levi – Provencal , E. , Abbadids , E. I2. ,Vol. , I , pp.1-5.
– Pellet , C. H. , Ibn Al Arabi , E. I 2. , Vol. , III , pp. 700 – 707.
– Pellet , C. H. , Ibn Djubayr , E. I2. ,Vol. , III , p. 755-760.
– Tibawi , A. ,The Islamic Pious Foundation in Jerusalem ,
The Islamic Cultural Centre , London , 1978.