تقديم كتاب دراسات تاريخية: تيمات وقضايا
يضم هذا الكتاب بين دفتيه عددا من الأبحاث العلمية والدراسات التاريخية، وهي في الأصل متون علمية أكاديمية صدرت في مناسبات علمية مختلفة، منها ما تقدمت به لندوة علمية وطنية أو دولية، ومنها ما شاركت به في عدد خاص من المجلات العلمية الوطنية، منها ما تركته -كما صدر- دون تغيير أو تنقيح، ومنها ما قمت بتنسيقه ومراجعته وضبطه وتوثيقه حتى يرقى إلى مقام الدراسة العلمية المحكمة، وحتى يستوي على سوقه فيعجب القراء، والهدف من جمعها في هذا الكتاب هو تقديمها وتقريبها للمهتمين والقراء وتسهيل الاطلاع عليها عسى أن يجدوا فيها بعض المتعة والفائدة.
وهكذا قمنا في الدراسة الأولى بتقديم نظرة عامة عن امرأة العصر الوسيط بالغرب الإسلامي من خلال كتاب: “وصف إفريقيا” للحسن الوزان، حيث قمنا بقراءة الكتاب مجملا وحددنا النصوص التي تناولت موضوع المرأة، ثم صنفناها حسب الموضوعات العامة التي تؤطر علاقات المرأة بالمجتمع والأسرة والشغل، حيث جعلنا هذه الموضوعات أهم محاور مقالنا هذا أملا منا في الخروج بصورة -ولو تقريبية- للمرأة بالغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط.
أما الدراسة الثانية فتهدف إلى تقديم وجهة نظر رائد من رواد السلفية في المغرب حول مفهوم
النهضة، ويتعلق الأمر بالفقيه محمد بن الحسن الحجوي، حيث تم التطرق لأهم القضايا الإصلاحية التي نادى بها كالتعليم وإشاعة النظام وفتح باب الاجتهاد عن طريق الانعتاق من قيود التقليد والجمود، ثم رصد ردود الفعل العامة والخاصة تجاه أفكاره وآرائه، وقد اخترنا هذا النموذج بحكم المساحة التي توفرها إسهاماته في مختلف المجالات للتحليل والنقاش، وذلك قصد إعطاء صورة أكثر وضوحا حول تمظهرات المفهوم الجديد للإصلاح عن السلفية المغربية.
في حين أفردنا الدراسة الثالثة للحديث عن مفهوم إمارة المؤمنين وتجلياتها عبر تاريخ المغرب، هذه المؤسسة التي تشكل في المغرب مصدر قوة وإجماع ووحدة للمغاربة على مر العصور بجميع أطيافهم واتجاهاتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية لما تشكله من نموذج مغربي فريد، عرفه المغاربة وطبقوه منذ القرن الثاني الهجري إلى يومنا هذا، بل جعلوه من أبرز ثوابت الأمة إلى جانب العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي السني، وقد قسمت هذه الدراسة إلى محورين، تطرقت في أولهما إلى إمارة المؤمنين: من حيث المفهوم وأدلة المشروعية، أما ثانيهما، فخصصته للحديث عن إمارة المؤمنين في المغرب من حيث تاريخها وتجلياتها ووظائفها.
وتطرقنا في الدراسة الرابعة إلى موضوع مهم، يتعلق الأمر بجزء مهم من تراب المملكة المغربية الشريفة، ألا وهو الصحراء المغربية، حيث بيننا من خلال هذه الدراسة أنه لا يختلف المنطق والتاريخ في كون الصحراء مغربية، وفي ارتباطها بالمغرب جغرافيا، ولغوي، وثقافيا، ودينيا، وعرقيا، وأنها كانت دوما تابعة للسلطة المركزية المغربية، ووضحنا ذلك وأكدناه من خلال عرض العديد من الحجج والشواهد التاريخية والقانونية والسياسية والشرعية داخليا وخارجيا، لنخلص إلى أن مغربية الصحراء حقيقة تاريخية لا يمكن لأحد أن يقفز عليها ما دامت مؤكدة بشواهد دامغة تدحض مزاعم من يدعي عكس ذلك.
وتخصصت الدراسة الخامسة في تتبع تطور المجال السوسي عبر الزمان والمكان، حيث سعت إلى تقديم نظرة عامة عن هذا المجال، ورسم حدوده التاريخية والجغرافية منذ القديم إلى اليوم، لاسيما وأنه عرف مدا وجزرا بحسب الظروف التاريخية والتغيرات السياسية، لنخلص إلى أن هذا المجال، أصبح منذ النصف الثاني من القرن 13هـ/ 19م، يتأطر جغرافيا ضمن الحيز الممتد بين السفوح الجنوبية للأطلس الكبير شمالا، ووادي درعة شرقا، وقبائل تاكنة جنوبا، والمحيط الأطلنتي غربا.
أما الدراسة الأخيرة، فأفردناها للحديث عن موضوع غير مسبوق، ويتعلق الأمر بدراسة موضوع السيرة النبوية من خلال كتابات فقهاء وعلماء الشاوية، حيث بينا من خلاله أن بلاد الشاوية لم تكن بدعا من باقي جهات المملكة الشريفة في الاحتفاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبسيرته، وأن ركبها لم يتخلف عن مسيرة العلم والمعرفة، بل ساير موكبَها، لاسيما في علم السيرة النبوية، فقد أكدَتْ هذه الديار حضورها بما أسهمت به في إغناء تراثه، وتطوير مباحثه شكلا وجوهرا، وهي دراسة لم نسع من خلالها إلى تقديم عرض للسيرة النبوية من منطلق الوقائع والأحداث والمواقف والمشاهد، ولكن قدمناه من خلال عرض بعض تراثها المكتوب بمنطقة الشاوية تأكيدا على ما ذهبنا إليه آنفا، هذا مع العلم أننا لم نتطرق إلى كل الذين اعتنوا واهتموا بموضوع السيرة النبوية ببلاد الشاوية، لأن ذلك يطول كثيرا، وربما احتجنا إلى مجلدات لنعرض إسهاماتهم في السيرة النبوية عبر العصور، ولذلك اكتفيت بعرض نماذج من هؤلاء العلماء والفقهاء مع التعريف ببعض إنتاجاتهم في هذا الباب.
وفي الختام، أتمنى أن تكون هذه الدراسات في مستوى تطلعات القراء والمهتمين، وأن يجدوا فيها بعض المتعة والفائدة، كما أسأل الله عز وجل أن يجازي خيرا كل من ساهم في نشرها، وأن ينفع بها كل مطالع. والله ولي التوفيق.
د.الجيلالي كريم