تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، من نطفةٍ إذا تُمْنى، وأن عليه النشأة الأخرى، أحمده سبحانه وأشكره على ما أعطى وهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي النُّهى، ومَنْ سار على دربهم واقتفى.
أما بعد:
فإن خير ما يوصي المرءَ أخاه: أن يتَّقي ربَّه ومولاه، ويعتصم بحبله وهداه؛ فهو العصمة من الفتن إذا تزاحمت، وهو النور في الإحَنِ إذا تراكمت: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
أحبتي في الله :
في كل يوم نقرأ في الصحف والجرائد عن ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا المسلمة، وفي كل حين تتناهى إلى أسماعنا قصة من قصص الشقاق الأسري والنزاع الزوجي، كثيرًا ما تنتهي بالطلاق وتشريد الأطفال أو تفضي إلى أسرة بائسة متفككة تكون مرتعًا خصبًا لناشئة السوء والفساد.
وكثير من الرجال يتصور أن علاقته بزوجته هي علاقة الآمر بالمأمور والمتبوع بالتابع والمخدوم بالخادم، ومن ثم فعليه الأمر وعليها الطاعة، وعليه أن يستلقي في الدار وعليها أن تقوم بكل شيء، عليه أن يوفر القوت وعليها أن تدفع ثمن ذلك ذلاً وخضوعًا وانكسارًا. ومنهم من يعتبر أن جهامة الوجه وعبوس الأسارير وصرامة اللفظ والمبالغة في الشدة، هي سمات الزوج الناجح المسيطر على بيته والممسك بزمام الأمور، وان الابتسامة والمباسطة والمداعبة مدرجة في قائمة الممنوعات والمحرمات، بل وصار من أكبر الكبائر عند بعض الأزواج سامحهم الله أن يقول لزوجته كلمة رقيقة يعبر بها عن محبته وتقديره لها وشكره وامتنانه لتضحياتها، ويبلغ الأمر ببعضهم إلى عدم الخروج مع زوجته إلى الشارع جنبا إلى جنب وإنما يمشي أمامها والمسكينة تمشي خلفه وكأنه يستعر بها أو أنها أدنى منه درجة .
ولما كان الاعتقاد عند البعض بأن المرأة لا تصلح لشيء إلا للاستمتاع والخدمة ، صارت مشاورتها في شؤون البيت وأخذ رأيها فيما يأتي الزوج أو يذر، خطيئة كبرى تحطّ من قيمة الزوج وتهز من كبريائه، وصار نزول الرجل عن رأيه من أجل زوجه في عرف هؤلاء شرخًا في الرجولة، لا يمكن أن يلتئم.
وهكذا تفعل هذه المفاهيم الخاطئة فعلها في فتور العلاقة بين الزوجين، ثم في نشوء النزاعات والخلافات والتي إن لم تصل إلى المحاكم فإنها تصل إلى مستوى الجفاء ليبدأ البيت في الانهيار وتتحول السعادة إلى كابوس ويصبح البيت جحيما لا يطاق.
أحبتي الكرام
هلموا نَحْتَكِمْ إلى سيد البشر محمد بن عبد الله ، لنرى كيف كان يتعامل مع أزواجه. وحينما يكون الحديث عن سيرة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – فإن الحديث يطيب، والقلوب تهفو، والآذان تصغي. كيف لا يطيب الحديث عن رجلٍ أحيا الله به البشرية، وأخرجها من الظلمات إلى النور؟! كيف لا يحلو الكلام عمَّن أحبَّه الله واصطفاه، وأكرمه واجتباه، وجعله نورًا يهدي إلى صراط مستقيم؟!!
وكما أسلفت عباد الله ،فإن حديثي اليوم عن حبيبنا لن يكون عن النبي القائد، ولا عن الرسول الداعية المربِّي؛ ( وهو ما سيكون موضوع خطب مقبلة إنشاء الله ) وإنما سيكون الحديث عن محمد الزوج والبَعْل. وسوف نرى كيف كان عليه الصلاة والسلام في بيته، وكيف كان يعامل زوجاته ، لعلك أخي الرجل تتعض وتجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتك الحسنة .
فما أحوجنا أحبتي في الله أن نروي أنفسنا ومجتمعنا من نبعه الصافي وخُلُقه الوافي صلى الله عليه وسلم وبالأخصِّ في هذا العصر الذي ارتفعت فيه حدة الخلافات الأسرية وازداد فيه العنف ضد النساء وارتفعت معدَّلات الطلاق في المجتمع مما أصبح يندر بما لا تحمد عقباه.
أحيتي الكرام : لقد تمثَّل المصطفى صلى الله عليه وسلم صورة المعاشرة مع أهله في أبهى حُلَلِها؛ فكان صلى الله عليه وسلم خير زوجٍ لخير أهل، كيف لا وهو القائل: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
لقد حبا الله تعالى نبيَّه أكمل الأخلاق وأنبل الصفات؛ فكان لزوجاته الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس؛ كان صلى الله عليه وسلم يمازح نساءه في السرَّاء، ويواسيهنَّ في الضرَّاء، كان يسمع شكواهنَّ، ويكفكف دموعهنَّ، لا يؤذيهنَّ بلسانه، ولا يجرح مشاعرهنَّ بعبارته، يتحمَّل منهنَّ كما يتحمل أحدكم من أهله، وما ضرب بيده امرأةً قط. ولا يتصيَّد الأخطاء، ولا يتتبَّع العثرات، ولا يضخِّم الزلاَّت، ولا يُديم العتاب. يتحمَّل الهفوة، ويتغاضى عن الكبوة. قليل الملامة، كثير الشكر والعرفان.ينظر إلى أحسن طباع المرأة، ويظهر حبه بهذا، ولا غرو في ذلك؛ فهو القائل: ((لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخر)).
عباد الله:
ولعلَّ اقترابنا من بيوت النبوَّة؛ سيرينا بعض المشاهد التي دوَّنتها كتب السنَّة، وحفظت لنا شيئًا من عشرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته؛ ليتَّضح لنا بعد ذلك عظمة الخُلُق، وبساطة الحياة، ومثاليَّة القِوامة.
وأوَّل إطلالةٍ نقترب منها: هي مع ذلك البيت الصغير الذي مُليء إيمانًا وحكمة، وأذهب الله عنه الرِّجْس وطهَّره تطهيرًا. نُطِلُّ إلى ذلك المنزل المتواضع من كوَّةٍ فتحتها لنا أمُّنا؛ أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – حينما تواردت عليها أسئلة الناس: ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم – في بيته عندكِ؟ فأجابت – رضي الله عنها -:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس. كان رجلاً من رجالكم؛ إلا انه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان يكون في مهنة أهله: يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه. فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة”.
فتأمل معي أخي في الله هذه الكلمات المعدودات وهذا الوصف الوجيز البليغ:
“كان أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس”:
فقيادة الأمَّة وهمُّ دعوة الناس وإصلاح المجتمع لم يكن ليشغله صلى الله عليه وسلم عن الاهتمام ببيته وأزواجه فلم يحرمهن من بره وكريم خُلقه وفيض حنانه ورحمته وسعة صدره
“كان ضحَّاكًا بسَّامًا”:
فما أحوجنا – عباد الله – أن نتمثَّل هذا الخُلُق مع أهلنا في منازلنا! يطول عجبك من حال البعض، يجود بالكلام الحَسَن والثغر المبتسم مع أصحابه ورفاقه، حتى إذا أغلق منزله وخلى بأهله – تغيَّرت شخصيته، فلا ترى إلا قتامة التجهُّم، وملالة التضجُّر، ولغة التأفُّف!! مع أن أهله بيته، ومَنْ جعل الله بينه وبينهم مودَّةً ورحمةً هم أوْلى الناس بالبشاشة، وأسعد العباد بهذا الخُلُق.
ثم تأمل معي قول أمِّ المؤمنين “كان يكون في مهنة أهله”:
لقد عاش نبيُّنا – صلى الله عليه وسلم – مع زوجته عائشة – رضي الله عنها – في حجرةٍ لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يأتي عليهما شهران وما أُوقِد في بيته نارٌ؛ فهل ثمَّة جهد تحتاج معه عائشة إلى معونة النبي – صلى الله عليه وسلم -؟! كلا وإنما هو لمعنى أعمق: وهو أن هذه الأعمال وإن كانت يسيرة وحقيرة في نظر البعض – إلا أنها تحمل رسالةً إلى قلب الزوجة، تصنع فيها وشائج المودَّة المرأة لأن زوجها قريبًا منها، يحمل عنها شيئًا من عبئها؛ فيكبر في عينها بقدر تواضعه، ويعظم في نفسها بقدر بساطته.
ومشهدٌ آخر من بيت النبوَّة المبارَك:
يجلس النبي – صلى الله عيه وسلم – في بيت عائشة، يتبادلان الحديث في جوٍّ هاديٍ مفعمٍ بالمودة.. فلم يفجأهم إلا طَرَقات الباب، وإذا هو خادم أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش يحمل بين يديه طعامًا صنعته زينب للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فتحركت في قلب عائشة غيْرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كلُّ امرأةٍ بفطرتها وغريزتها تجاه ضرَّتِها، فأخذت الصفحة من يد الخادم فضربتها بحجرٍ فكسرتها نصفين، وتناثر الطعام يمينًا وشمالاً!!
فماذا صنع نبيُّنا وقدوتنا – صلى الله عله وسلم – أمام هذا المنظر؟ هل اعتبر هذا التصرُّف قضيةً تقلِّل من هيبته وتخلخل قِوَامته؟ أم تراه أسمع زوجته سلسلةً من كلمات العقاب وعبارات التوبيخ؟ أم تراه توعَّدها بالهجران؟ ام تراه عنها كما يفعل بعض الغافلين؟
كلا ثم كلا؛ لم يقل حينها شيئًا من ذلك، إنما تعامل مع هذا الخطأ بالأسلوب الأَمْثَل الذي ليس فوقه علاج، راعى في المرأة نفسيَّتها وسبب خطئها. جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يجمع بيده الكريمة الطعام من هنا وهنا، وهو يقــــــول: ((غارَتْ أمُّكم.. غارَتْ أمُّكم.. ))، ثم وضع الطعام في صفحة عائشة السليمة، وأهداها للخادم، وأبقى الصفحة المكسورة عند عائشة! وهكذا انتهت المشكلة وعُولِج الخطـــــــأ بكلِّ هدوء!!
وأعجب من كل ما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا هو الذي يسترضي زوجتـه إذا غضبت، ويعتذر لها. وسأحكي لهم هذه القصة الزوجية الطريفة:
ينشب خلافٌ بينها وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم تنقل لنا كتب السيرة ومدوَّنات السنَّة سبب الخلاف، ولكن نقلت لنا أن عائشة – رضي الله عنها – قد علا صوتُها صوتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وراجعته في بعض الأمور، ووافقت هذه اللحظات مرور الصدِّيق – رضي الله عنه – بباب ابنته عائشة، فأدرك سمعه صوت ابنته عاليًا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستأذن الصدِّيق، ودخل بيت عائشة وقد امتلأ غيظًا، وهو يقول: “يا ابنة أمّ رومان.. “؛ لم ينسبها لنفسه من شدَّة حنقه عليها. قال: “لا أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله.. “.وإذا بعائشة التي كانت تراجع النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلوذ بالذي كانت تراجعه، وتحتمي خلف ظهره، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يمنع أبا بكرٍ من ابنته، ويهدئ غضبه، ويسكن نفسه، حتى خرج أبو بكر – رضي الله عنه – من عندهم مغضبًا، فالتفت أكرم الخَلْق، ومَنْ أَسَرَ القلوب بخُلُقه إلى عائشة وقال لها ممازِحًا ومخفِّفًا: ((يا عائشة، كيف رأيتِني أنقذتُكِ من الرجل؟!))!!!فما كان من عائشة إلا أن استحيَتْ، وذهب ما كان من مراجعتها لرسول الله . صلى الله عليه وسلم
ويشاء الله أن يمرَّ الصدِّيق من بيت عائشة؛ فيسمع رنين الضحكات، فيستأذن عليهما ويقول: “أدخِلاني في سِلْمِكما كما أدخلتُماني في حربكم”؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم ((قد فعلنا.. قد فعلنا)).
هذا هو هَدْيُه في نزاع أهلِه له، فما بال البعض منَّا لا يحتمل أن يسمعَ الكلمة مِن زوجته، وإن كانت مُحقَّة؟ لا يريد النِّقاش فيما يتَّخذه من قرارات، حتى ما يخص الزوجة والأولاد، بل ربما صبَّ جَام غضبه على زوجته وسبَّها، ثم لا يحتمل منها أن تردَّ عليه خطأه، وتُبَين له وجهة نظرها، سبحان الله، مَنِ الذي أباح لكَ أن تقولَ لها ما شِئْتَ منَ الكلام، وحَرَّمَ عليها أن تردَّ عليك فيما ظلمْتَها به؟
ومن المشاهد التي تبرز فيها براعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في حل مشاكل الأسرة:
يدخل النبي بيته ذات يوم، فيجد أمَّ المؤمنين صفيَّة بنت حُيَيٍّ تبكي وتمسح الدموع من مآقيها! سألها عن سبب بكائها؛ فأخبرته أن حفصة بنت عمر جرحت مشاعرها، وقالت لها: “أنت ابنة يهوديٍّ!”.فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بضع كلمات ضمَّدت جرحها وجبرت خاطرها؛ قال: ((قولي لها: زوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى))!! والتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى حفصة وقال لها: ((اتَّقِ الله يا حفصة)).وهكذا عالج النبيُّ صلى الله عليه وسلم الموقفَ بكلماتٍ معدودات، رأب فيه الصدع، وهدَّأ النَّفْس، وذكَّر المخطئ.
عباد الله: لقد كان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يشاور أهل بيته ويبثُّ همومه لهم، فلم يكن ينظر أن دعوته وقضيته أكبر من شأن المرأة.فها هو صلى الله عليه وسلم يُصدُّ عن البيت، ويُصالِح المشركين بالحديبية، فيأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه وقد احرموا بأن ينحروا ويحلِقوا، فثقل هذا الأمر على نفوس الأصحاب – رضي الله عنهم – فما خرجوا من ديارهم إلا لأجل العمرة. فلم يمتثلوا أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيمته وقد عُرف في وجهه الأسى والغضب؛ فتسأله أم المؤمنين أم سلمة فيقول: ((ما لي أمرُ بالأمر فلا يُتَّبَع))! وأخبرها الخبر، فأشارت عليه – رضي الله عنها – بمشورةٍ طابت لقلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: “اخرج ولا تكلِّم أحدًا، ثم انحرْ هَدْيَك واحلق رأسكَ؛ فإنهم سيفعلون كما تفعل”فأخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم بمشورة زوجته وصنع كما أشارت؛ فثار الصحابة – رضي الله عنهم – يلحق بعضهم بعضًا، حتى كاد يقتل بعضهم بعضًا من الغمِّ.تلكم – عباد الله – حال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم مع أهله، وشيءٌ من أخباره داخل بيته؛ علَّها تكون لنا قدوةً ومَثَلاً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العاقبة في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبيّه المرتضى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه
ومَنِ اهتدى،، أما بعد:
اخوتي في الله
هذا الخُلُق النبوي وهذه العِشْرَة المحمَّدية تحمل في طيَّاتها رسالةً إلى كلِّ مَنْ أساء فَهْم القِوامة، واختصرها في التَّعالي الأجوف، والأوامر الفضَّة والقسوة الحادة.
ولقد أَوْصَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنِّساء، وأَمَرَ بتَقْوى الله فيهنَّ، فحينما خطب صلى الله عليه وسلم في عرفَة في حجة الوداع، قال: ((فاتَّقوا الله في النساء))، فعلينا – معاشر الأزواج – أن نتقي الله في النساء، فلا نهضمهنَّ حقهنَّ، فَنَمْنعهنَّ مِن حقوقِهنَّ، أو نتطاول عليهنَّ باليد أو اللِّسان، ويجب علينا الوفاءُ بالشروط التي قَطَعْناها على أنفسنا، سواء كان الشرط مسجَّلاً في عقد الزواج، أم غير مسجلٍ، فعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أحق الشروط أن توفوا به ما استَحْلَلتُم به الفُرُوج))؛ رواه البخاري ومسلم .
اعلم أيها الزوج المبارك: أن بيت المودة لا يُبنى على أعمدة الفضاضة وسقف الجفاء، وإنما يُشاد بالكلمة الطيبة، والخُلُق الحسن، والإعذار الدائم. وإذا دخلت بيتك فسلَّم على أهلك وأقبل عليهم بوجه طلق ” فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله مباركة طيبة “.. قال صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه ” يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن بركةً وعلى أهل بيتك ” رواه الترمذي … ومد يد العون لزوجتك كي تُشعرها أنها تعيش في ظل زوجٍ قويٍ كريم يحبها ويرعاها ويهتم بشؤونها ويوفر لها حاجاتها المشروعة ويُرضي أنوثتها بالتجمل لها وبالزينة ويعطيها جانباً من وقته واهتماماته … ولا تكن كبعض الأزواج ،الذين إذا دخلوا بيوتهم دخلوها بوجه عبوس لا سلام ولا كلام بل هموم وأحزان ، يحملُون همومَ العملِ والأصحاب ويضعهونها بين يد الزوجة والابناء … إن صمت صمتوا ، وإن ضحك ضحكوا ، وإن كشَّر أنيابُه كشروا ، يضحك بثقل ويبتسِّم وهو يتصَّنع … وما هذه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يحمل هموم أمة بأكملها ،ورغم ذلك فإنه لم ينس حقوق أهل بيته عليه ، فكان يعاملهم بمنتهي الرقي والحب والرحمة ولم يقلل أبدا منهم ،فهو القائل في حديثه الشريف “النساء شقائق الرجال ” ويستدل من حديثه الشريف أنه أبدا لم يقلل من قيمتها كما هو مفهوم عند الكثير فهو يضعها في منزلة مساوية له وفي مكانة كبيرة ،ولما لا فهي الأم والزوجة والأخت والعمة والابنة والخالة
فتذكر أخي الكريم أيها الزوج المبارك: أن امرأتك أمانةً في عنقكَ، أخذتَها من أهلها بأمان الله ، واستحللتَ فرجها بكلمة الله؛ فاتَّقِ الله في ضعفها، وأحسن عشرتها، واستكمل حقوقها، ولا تكلِّفها العمل بما هو فوق وسعها.واعلم ان جهرك بحبك لها واعترافك لها بهذا الحب لن ينقص من رجولتك شيئا بل سيزيد مكانتك لديها ـ او لم يجاهر صلوات الله عليه وسلامه أمام الجميع بحبه لأمنا عائشة ؟ كما جاء في الحديث الشريف عن عمرو بن العاص أنه سأل النبي :”أي الناس أحب إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها”. (رواه البخاري) في الوقت الذي يرى فيه بعض الرجال أو لنقل بعض الجهال أن مجرد ذكر اسم زوجته أمام الآخرين ينقص من قيمته .سبحان الله .
وتذكر أخي الكريم : أن إكرام المرأة عنوان مروءة الرجل، وأصل وفائه، وأن إهانتها وظلمها برهانٌ على خِسَّة الخُلُق، وسفالة الرجولة.
أيها الزوج المبارك: اجعل هدي نبيِّكَ مع أهله نبراسًا لك في حياتكَ؛ إذا كرهتَ من أهلكَ خُلُقًا فتذكر الصفات الإيجابية فيهم، ولا تنسَ أن كلَّ مخلوقٍ طُبِعَ على النقص، وأن الكمال مُحال. وكن مراعيا للحالة التي عليها زوجتك ولاسيما في الأوقات التي تكون حالتها النفسية والبدنية مختلفة عن باقية الأوقات ، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض”. (رواه أحمد)
أيها الزوج الفاضل ، تعامل مع أخطاء أهلكَ بسماحةٍ ويُسْر، وعالِج الأمور بهدوءٍ واتِّزان،واعلم أخي أن حسن الخلق مع الزوجة ليس هو كف الأذى عنها فقط ، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها إقتداء برسول الله الذي كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن اليوم إلى الليل، ولقد راجعت امرأة الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال: أتراجعينني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك .
عباد الله: اتقوا الله في نسائكم،فإنهن أمهات أولادكم،فلا تظلموهن،ولا تضربوهن،بل أحسنوا معاملتهن بالعشرة الحسنة والأخلاق الفاضلة”فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان “،واصبروا عليهن فإنهن عوان في أيديكم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذتموهن بأمانة الله,واستحللتم فروجهن بكلمة الله. واجعلوا أمام أعينكم دائمًا وصيةَ نبيِّكم وحبيبكم حين قال: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خُلِقْنَ من ضلعٍ، وإن أَعْوَجَ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمَه كسرتَه، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجًا))؛ فاستوصوا بالنساء خيرًا.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ .
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللهم وفق ملك البلاد أمير المؤمنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .
اللهم امدده من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .. وأحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارزقنا الفقه في الدين، والتمسك بالكتاب المبين، والاقتداء بسيد المرسلين، والسير على نهج أسلافنا الصالحين.. اللهم أصلح مجتمعاتنا،وحسن أخلاقنا.
اللهم وفق بيننا وبين أزواجنا واجمع بيننا على الخير..اللهم اجعلنا قرة عين لبعضنا ,واجعلنا كما تحب وترضى وارزقنا الذرية الصالحة كما نحب وكما تحب..اللهم أهدنا واهدي ازواجنا بالهداية والصلاح والتقوى اللهم إني أسألك باسمك الحبيب الكافي أن تكفينا كل أمورنا مع زوجاتنا وان تألف بين قلوبنا وتشفي ازواجنا وتعافيهن وتشرح صدورهن للإيمان…اللهم اغفر ذنوبهن وطهر قلوبهن…وحصن فروجهن و جملهن في نظرنا وجملنا في نظرهن…ولا تفرق بيننا وبينهن. اللهم اجعل بيننا وبينهن المودة والرحمة أفضلها..وارزقنا الصبر والحلم أكمله وأسعدنا معهن وبقربهن..في الدنيا وفي جنة السرور..وأهدنا جميعا لما فيه الخير والصلاح… اللهم اقنع قلوبنا وقلوبهن من الدنيا وحب المال، وارزقنا وارزقهن بالرزق الحلال..اللهم سخرنا لزوجاتنا وسخر زوجاتنا لنا وحنن قلوبنا على بعضنا وضع في قلوبنا مواضع الرحمة والمودة والألفة من عندك. اللهم اننا نٍسألك باسمك الأعظم أن تهدينا وتهدي زوجاتنا وأبنائنا وتجعلنا من عبادك الصالحين المتقين المفلحين وان تحسن خاتمنا وتظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم دعوناك فاستجب لنا كما وعدتنا.
عباد الله:اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خطبة الجمعة ليوم 30 نونبر 2018، مسجد الحسن الثاني سيدي بنور، د/عبد الهادي السبيوي