تشجيع السلوك الحسن للأطفال والعطف عليهم وملاطفتهم
تشجيع السلوك الحسن للأطفال والعطف عليهم وملاطفتهم
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، لايختلف اثنان أن الأطفال والأبناء هم رأسمالنا الأكبر الذي يملكه الواحد منا في أيامنا هذه، ووجب تخصيص أكبر وقت ممكن لتربيتهم ومتابعتهم وتعهدهم وغرس القيم النبيلة في قلوبهم، يحكى أن والدا كان منشغلا عن أسرته وأبنائه انشغالا كبيرا، وفي يوم من الأيام عند رجوعه للبيت، سأله ابنه عن سبب غيابه الفاحش عن البيت؟ فأجابه الوالد بأنه يعمل من أجل أن يتقاضى أجرا زائدا عن كل ساعة إضافية، فسأله الابن، وبكم تشتغل ياوالدي عن كل ساعة؟ فأجابه بمائة درهم عن كل ساعة، وهنا طلب الابن من والده أن يعطيه خمسين درهما، لأنه يحتاجها، فأجابه الوالد بأنه يشتري له جميع احتياجاته، وأنه ليس هناك من حاجة لتلبية طلبه هذا، فذهب الولد إلى مكان النوم وهو غضبان، فاضطر الوالد أن يمنحه طلبه المتمثل في خمسين درهما، ففرح الولد وذهب إلى محصلته وأخرج منها خمسون درهما أخرى كان يخبأها، فأعطى المائة درهم لوالده وقال له خذها وامنحني ساعة من وقتك.
نعم عباد الله هذه حالنا اليوم مع أبنائنا وبناتنا، يريدون أن يسمعوا منا، يريدون أن يحاورونا أن يمازحونا، فلا يجدونا، يريدون معرفة نصائحنا وتوجيهاتنا ورأينا في أمور تخصهم فلا يجدونا، فتعالوا بنا نستمع ونتابع توجيهات ونصائح، المنهج النبوي السديد الذي تعلمناه من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال والناشئة تتميما لما بدأناه في الخطب الماضية.
فمما تعلمناه في هذا الجانب من المدرسة النبوية، المكافأة والتعزيز والتشجيع للفعل الإيجابي والآداب والخلق الحسن عند الأطفال بالثناء والدعاء، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة مبيته وهو طفل عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فدخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءًا قال: من وضع هذا ؟ فأخبر قال: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”، فكان هذا الدعاء العظيم مكافأة على فعل إيجابي قام به الطفل ابن عباس رضي الله عنهما، وتعزيزًا لسلوكه الإيجابي، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سلوكا إيجابيا من الناشئ الصغير معاذ بن جبل رضي الله عنه يتمثل في حرصه على السنة وكثرة مجالسته النبي صلى الله عليه وسلم، قال له معززًا فيما رواه الإمام النسائي:” يا معاذ إني أحبك في الله”، فأي أثر تركه هذا التشجيع في نفس معاذ رضي الله عنه؟
عباد الله، كثير منا اليوم يرى طفله يقوم بأفعال إيجابية وسلوكيات حسنة فلا يعززها ولا يدعمها ولا يشجعها، لأنه يعتبر فعلها أمرا طبيعيا، لكنه في المقابل يعاتبه إذا فقدها، فإذا رأيتم مثلا أن ابنكم صدر منه احترام وتقدير للكبار، أو تفوق دراسيا، أو حافظ على صلاته، أو كان صادقا معكم في كلامه ومواقفه، أو كان أمينا لسر أو أمانة استودعتموها لديه، فشجعوه وحفزوه وادعموه بكل ماتستطيعون…
ومما ينبغي سلوكه مع الناشئة أيضا إشعارهم بالمحبة والحنان، لأن حاجة الطفل إلى الشعور بالمحبة والحنان والقبول من قبل والديه ومن يتولى تربيته من أهم الحاجات التي يؤدي فقدها إلى اختلال البناء النفسي السوي للطفل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع هذه الحاجة في نفوس الأطفال، ففي صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن الحسن بن علي رضي الله عنهما وكان طفلا فقال:” اللهم إني أحبه، فأحبه وأحب من يحبه”، و في المتفق عليه دخل عليه الأقرع بن حابس فرآه يقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما، فقال الأقرع: أتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا قط”، فقال صلى الله عليه وسلم:” فماذا أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة”، تأملوا كم كان صلى الله عليه وسلم مربيا حكيما وهو يرد على سؤال الأقرع بن حابس بتعجب أبلغ من الجواب، هذه هي الرحمة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فقدها حين التعامل مع الصغار، فقال فيما رواه الإمام أحمد:” ليس منا من لم يرحم صغيرنا”، وتأملوا في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما توفي ابنه الصغير سيدنا إبراهيم، فبكاه وقال فيما رواه الإمام البخاري:” إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
عباد الله، وفي المقابل أي حرمان عاطفي وخطأ تربوي يرتكبه بعضنا حين يتحاشى التعبير عن محبته لأبنائه وإظهار مشاعر الحنان أمامهم لظنه أن ذلك يؤدي إلى دلالهم وتيههم عليه، أو أن ذلك لايليق بتربية الرجال وإعدادهم للحياة، فذاك خطأ فادح إن اعتقدنا بمضمونه أو قمنا بما يؤكده، أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح أبناءنا وأن يربيهم تربية حسنة مباركة، وأن يحفظهم من رفاق السوء وأهل السوء، أمين أمين أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، ومن الأمور المهمة في المنهج النبوي لتربية الأبناء، التوجيه إلى ملاطفتهم وكسب قلوبهم، فمراعاة هذا الجانب جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يتأخر يوما في سجوده وهو يصلي بالمسلمين من خلفه لماذا ؟ لأن طفلا صغيرا وهو الحسن بن علي رضي الله عنهما، ركب على ظهره، فلم يشأ صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه استمتاعه بهذه اللحظات، حيث قال صلى الله عليه وسلم للناس بعد الصلاة فيما رواه الإمام أحمد:” إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله”، والسؤال هنا ماذا لو حصل مثل هذا الموقف مع أحدنا اليوم؟ هل سنقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فنطيل السجود مراعاة للطفل الصغير ؟ أم ماذا سنفعل؟
كان هذا هو حاله صلى الله عليه وسلم مع ملاطفة الأطفال حتى في الصلاة، فلا نستغرب إذن ممازحته للأطفال خارج الصلاة، حيث ثبت فيما رواه الإمام أحمد أنه كان يقول أحيانا لبعض الأطفال:” من يسبق إليَّ وله كذا”.وغير ذلك من الشواهد الكثيرة في هذا الجانب.
ختاما عباد الله، اعلموا أن لملاطفة الأطفال أثرًا تربويًا كبيرًا في نفوسهم، حيث يميلون إلى من يلاطفهم ويتقبلون منه ما لا يتقبلون من غيره، يقول الله عز وجل:” ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، واعلموا أيضا أن هناك من الآباء من إذا دخل للبيت فرح الجميع، ومن الآباء من إذا خرج من البيت فرح الجميع، فأيهما أنت؟ والحمد لله رب العالمين.