تجمله صلى الله عليه وسلم
تجمله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ختم به النبوة والرسالة، وجعله أهلا للوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وكانت لهم به أسوة حسنة، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات. من محاسن الإسلام وكمال الشريعة إيمانها بقيمة الجمال والاهتمام به، من خلال عددٍ من الأوامر الشرعية والأحكام التعبدية، التي تدعو إلى التزيّن وحسن المظهر واعتبار ذلك من الأمور الممدوحة شرعاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال”، وقوله أيضاً: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”، من هذا المنطلق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوةٍ وأفضل قدوة، بما اشتُهر به من جمال الهيئة، وحسن السمت، والاعتناء بالزينة، ليجمع بين جمال الروح وأناقة المظهر، وطيب الرائحة، فكان صلى الله عليه وسلم يعتني بترجيل شعره، وتسريح لحيته، وكان صلى الله عليه وسلم يحبّ التيمّن في شأنه كلّه، تقول أمنا عائشة (ض): “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب التيمن في طهوره إذا تطهّر، وفي ترجّله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل”، والترجّل هو تسريح الشعر. عن أمنا عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يومٍ إلى إخوانه، فنظر في كوز الماء إلى جمَّته، أي إلى شعره وهيئته، وقال عليه الصلاة و السلام: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ” وعن عبد الله بن مسعود (ض): “إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليتهيأ في نفسه”، وهذه دعوة إلى الإعتناء بالمظهر، فشيء لطيف من المسلم قبل أن يخرج من بيته أنْ يقف أمام المرآة، ليتأكد من نظافة ثيابه وحسن مظهره لأن هذا من السُنَّة، وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلق رأسه لا يترك من شعره شيئا، يقول الإمام ابن القيم: ” وكان هديه صلى الله عليه وسلم في حلق الرأس تركه كله، أو أخذه كله، ولم يكن يحلق بعضه، ويدع بعضه، ولم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك”. ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزينة والتجمل، استعماله للكحل، وكانت لديه مكحلة يكتحل منها كل ليلة، ويفضّل استخدام (الإثمد) وهو أجود أنواع الكحل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر”، كذلك كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عنايةٌ خاصة بسنن الفطرة، كتوفير لحيته وإعفائها، وقص الشارب، وكان يأمر بذلك أصحابه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة (ض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قصوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس”، بل صحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله: “من لم يأخذ شاربه فليس منا” رواه أحمد، وأما عن ملابسه فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب أحلاها، سواءٌ في ذلك عمامته وإزاره وكساؤه، وبردته وخفّه ونعله. وكان إذا قدِم عليه وفدٌ لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حُسْنَ السمت والزيِّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم الأصيلة، روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (ض) أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : “إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ”. وروى الإمام مالك في الموطأ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: “خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى الظِّلِّ -أي شجرة ظلُّها وارف- قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا، غرارةٍ ظرفٍ شديد العِدْلِ، أي محفظة، فَالْتَمَسْتُ فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ، أي خيار وقته، فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا، أي نجهِّز صاحب لنا ليرعى الغنم، قَالَ فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلَقَا قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.
الخطبــة الثانـيـة
أيها الإخوة المؤمنون، ها أنتم ترون كيف كان حبيبنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتجمل ويأمر أصحابه أيضا بالتجمل، والظهور بالسمت والمنظر الحسن، وقد أمرنا الله تعالى بالتجمل في كتابه العظيم، حين قال سبحانه وتعالى: “يا بني آدم خذوا زيتنكم عند كل مسجد”، أي تجملوا لملاقاة الله، وتجملوا لملاقاة عباد الله، فما بالنا اليوم أشد بعدا عن هذا المبدأ الأخلاقي المحمود، وبعيدون عن التأسي برسولنا الكريم، الذي لم يرض لراع الغنم أن يراه مرتديا لباسا رثا خلقا، وأمر أن يُعطى ثوبا جميلا يليق بملاقاة الناس، ونحن اليوم نشتري أثوابا ممزقة ونلبسها تقليدا أعمى لبعض المشاهير الذين لا خلاق لهم، والذين يدعون بأفعالهم إلى الميوعة والتخنث، والذين يعبرون من خلال لباسهم عن معان يستدرجون بها شباب المسلمين، وبعض ضعاف العقول من رجالهم ونسائهم للإنسياق نحو نبذ التدين ونبذ الأخلاق الرفيعة التي حرص أسلافنا رحمة الله عليهم على التشبث بها، حفاظا على هويتنا الإسلامية المغربية الأبية، وقد ورثنا عنهم في هذا المجال حكمة تلقنها الأمهات الفضليات، والرجال الشرفاء لأبنائهم، حين يقولون لهم “كول التبن، واخرج للناس مصبن”، وما نقوله في اللباس نقوله أيضا في هذا النوع الجديد من حلاقة الرأس، فالغريب كل الغرابة أن يأخذ الرجل ابنه عند الحلاق ويطلب منه أن يحلق لإبنه بعضا من رأسه ويترك بعضا على هيئة فلان وعلان، في حين أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الحلاقة مشهور ومعلوم عند الخاص والعام، ولكنها الإمعية التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، حين قال: “فلا يكن أحدكم إمعة”، ألا فاتقوا الله في أنفسكم وعيالكم، واقتدوا بإسوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجنبوا أنفسكم وبنيكم تقليد المخنثين، وتشبثوا بأصول دينكم وأمتكم المغربية تفوزوا بشفاعة حبيبنا وحبيبكم رسول الله الذي وصاني الله وإياكم بالإكثار من الصلاة والسلام عليه في قوله: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى، خطب المولد “تجمله صلى الله عليه وسلم”، الجمعة 29 ربيع الأول 1440 موافق 7 دجنبر 2018 ، الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير