تجليات ومظاهر عناية الإسلام بالمرأة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول عز وجل في كتابه الكريم:”ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، ويقول أيضا:”وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”، ويقول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه:” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم”، وقال في حديث آخر رواه ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه:” ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم”.
أيها الإخوة الكرام، إنه لا يوجد مذهب ولا منهج ولا ملة ولا نحلة كرمت المرأة واعتنت بها كدين الإسلام، إن الإسلام هو المنهج الرباني الذي رفع المرأة إلى الأوج بعدما كانت شيئا حقيرا مهانا لا يذكر، وإذا ولدت تقبر، ومظاهر عناية الإسلام بالمرأة كثيرة جدا، فقد أمرها الله بالحجاب، ونهاها عن التبرج، وأمرها بغض الأبصار وحفظ الفروج، ونهاها عن إظهار الزينة لغير المحارم، ونهاها عن الخضوع بالقول، وحرم عليها الخلوة بالأجانب، وحرم عليها السفر بلا محرم، وحذر الرجال من الدخول على النساء لغير المحارم، وشدد في أمر خروجها متعطرة، وأمر الرجال بالغيرة على النساء، وحرم الإسلام عقوق الأمهات، وقدم الأم في البر على الأب، وحرم وأد البنات، وحث على تربية البنات والعناية بهن، وجعل لها كامل الحق في التعلم، كل هذه التشريعات ليبقى للمرأة قدسيتها، و التبجيل والحفاوة اللائقة بها في المجتمع.
وعند التأمل في كل هذا، نجد الإسلام والحمد لله اعتنى بالمرأة بشكل عام، سواء كانت بنتا أو أما أو زوجة، ففي كل هذه المراحل خصت بتكريم الإسلام لها، وعكس هذا الأمر بجلاء وجسده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لزوجاته، أمهاتنا أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن أجمعين، وفي معاملته مع بناته وتوصياته بالنساء خيرا وهو يودع الدنيا، حين قال في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:” استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا”، وفي رواية أخرى لابن ماجة: ” استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان”، والمرأة بهذا لا يتصور فيها الكمال، وعلى الرجل أن يتقبلها على ما هي عليه، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن في خلق المرأة عوجا طبيعيا، وأن محاولة إصلاحه غير ممكنة، وأنه كالضلع المعوج المتقوس الذي لا يقبل التقويم، ومع ذلك فلا بد من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسن ما تكون المعاملة، وذلك لايمنع من تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجت في أي أمر من الأمور، ولكن بالتي هي أحسن. وفي المتفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”.
وقد يغضي الرجل عن مزايا الزوجة وفضائلها ومحاسنها، ويتجسد في نظره بعض مايكره من خصالها، فينصح الإسلام بوجوب الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، وأنه إذا رأى منها مايكره، فإنه يرى منها مايحب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” لايفرك – لايبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر”.
أيها الإخوة الكرام، إن أول مايجب على الرجل الكريم إكرام المرأة عموما وخاصة زوجته، والإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف وتقديم مايمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها فضلا عن تحمل مايصدر منها والصبر عليه، لأن من مظاهر اكتمال الخلق وقوة الإيمان أن يكون المرء رقيقا مع أهله، وإكرام المرأة دليل الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على الخسة واللؤم، ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلطف مع عائشة رضي الله عنها فيسابقها، تقول فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود:” سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة”
تأملوا أيها الإخوة والأخوات إلى ماقام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يفتح عليه مكة المكرمة ودخلها فاتحا منتصرا، فدعاه أكابر بيوتات مكة إلى المبيت عندهم فأبى وقال كما ورد في الأثر: “انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة”، فبات تلكم الليلة ينصب راية المسلمين عند قبر خديجة، أتعلمون لم فعل ذلك؟، لأنها رضي الله عنها كانت من أوائل من أسلم وآزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتيت إلى أن توفاها الله، ولكنها لم تفرح بالنصر، لأنها لم تعش إلى هذا الوقت الذي متع الله به النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح والنصر المبين، لذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشير إلى فضلها في معاونته في أمر الدعوة الإسلامية، فنصب الراية على قبرها إعلاما لفضلها وسبقها في الإسلام، بالله عليكم هل تجدون أحدا كرم المرأة واعتنى بها كالدين الإسلامي؟ أي وفاء أعظم من هذا الوفاء؟ وأي إخلاص وأي حب أعظم من هذا؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد، فياعباد الله، يقول الله تعالى:”واتمروا بينكم بمعروف”، أي تأمرها وتأمرك، وتنصحها وتنصحك، تأخذ بيدها وتأخذ بيدك، وتأملوا أيضا في استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية، وأشارت عليه بالصواب، فنفذ مشاورتها، وكانت الحل المناسب لما نزل بالمسلمين من هم.
فالمرأة في الإسلام مساوية للرجل مساواة تامة في التكليف والتشريف والمسؤولية، مكلفة كما هو مكلف، مشرفة كما هو مشرف، مسؤولة كما هو مسؤول، والخصائص الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية للمرأة كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها، وخصائص الرجل الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به، فالمرأة والرجل يتكاملان ولا يتشابهان.
أيها الإخوة الكرام، روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات”، وروى الإمام البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال:” سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا، لفضلت النساء”، ورغب صلى الله عليه وسلم في الإحسان إليهن فقال: ” من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختاه، فأحسن صحبتهن وصبر عليهن واتقى الله فيهن دخل الجنة”.
ختاما إن حديثنا اليوم عن مظاهر وتجليات تكريم الإسلام للمرأة، تجعلنا نقف وقفة إجلال وإكبار لنحيي المرأة التي تربي أبناءها أحسن تربية، وتعامل زوجها بأحسن معاملة، ولنحيي المرأة التي درست وتفوقت وبلغت المراتب العليا، ولنحيي المرأة التي تعلمت مختلف المهن والحرف التي كانت بالأمس القريب حكرا على الرجال، وأصبحت تحترفها وتؤديها باقتدار، ولنحيي المرأة التي حاربت أميتها وأصبحت تقرأ وتكتب وتحفظ القرآن، ولنجل المرأة التي أصبحت تقدم عملا جمعويا رائدا، والمرأة التي دخلت ميدان التنمية البشرية بمسؤولية، وفي الوقت نفسه نتأسف الأسف الشديد للاستخدامات المهينة المبتذلة التي تستغل فيها المرأة استغلالا فاحشا، كاستخدامها في الإشهار وترويج البضائع والبغاء والعهر المنظم.
فالمرأة أيها الإخوة والأخوات، هي التي تربي الرجال وتخرج الأجيال، وإليها يعود الفضل فيما يبلغه الرجال من المراتب والإنجازات، فوراء كل رجل عظيم امرأة، ووراء كل عمل وإنجاز جليل امرأة. والحمد لله رب العالمين.