بيان معنى التعويد والرقية الشرعية وتوضيح معنى الهامة والعين اللامة
بيان معنى التعويد والرقية الشرعية وتوضيح معنى الهامة والعين اللامة
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الحبيب المصطفى ﷺ فيما رواه الإمام البخاري وغيره عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يُعوِّذُ الحسَنَ والحُسينَ رَضيَ اللهُ عنهما ابنَي علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه وفاطمةَ بنتِ النَّبيِّ ﷺ، بقولِه: «أَعُوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شَيطانٍ وهَامَّةٍ، ومِن كُلِّ عَينٍ لَامَّةٍ»، ويَقولُ لهما: إنَّ أباكما -يعني: جَدَّكما الأعْلى إبراهيمَ عليه السَّلامُ- كان يُعوِّذُ وَلَدَيه إسماعيلَ وإسحاقَ بهذه الكَلماتِ.
عباد الله، الكثير من الناس في أيامنا هذه يتعرضون لأذى غيرهم من سحر وشعوذة وحسد وعين ضارة وحشرات سامة وغيرها، فيتركون الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، بسلك الطريقة الصحيحة المشروعة التي علمنا إياها النبي ﷺ، فتجدهم يترددون على المشعوذين والسحرة والعرافين والكذابين وغيرهم ممن احترف ما يسمى بالرقية الشرعية، وياليتها كانت شرعية، الذين جعلوها مورد رزقهم الوحيد، سالكين فيها الطرق الكثيرة الغير المشروعة، بغية التأثير في الناس والشهرة لدى عوامهم بذلك، وأكل أموالهم بالباطل، مما جعل هذه الظاهرة السلبية المتمثلة في انتشار الدجالين في مجتمعنا تكثر وتكثر، إلى درجة انتشارها في وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي، فأصبحنا نصدم بين الحين والآخر بفيديوهات مسجلة بالصوت والصورة تعلم الناس طرق الشعوذة والتفريق بين الأحبة والأزواج والعشائر، وإذاية الغير، وتشريد الأسر، وإفلاس التجار، وذهاب العقول والحرمان من نعمة الصحة، فيا عجبا لهؤلاء كيف سمحوا لأنفسهم بالقيام بهذه السلوكيات المنحرفة بداعي الارتزاق، فهؤلاء نسوا وتناسوا بأنهم يكفرون بالله تعالى أو على الأقل يظلمون الناس ويقترفون أكبر الكبائر والآثام كل يوم وهم لايشعرون.
عباد الله، اعلموا أن اللهُ سُبحانَه تعالَى هو القادِرُ على صَرْفِ شُّرورِ هؤلاء وأمثالهم عنكم، ولقدْ كان النَّبيُّ ﷺ يَستعيِذُ باللهِ ممَّا يَخافُ ويَحذَرُ، ويُعوِّذُ غيرَه كما سمعتم؛ فعلَى المؤمنِ أنْ يَلْزمَ ذلك ويَستعيِذَ باللهِ مِن شُرورِ خَلْقِه كل صباح ومساء، ويفعل ذلك بأهله وذويه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فما هو معنى التعوذ الوارد في الحديث؟ وما هو حكمه؟ وما معنى كلمات الله التامة؟ وماهي الهامة؟ وماهي العين اللامة؟ أعاذنا الله وإياكم من كل ذلك. أمين.
عباد الله، التَّعوُّذُ باللهِ تعالَى وكَلماتِه هو الالْتجاءُ إلى الله عزَّ وجلَّ بصدق؛ لأنَّه سُبحانَه القادِرُ على صَرْفِ الشُّرورِ عن عبْدِه وحمايته وتحصينه وحفظه، والتعويذ هو الرقية، وهي ما يرقى بها الإنسان من الحمى والصرع والسحر وغيرها، وفيها معنى الدعاء لطلب الشفاء، والتعويذ منه المشروع وغير المشروع، فغير المشروع هو ما كان من أفعال الجاهلية كالتميمة والتولة التي يصنعها النساء للتحبب إلى أزواجهن، قال الرسول ﷺ فيما رواه الإمام أحمد: ” من علق تميمة فلا أتم الله عليه”، ويلحق بغير المشروع ما كان بأسماء الملائكة أو المخلوقات مثل العرش مثلاً، وما كان بالطلاسم والحروف الغير المفهومة. وما يسمى بالودعة والرتيمة.
أما المشروع منها فهو ما كان بالنفث أو النفخ أو التفل، روى الإمام البخاري: أن النبي ﷺ كان ينفث على المريض بالمعوذات، فلما مرض مرضه عليه الصلاة والسلام، جعلت عائشة رضي الله عنها تنفث عليه، وجعلت تمسحه بيد الرسول ﷺ نفسه، لأنها أعظم بركة من يدها، وكذلكم ما يسمى بالنشرة فهي جائزة، وهي ما يعرف بمحو آيات من القرآن وسقيها أو مسحها بجسم المصاب بالجنون أو السحر، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء ثم تأمر أن يصب على المريض”، ويلحق بما هو مشروع، كل ما كان بكلام الله أو بأسمائه الحسنى، فالاسترقاء به جائز بشروط وهي: أن يكون بالقرآن الكريم، أو بأسماء الله وصفاته، وأن يكون بالحرف العربي، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها وإنما الشافي هو الله تعالى. وهذا كله يدخل في معنى كلمات الله التامة الشافية المباركة النافعة الخالية من النقص. أسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياكم من شر كل ذي شر، وأن يجعل كيد كل كائد في نحره أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، بقي أن أبين معنى الشطر الثاني من الحديث، وهو قولُه ﷺ: «مِن كُلِّ شَيطانٍ وهَامَّةٍ ومن كل عين لامة»، أي: أعوذ بكلمات الله التامة مِن كلِّ شَيطانٍ إنسيًّا كان أو جِنيًّا. والهامَّةُ هي كل الحشرات السامة، التي تغشى الناس في بيوتهم أو حواليهم، وبالمناسبة فالحشرات الأرضية والبهائم والأنعام وكل ما خلق الله في هذه الأرض، كله مسير بإرادة الله وبإذن الله، وهي كلها سخرها الله للإنسان وكف عنه أذاها، إلا إذا أذن لها الله تعالى بذلك.
وفي هذا المقام تأملوا عباد الله في قصة الطاغية فرعون وقومه، الذين أنزل الحق سبحانه وتعالى فيهم قوله:” فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا”، إذن فلقد أرسل الله عليهم الطوفان وأنواع من الحشرات وغير ذلك، بسبب كفرهم وذنوبهم. والعياذ بالله.
أما قوله ﷺ :”ومن كل عين لامة”، فالمقصود بها العين المؤذية، والعين الحاسدة، قال النبي ﷺ فيما رواه الإمام مسلم:” العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين”، ولبيان ذلك أقول: إن بعض الناس والعياذ بالله تنبعث من أنفسهم الشريرة ومن أنفسهم الخبيثة الظلمانية قوة خفية تسري عبر النظر إلى الأشياء، فيقع بها الضرر بإذن الله، قال عز وجل: “وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله”، فأمرنا أن نستعيذ بالله من العين اللامة ومن الحسد الذي يصدر عن النفوس السيئة.
هذا وإن أكثر مصائب الأمة وأكثر أنواع البلاء إنما هو من العين المؤذية، فإذا أردتم أن يحميكم الله من ذلك فتحصنوا بذكر الله وباستعاذات القرآن الكريم وباستعاذات النبي الكريم ﷺ، يقول الحق سبحانه وتعالى:” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق”، والحمد لله رب العالمين.