الوقاية من داء كورونا

الوقاية من داء كورونا

الأستاذ يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام و توالت الأزمان.

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، قال تعالى: “أفحسبتم ّأنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون؟”، وقال أيضا: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، ومن خلال هاتين الآيتين الكريمتين يتبين أن الإنسان خلق لآداء مهمة عظيمة، وأمانته فيهذه الدنيا جسيمة، ومسؤوليته كبيرة، تتمثل في خلافةالله في الأرض، يعمرها ويظهر أسرار الله فيها، ويعمل على صلاحها وإصلاحها وإقامة شرع الله فيها، وإقرار السعادة في ربوعها، ولكن لا سبيل إلى هذه المهمة التي أنيط بها الإنسان وتحمل أعباءها ولد آدم، إلا إذا توفرت لديه أسباب التغلب على صعوباتها، فتحصن بالصحة التي يكمل بها عقله ويسلم بها تدبيره، وتتصل بها جهوده، والعقل السليم في الجسم السليم، فالصحة عنصر مهم لا بد منها في قوام الحياة الإنسانية، لآنه ما من شيء في هذه الحياة إلا وهو محتاج إليها ومتوقف عليها، ولا وجود إيجابي للإنسان بدونها،وأنتم تعلمون أيها الإخوة المؤمنون أنه لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، ولا حركة قائمة إلا بالصحة، فالصحة هي رأس مال الإنسان، وربحه هو ما يعود عليه بفضل حسن العناية بها وتسخيرها في طاعة الله تعالى من نفع يتبوأ به أعلى الجنان،  أو ما يجنيه عليها من الخسران إن سخرها في المعصية ولم يهتم بشأنها، وعرضها للتلف بالتفريط والتهور واتباع الشهوات وعدم الإحتياط في جميع الأحيان، قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، ثم َتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”، وقال صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، ولا نعلم أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات هادما للسعادة، قاضيا على الهناءة مفككا لعرى الأمة مضيعا للعزة والمناعة مثل المرض، الذي يجب محاربته بكل ما أوتي الإنسان من حزم وعزم، وأن تحشد القوى بصدق وإخلاص ونية للقضاء عليه، وأن تواجه الأوبئة بتدبير محكم، قائم على تخطيط قويم، وتصميم من الأخطاء سليم، حتى تنقذ الأمة من شرها المستطير، وتحفظ من أداها الخطير، أيها المسلمون، لقد كان الإسلام حكيما في اتخاذ الوسائل التي تقضي على الأمراض والأوبئة، ولو اتبعنا ما رسمه لنا الإسلام في القضاء عليها لوفرنا على أنفسنا هذه الجهود الضائعة، ولاختصرنا الطريق، ولكنا في غنى عن كثير من هذه الدعايات والخطب والمقالات والإعلانات التي تفور لتتبخر، وترتفع لتنخفض، وتظهر لتختفي.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد حارب الإسلام المرض بجميع أشكاله، فأمر بالوقاية، وهي أفضل من العلاج، وحت على لسان رسوله بالتداوي فقال صلى الله عليه وسلم: ” تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا السَّامَ”، وأباح للمريض والخائف من المرض أن يتيمم بدل الوضوء، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنفاس والحمل والرضاع والشيخوخة رفعا للحرج ودفعا للعلل والأمراض، كل ذلك أيها الإخوان والأخوات عناية بصحة الإنسان واهتماما بسلامة ووقاية الأبدان من المرض الذي يعطل مهمة الإنسان في هذا الوجود، ومن عوامل المحافظة على الصحة العناية بنظافة الثوب والبدن والمكان والفم والأسنان، وعدم الإفراط في النوم والسهر والطعام، وتناول ما يضر بالعقل والجسم والمال من المخذرات والمسكرات وشرب الدخان، هذه الخبائث التي حذر من سوء عواقبها القرآن وأصبح خطرها الآن منتشرا بين الرجال والنساء في كل مكان، ومن قال عنها شيئا اتهم بالرجعية والنقصان، والله تعالى يقول: “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، وقد استقر هذا المعنى في نفوس المسلمين حتى اشتهر بينهم “أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان”.

أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، العالم اليوم كله يتحدث عن وباء يسمى “كورونا فيروس”، أو “كوفيد 19″، وهذا الوباء بالرغم مما قيل عنه في وسائل الإعلام الدوليةيبقى مثله مثل جميع الأوبئة التي تشهدها الدنيا بين الفترة والأخرى، تسعى جهات معينة لتهويلها، في حين أن هناك أوبئة أشد منه خطرا على الإنسانية، والمطلوب منا تجاهها،أخذ الحيطة،والعناية بنظافةاليدين، والتقليل من السفر ومخالطة الناس في تجمعات تكتظ بهم، تكون سببا لتنقل وانتشار هذا الوباء، كما ينبغي أن لا نهول الأمر، ونتخذ هذا الوباء ذريعة لترويج الإشاعات وبث الذعر في أوساط المواطنين، وخلخلة التوازنات، وهذه الإحتياطات التي تأمر بها السلطات في بلادنا وفي جميع البلدان إنما هي من أجل الحد من انتشار الوباء وتعرض فئة من الرعايا، المؤهلة أجسامهم، للتأثر به، وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن سيدنا عن عبد الرحمن بن عوف (ض) أنه قال : “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه”،فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، اسجدوا لله شكرا على العافية بعد الإسلام، فإن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء يتلألأ لا يراه إلا المرضى، فيا منْ منَ الله عليك بالعافية بعد الإسلام، اسجد لربك شكرا على هذه النعمة، ويا منْ منَالله عليك بالعافية اعلم بأن نعمة الله عليك بالصحة بعد الإيمان هي أعظم نعمة، فهناك من الناس من يظن أن الرزق هو المال، ونسي نعمة العافية ونعمة الصحة ونعمة الإسلام، فاعترف أخي بنعم الله عليك ظاهرا وباطنا سرا وإعلانا فهو القائل سبحانه: “وأما بنعمة ربك فحدث”، واجعل النعمة في طاعة الله لتكون شاكرا قال تعالى: “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد”، وتحلوا باليقظة والحيطة في مواجهة ما يعانيه العالم اليوم من وباء، والتزموا نصائح وزارة الصحة وتعاليم الحكومة في العناية بالنظافة والتزام الشروط الوقائية حفاظا على سلامة المجتمع والحد من انتشار الوباء بين المواطنين، الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق  الوقاية من داء كورونا  الجمعة 11 رجب 1441 موافق27 6 مارس 2020

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *