الواقع الأخلاقي المتردي لغالبية الشباب ومسؤولية الأسرة والمدرسة في ذلك
الواقع الأخلاقي المتردي لغالبية الشباب ومسؤولية الأسرة والمدرسة في ذلك
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله،إن من الأمور المؤرقة التي أصبحنا نعيشها في هذه الأيام، والتي ينبغي أن ينتبه إليها الآباء والأمهات والمربون، وكل من يعنيهم أمر هذا المجتمع، الواقع الأخلاقي المترديلغالبية شباب اليوم، جيل مستقبل الغد، الذي غدا يدعو إلى القلق،ولا يدعو إلى الاطمئنان على مستقبلهم ومستقبل المجتمع، هذا علما أن أبناءنا وشبابنا هم أكبر رأسمال يملكه كل واحد منا ويملكه المجتمع، فإذا ضاع رأس المال فنحن سائرون حتما إلى الإفلاس والضياع.فمتى سيقوم كل واحد منا بمسؤولياته وواجباته اتجاه هذا الجيل الصاعد؟ ومتى سيشعر هؤلاء الشباب بعيوبهم ويعودوا إلى جادة الصواب؟
فإذا اطلعتم عباد الله على حال هذه الفئة سواء في ذلك ما تعلق بعلاقتهم بالخالق سبحانه وتعالى، أم علاقتهم بآبائهم وأمهاتهم وعلاقتهم بالعلم وأهله، وإذا تمعنتم في ظاهر أجسادهم ولباسهم ومايؤمنون به وما يعتقدونه، وكيف يتصرفون في البيت والشارع والمدرسة، ستجدون فعلا بأنهم بتصرفاتهم هذه أصبحوا غرباء عن المجتمع الإسلامي، وأنهمبما هم عليه الآن يستحيل أن يعتمدوا على أنفسهم في يوم من الأيام، وأن يتحملوا المسؤولية مستقبلا، وأن ترجى منهم نتيجة.
عباد الله، فإذا نظرنا أولا إلى علاقتهم بالخالق تجد الغالبية منهم وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يعرفون كيفية الطهارة الصغرى والكبرى، ولا يؤدون فريضة الصلاة خمس مرات في اليوم، بل إنهم لا يعرفون كيف يقرؤون القرآن الكريم بطريقة صحيحة، ولا يسألون عن الأمور التي تقوي إيمانهم ولا يتعاطونها، مما جعلهم يعيشون فراغا روحيا قاتلا، أدى بالكثير منهم إلى الإصابة بأمراض نفسية خطيرة، كالاكتئاب والعصبية والقلق الدائم وغيرها.
وفي بيوتاتنا انقلبت المعادلة، حيث أصبح الآباء هم من يطلبون رضى أبنائهم، وأصبح التواصل والحوار والتأثير بين الآباء والأبناء في غالبية الأسر شبه منعدم رغم أنهم يعيشون في بيت واحد،وذلك بسبب عيشهم وسط مختلف التطبيقات الذكية والحسابات العديدة التي أصبحت لهم في الفيسبوكوالأنستغراموالتيكتوكوالواتساب وغيرها.
ومن الظواهر السلبية المتصلة بذلك،اهتمام الأولاد والبنات في أيامنا هذه بتربية الكلاب، وأصبح مفخرة لديهم الخروج معها وجرها في الشارع، بل إن من المضحكات في زمننا أن تجد من يسكن في عمارة يملك كلبا ويربطه في السطح، ولا يهمه ازعاج الجيران والأطفال الصغار،روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: “من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض-بمعنى حراسة الزرع- فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم”.
وإذا تمعنتم في ظاهر أجسادهم، بداية من منظر حلاقتهم للرأس، تجدهم أصبحوا يحلقون بعض الرأس ويتركون الآخر، ومنهم من أصبح يرسم رسومات فوق رأسه، والأمر عنده جد عادي، وفي ذلك روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهى عن ذلك، وقال: “احلقوا كله أو اتركوا كله”.
ومنهم من أصبح يستعمل الوشم في أجزاء من جسده، وكل همه جذب انتباه البنات إليه، والبنات أيضا أصبحن بلا أنوثة، وكل همهن هو جذب انتباه الأولاد إليهن، ونسي هؤلاء أن النبي ﷺ لعن مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، وكمثال على ذلك لبسهم للسراويل الممزقة، واللباس الضيق الذي يصف أجسادهم، ولا يستر عورتهم. واستعمال بعض الذكور للمجوهرات كسلسلة العنق والحلقات، أضف إلى ذلك التأنق الزائد في اللباس واستعمال المزينات، مما أدى إلى ظهور الشباب المخنث الذي يقلد النساء في كل شيء، وظاهرة الشذوذ الجنسي وغيرها.
عباد الله، إن من فرط وقصر في تربية أبنائه على الوجه الأكمل في فترة الصغر، فإنه سيجني ثمرات ذلك في الكبر. أسأل الله تعالى أن يصلح حالنا وحال أبنائنا أمين، وأن يهدينا وإياهم الصراط المستقيم، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، تبعا لما بدأناه، وإذا تتبعت حال الغالبية منهم في المدارس تجدهم فيغالبية الأوقات يضعون سماعات الأذن للاستماعللأغاني داخل الأقسام وفي أروقة المؤسسات، ناسين أو متناسين أن كثرة الاستماع للأغاني تنبت النفاق في القلوب، وتضعف الإيمان، وإذا تليت عليهم آي القرآن سخروا منها وقهقهوا، وربما أصبحوا يعتبرون ذلك تخلفا أو يعتبرون أنفسهم أرقى من ذلك، أو لا يحتاجون إلى ذلك، علاوة على عدم احترامهم لأساتذتهم، بحيث يتعمدون إحداث الضجيج في قاعات الدراسة، وغدوا يتنافسون في ذلك ويتفننون فيه،وكل أساليب الردع لم تنفع معهم، كاستدعاء ولي الأمر الذي لا يحضر غالبا،وعدم المبالاة بالتقارير التي يكتبها الأساتذة، أو حتى التهديد بنقطة الصفر أو النقص من النقط، كل ذلك أصبح أمرا عاديا عندهم.وإذا عاتبه أو أدبه أستاذه بغية إصلاح حاله، تجد من الآباء والأمهات من يسترجل على المؤسسة بمن فيها، ويهددهم بالمتابعة القانونية ويشفي غليله فيهم سبا وفحشا من القول. ختاما عباد الله، إن هذه التجليات المؤسفة التي وصفت بعضها، كانت سببا في أن تخرج الأسر والمدارس جيلا عديم الأخلاق، وتخرج اللصوص والمجرمين، لا يهمهم مجتمعهم وثوابته ونهضته وتنميته. ولنعلم بعد هذا كلهبأننا جميعا آباء وأمهاتا ومدرسين لا نقوم بأدوارنا على الوجه الأكمل في تربيتهم على الأخلاق الإسلامية وتوجيههم إلى الاهتمام بالعلم، ومتابعتهم لتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس لتكون لهم ثمرات في المستقبل والحمد لله رب العالمين.