المقاومة الصحراوية للإسبان: سيدي محمد بصير نموذجا
تحيتي لجميع الحاضرين.. وتحية خاصة لأصدقائي الذين تعرفت عليهم في الفترة التي كنت فيها بالصحراء المغربية، وأيضا الذين تعرفت عليهم بمقر الأمم المتحدة بنيويورك.
وأتقدم بشكري للقائمين على الزاوية البصيرية وعلى دعوتهم لي لحضور هذه الندوة وإلقاء هذه المحاضرة.
وأخبركم بالمناسبة، أنني أعرف الآن المغرب كاملا، كانت تنقصي زيارة لبني ملال وها قد شاهدتها، وبهذا أكون قد تعرفت على المغرب من فكيك إلى وجدة والسعيدية والراشيدية وغيرها وأنا مسرور بذلك.
تذكرني كذلك هذه المناسبة بالفترة التي قضيتها في الصحراء لما كنت أقضي مدة التجنيد الإجباري في الصحراء، بين سنتي 1969م و1970م، وهي الفترة نفسها التي اختفى فيها محمد بصير.
وسأتكلم باختصار عن محمد بصير، وهو يستحق أن أتكلم عنه طويلا، ولكن سأطلب منكم ومن المغرب أن يعيد قراءة تاريخ المغرب وتاريخ بصيري- أي محمد بصير- من أول تاريخ المغرب إلى تاريخ المغرب المعاصر.
في الفترة التي ولد فيها البصيري كنا في الحرب العالمية الثانية، وكانت فرنسا محتلة وجاء ورزفيلت هنا إلى المغرب لزيارة الملك محمد الخامس رحمه الله، وفي تلك الفترة، طالب الملك باستقلال المغرب كاملا حتى صحرائه، أي أن هذه المطالبة تزامنت مع ولادة محمد بصيري.
الطريق طويل منذ 1946م لقد قسم المغرب ومزق في تلك الفترة، أتكلم عن توات وتندوف والشمال، وعن مناطق أخرى كانت مغربية وكان من الواجب على المغرب أن يسجل مغربيتها، واقتطعت الصحراء عن المغرب ومناطق في الشمال، وكانت فترة صعبة عاشها المغرب آنذاك.
وفي سنة 1955 م كان لايزال في السلطة الملك محمد الخامس، وخرج فرنسا وتأخرت إسبانيا إلى أبريل 1956م، وبقيت مناطق في جنوب المغرب لم تحرر من الاستعمار الإسباني، وكل هذه المعانات عايشتها وكبرت معها، فكلامي عنها كلام من خابرها.
وفيما بين سنة 1957 م وسنة 1959 م كان التحرير ورفع العلم المغربي في تندوف، وفي الداخلة وفي مناطق أخرى، ونظرا لوجود الاستعمار الإسباني كثير من سكان الصحراء هاجروا إلى الشمال، ولذلك كثير من الذين يسيرون اليوم البوليزاريو يعدون من أبناء المجاهدين الذين جاهدوا من أجل استقلال الصحراء وكان وحدويين مغاربة.
واتفق آنذاك على أن تعود الأراضي المغربية إلى المغرب، وأعيدت كل الأراضي إلى المغرب إلا فيكيك بقيت تحت إمرة الاستعمار الإسباني، ولذلك فإن إسبانيا لم توف بوعدها وباتفاقيتها مع المغرب.
وأثناء هذه الفترة كان محمد بصيري، يكبر ويتعلم مما يدور حوله من أحداث ووقائع، فقد كانت هناك انتفاضة … واستقلال …. وحرب الرمال، والحركات اليسارية في المغرب، مشكل فلسطين، ولم تكن الجمهورية العربية المتحدة، وكل هذه الوقائع كان يتعلم منها ويطور نفسه سياسيا.
وكل هذا كان في سنة 1968م و1970م، بصيري في الصحراء وما يسمى بحركة الرملة، ولما وصلنا إلى هذه الفترة، كان البصيري شهيدا، البصيري اختفى.
أنا فعلا مهتم بأمثال هذا اللقاء وغيرها من اللقاءات التي تعقد حول بصيري، لأن هناك أناس في البوليزاريو يدركون أهميتها، فنشكر عائلة بصيري التي تدافع عن مرجعيته والتي تقول الحقيقة، لأن بصيري كان مغربيا وحدويا، ودائما كان ينادي بذلك هو وعائلته، وبصيري هو المغربي الثاني الذي يريد البوليزاريو أن يتبناه باطلا، فقد أرادوا ان يتبنوا ماء العينين أيضا، وهذا ظلم وتغيير للحقيقة، وهنا يريد البوليزاريو أن يزوروا التاريخ، عندما يتكلمون على الشيخ ماء العينين مثلا، لأن ماء العينين عين بعدة ظهائر سلطانية، وكانت المساعدات المالية دائما تأتيه من سلطان المغرب، وحتى ذهاب محمدالهيبة ماء العينين إلى مراكش كان من أجل مساعدة المغرب ومن أجل تحرير المغرب من فرنسا.
ويؤلمني كثيرا أن حكومة بلادي في ذلك الوقت الذي أرادت استحداث شعب جديد يسمى الشعب الصحراوي، أي ما يسمى بالبوليزاريو اليوم، طبعا كانت حينئذ حكومة دكتاتورية ولم تكن الحكومة الحالية، ولكن يؤلمني كثيرا كإسباني أن إسبانيا فعلت ذلك، وقد خلقت أيضا الشبيبة الصحراوية وكل المنظمات التي تدور في فلكها، ولكن كل ذلك مفتعل، وكله محاولة لتزوير التاريخ.
لما عاد بصيري إلى المغرب وهو يمارس مهمته كصحفي كانت هناك جريدتان، جريدة لأحد رؤساء الجماعة الحضرية بالدار البيضاء وجريدة أخرى أسسها بصيري، و يقول البعض بأن بصيري كتب في هذه الجرائد أن المغرب لم تكن له سيادة على الصحراء، لكن هذه الأقوال نحن بحثنا عنها في أعداد هذه الجرائد لكن لم نجد لها أثرا، بل لم نجد هذا الكلام مكتوبا على صفحاتها لا من البصيري ولا من غيره، وبصيري كان يوقع فيها باسم محمد بصير، وأحيانا باسم مستعار وهو: الصحراوي، فجريدة بصيري كانت تباع بدرهم واحد وكان يكتب فيها عن الثقافة وعن السينما وعن أشياء أخرى، لكنه لم يكتب أبدا أن المغرب لم تكن له سيادة عن الصحراء.
وفي الفترة التي كان فيها بمدينة السمارة، كان يعلم الناس القرآن ويعلمهم الأخلاق، ولم أستطع أن أفهم شيئا عن ما كان يقوم به بصيري آنذاك في الصحراء، إلا بعدما استدعيت لأكون اليوم معكم في هذا اللقاء الذي نظمته الزاوية، فرأيت الزاوية وعرفت المهمة التي تقوم بها الزاوية، لقد فهمت ماذا كان يفعل بصيري آنذاك، واليوم فقط استطعت أن أربط ما كان يفعله بصيري بما شاهدته اليوم في الزاوية.
وحتى في ما كتبه البوليزاريو عن بصيري، وجدتهم يقولون بأن أهدافه لم تكن قومية بل كانت دينية محضة، فبصيري كان مجاهدا، وجهاده كان سلميا.
في 17 يونيو 1970م نظمت إسبانيا مسيرة كي تبرهن للأمم المتحدة أن ساكنة الصحراء معها، وقالت الحكومة الإسبانية إن هناك مسيرة مضادة نظمتها جهة تابعة للمغرب، وبالمناسبة فإنه موجود معنا هنا فوق المنصة شخص كان هناك في الحكومة الإسبانية يوجد عنده تقرير عن تلك الأحداث، وكانت مسيرة مضادة لم يشارك فيها بصيري في ذلك اليوم، ولكنه هو الذي خطط لها، وأنا أقول: إنه حين قامت انتفاضة الرملة، أنزل العلم الإسباني من أعلى البعثة الكاثوليكية بالعيون ورفع العلم المغربي، وكان جل المتظاهرين يحملون العلم المغربي، وكانت هناك مواجهات بين المتظاهرين والقوات الإسبانية والشرطة والحرس المدني الإسباني، وقال تقرير إسباني حينها إن المواجهات أسفرت عن قتيلين، لكن تقرير لرئيس الاستخبارات الإسبانية آنذاك في الصحراء كشف انه ذهب ضحيتها أربعة قتلى وواحد وعشرون جريحا، وهذا القبطان الذي قاد المواجهة ضد المتظاهرين قتل فيما بعد على يد منظمة إيتا الإسبانية.
وفي اليوم التالي، وبعد المظاهرة اعتقل بصيري في بيت أحد أفراد عائلته وهو السيد موسى بصيري، وساقوه إلى مخفر الشرطة، واستنطق ثم نقل إلى السجن المركزي بالعيون، الذي كان يسمى بالحبس الشرقي، استنطق من طرف شرطيين كانا في الصحراء وآخرين جاءوا من الشرطة الإسبانية المقيمين في المغرب، وكان المسؤول الرئيسي على الاستنطاق هو الكولونيل أسيانسي، وأشيع أن محمد بصيري فر من جهاز الشرطة، وعممت مذكرة على نقط العبور الحدودية تفيد أنه عليهم القبض على هذا الشخص الهارب من الشرطة، لكن الحقيقة انه نقل إلى ثكنة بسيدي بويا ثم رُحِّل إلى ثكنة أخرى، وفي أواخر يونيو أو يوليوز أخذوا البصيري إلى المطار، رغم أنهم أذاعوا أنه فر من الشرطة، وأركبوه طائرة مع صحراوي آخر أخذوه معهم عمدا ليشهد على ما سيقع.
وفيما يخص وجهة الطائرة هناك روايتين:الأولى تقول بأنه أخذ إلى تينريفي في كناريا، والرواية الأخرى، والتي هي الأصح، أنهم رموه من الطائرة في منطقة ما في الصحراء، ولكن الحقيقة المرة أنه لم يأخذوه بالطائرة، ولكن نقلوه عبر سيارة “دجيب” إلى الشاطئ، وكما يقول ديفو أجورجي لم يصل إلى المنطقة، وهناك شخص يقال أنه لم… وأنا أعرفه لكن احتراما لعائلته في هذه اللحظة اعذروني لن أبوح باسمه، في هذه اللحظة.
أنا أظن أن بصيري جاء من المغرب نحو الجنوب من بين الناس الذين كانوا معه… وكان على اتصال دائم مع بنحمو رئيس جيش التحرير بالمغرب، وكما قلت سابقا فقد وضع المتظاهرون العلم المغربي على البعثة الكاثوليكية… وبصيري في انتفاضة الرملة كان يمثل المغرب، ويقول نعم لتحرير الصحراء… وكذلكم الوالي لم يكن انفصاليا…