المضار الدينية والدنيوية لظاهرة الإدمان على المخدرات والمسكرات
المضار الدينية والدنيوية لظاهرة الإدمان على المخدرات والمسكرات
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”، عندما نزلت هذه الآية، وهي آخر آية نزلت في تحريم الخمر، قال الصحابة رضوان الله عليهم:” انتهينا انتهينا”، وأخرج مسلم وأبو يعلى وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:” يا أيها الناس، إن الله عرض بالخمر، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به، فلم نلبث إلا يسيرا حتى قال: إن الله قد حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع، قال فاستقبل الناس بما كان عندهم منها فسفكوها في طرق المدينة”.
عباد الله، إن ظاهرة تعاطي المخدرات والمسكرات تعد من الآفات الخبيثة التي ابتلي بها أبناء مجتمعنا، ولم تفش في عصر من العصور كما فشت في عصرنا الحاضر، ظاهرة خطيرة خدرت عقول الناس وبالأخص فئة الشباب، وأهدرت طاقاتهم، وشلت جهودهم، ولوثت أفكار عقولهم، وغيرت مبادءهم ودمرت أخلاقهم، وأضاعت أموالهم، وقتلت رجولتهم، واغتالت طموحاتهم وآمالهم، فالعديد من أنواع الجرائم والفساد الأخلاقي التي ترونها في المجتمع مردها إلى الإدمان على السكر والمخدرات. فما معنى الإدمان؟ ولماذا أحاط الله نعمة العقل بالحفظ؟ وأين تكمن تجليات مضارها في حياة الفرد والمجتمع؟
عباد الله، بداية لابد أن نعي أن الإدمان لا يعني المخدرات فقط، وإنما يعني التعود على أي شيء وعدم القدرة على الاستغناء عنه لدرجة أن الشخص يصبح عبدا لهذا الشيء كالإدمان على الإنترنت مثلا، وهي كلها أمور يرفضها الشرع، فالإسلام يمنع المسلم من التعلق أو إدمان أي شيء، وما يقال عن المخدرات ذات الخطورة المباشرة لما تسببه من أضرار كثيرة واضحة، يقال عن المخدرات ذات الخطورة الخفية مثل التدخين والخمر، فهي أشد فتكا وأوسع تأثيرا وانتشارا، قال العلامة ابن أبي زمنين رحمه الله:”ومعنى الإدمان عند أهل العلم، أن يكون شاربها يعتقد التمادي فيها، ولو لم يشربها في السنة إلا مرة ؛ إذا كانت نيته العودة إليها فهو مدمن”، وقال العلامة أبو نعيم رحمه الله:”ومدمن الخمر عندنا من يستحله، ولو لم يشربه في طول عمره إلا سنة واحدة”.
وينبغي أن نعلم عباد الله، أن الله كرمنا بخلال كثيرة، امتزنا بها عن غيرنا من المخلوقات، من جماد وحيوان ونبات وجان؛ كرمنا بالعقل، وزيننا بالفهم، ووجهنا بالتدبر والتفكر، فكان العقل من أكبر نعم الله علينا، به نميز بين الخير والشر، والضار والنافع، به نسعد في حياتنا، وبه ندبر أمورنا وشؤوننا، به نتمتع ونهنأ، به ترتقي المجتمعات وتتقدم الحياة، وينتظم المجتمع الإنساني العام، وبالعقل يكون مناط التكليف.
العقل عباد الله جوهرة ثمينة، يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ اعترافا بفضلها، وخوفا من ضياعها وفقدانها. وبالعقل يشرف العقلاء، فيستعملون عقولهم فيما خلقت له، قال تعالى: “قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”، وقال أيضا: “فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، وإذا ما فقد الإنسان عقله عباد الله، لن يفرق بينه وبين سائر الحيوانات والجمادات، بل لربما فاقه الحيوان الأعجم بعلة الانتفاع. ومن فقد عقله، لا نفع فيه ولا ينتفع به، بل هو عالة على أهله ومجتمعه ووطنه.
هذا العقل الثمين، الذي هو مناط التكليف، يوجد في بني الإنسان، من لا يعتني بأمره، ولا يحيطه بسياج الحفظ والحماية، بل هناك من يضعه تحت قدميه، ويتبع شهوته، وتعمى بصيرته، كل هذا يبدو ظاهرا جليا، في مثل كأس خمر، أو جرعة مخدر، أو استنشاق مسكر وشرب مفتر، تفقد الإنسان عقله؛ فينسلخ من عالم الإنسانية، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك والفاحشة؛ فتشل الحياة، ويهدم صرح المجتمع، وينسى السكران ربه، ويظلم نفسه، ويهيم على وجهه، ويقتل إرادته، ويمزق حياءه، ولربما أيتم أطفاله، وأرمل زوجته وأزرى بأهله لما فقد عقله، وبذلك كله يسلم ضرورة من الضروريات الخمس، التي أجمعت الشرائع السماوية على وجوب حفظها، ألا وهي ضرورة العقل. قال الإمام الغزالي رحمه الله: “إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”. وقال الحسن البصري رحمه الله: لو كان العقل يشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده، وبالمناسبة هناك إحصائيات في هذا الشأن تؤكد أن بعض مدمني المخدرات يصرفون مابين ألف إلى ألفين درهم في اليوم، هؤلاء يصرفون هذه المبالغ ليفسدوا عقولهم.
عباد الله، إن نعمة العقل واجبة الحفظ والرعاية؛ لأن في حفظها قوام مصلحة البشرية؛ ففاقد العقل بالسكر، يسيء إلى نفسه ومجتمعه ووطنه، ويوقع مجتمعه وبني ملته في وهدة الذل والدمار؛ فيخل بالأمن، ويروع المجتمع. بالله عليكم ماذا فعلت المخدرات والمسكرات بأهلها؟ هل أعادت لهم مجدا تليدا أو شيئا سليبا؟ هل أخرجتهم من ظلمات الجهل والتيه إلى نور الهدى والاستقامة؟ هل حققت لهم مبتغاهم؟ لا، وكلا وألف لا.
كم من الآلاف في مجتمعنا، يعكفون على المسكرات والمخدرات، يهلكون أنفسهم عن طريق هذه السموم الفتاكة، فأخذوا يزهقون أرواحهم، ويحفرون قبورهم بأيديهم حتى صاروا أجسادا بلا أرواح وبلا عقول، حكموا على أنفسهم بالعدمية والضياع وهم أحياء. فلا يستطيعون نفع أنفسهم ولا نفع غيرهم. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من آفات المسكرات والمخدرات، ونسأله عز وجل أن يحفظ أبناءنا وشبابنا من هذه المعضلات أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فياعباد الله، إن للمسكرات والمخدرات مضارَّ كثيرةً أثبتها الخبراء وأكدها الطب العصري والفترة الإنسانية وتجارب المجتمعات، وذكروا لها أكثر من مائة وعشرين مضرة، دينية ودنيوية من أهمها الاكتئاب والقلق والجنون والهلوسة والانتحار والعجز الجنسي وضعف الكفاءة الذهنية، وكثرة النسيان، وضعف التركيز العقلي، ونقص الذكاء بالإضافة إلى التوترات والاضطرابات والارتعاش وخفقان القلب وأرق النوم، والانزواء والعزلة والرغبة في الاعتداء وقطع العلاقات مع الناس والتفكك الأسري والإهمال وقلة العمل، والميل إلى الكسل والكذب والغش والسرقة وملازمة الرفقة السيئة وغيرها كثير كثير.
هذا وكلما زادت ظاهرة استعمال المخدرات في مجتمع من المجتمعات ارتفعت معدلات الجرائم الأمنية والأخلاقية كما ثبت أن أكثر من خمسين في المائة من حوادث السيارات في العالم تحدث وأصحابها تحت تأثير المخدرات.
أخرج الإمام النسائي وابن حبان، أن سيدنا عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال:”أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث، وإن رجلا ممن كان قبلكم من العباد، كان يختلف إلى المسجد، فلقيته امرأة سوء، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل، فأغلقت الباب، وعندها باطية من خمر، وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صحت، تعني: صرخت، وقلت: دخل علي في بيتي، فمن الذي يصدقك؟ فضعف الرجل عند ذلك وقال: أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسا من الخمر. فقال: زيديني. فزادته، فوالله ما برح، حتى واقع المرأة وقتل الصبي”، قال عثمان رضي الله عنه: ” فاجتنبوها، فإنها أم الخبائث، وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل، إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر”، أنظروا وتأملوا إلى ماتفعله المخدرات والمسكرات بأهلها، ولكم قرأنا وسمعنا بما يفعله هؤلاء من تقتيل لأصولهم وفروعهم وهم لايدرون، أو الزنا بمحارمهم وهم لايدرون، وغير ذلك، روى الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره، أن أحد السكارى جعل يبول -شرف الله قدركم ومجلسكم-، ويأخذ بوله بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول: “اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين”، فاتقوا المسكرات المخدرات، فإنها أم الخبائث، والحمد لله رب العالمين.