المرأة في الإسلام
الحمد لله ،الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، نحمده تعالى ونشكره على نعمه التي لا تعد ةلا تحصى،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يستوصي بالنساء خيرا، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى، وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد، عباد الله، اتقوا الله الذي أنتم به مومنون، واعلموا أن الله عز وجل دعاكم إلى التعرف عليه بواسطة آياته المتجلية في الكون، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)،
أيها الإخوة المؤمنون، إن سؤالا يطرح علينا نفسه في هذه المناسبة، مناسبة الاحتفال بعيد المرأة، الذي كان موعده البارحة، ذلكم السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هذا الترابط والتماسك، وتلك السمات والفضائل الخلقية والمحاسن النفسية التي جاءت بها الآيات القرآنية في مجال وضعية المرأة من الرجل ما زالت متجلية في جو الأسرة المسلمة التي يخاطبها القرآن بقوله: (والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله ، إن الله عزيز حكيم)، أم تلاشت وانفصمت عراها؟،
والواقع أن هذه السمات الإسلامية لم تبق متوفر ة عند الكثير من الأسر، نظرا للفتن والبدع التي أصبح ينادي بها دعاة التحريف والتخريف والإلحاد من الذين ينخدعون بالأقاويل المضلة، والأفكار المستوردة من الدول الأوروبية المتهورة، المناقضة لشريعة الله الخالدة، أولئك الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، زعما منهم أن الإسلام قد هضم حقوق المرأة، وسلبها شخصيتها حيث أعطاها نصف نصيب الرجل في الميراث، وأعطى للرجل حق التسريح والإمساك في جميع الحالات “أي الطلاق”، ولم يسو بينها وبين الرجل في كثير من أمور ومهمات الحياة، فهل المساواة التي ينادون بها تتعلق بالأشغال الشاقة التي يزاولها الرجال بحكم تكوينهم الجسماني لأنهم مخلوقون لذلك؟ أم تتعلق بالسفور والاختلاط الذي يؤدي في كثير من الحالات إلى تدهور الأخلاق وتفكك العائلات، والاستهتار بالروابط والمقدسات؟،
وإن هؤلاء الذين يروجون هذه الشبهات لا يعرفون الإسلام، ولا يفهمون طبيعته المبنية على المساواة والاحترام، والمبينة في كتاب الله، المفصلة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين ينطبق عليهم قول الله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله)،
أيها الإخوة المسلمون، إننا لهم: لأن الإسلام هو الذي كرم المرأة وضمن لها حقوقها كاملة غير منقوصة، ونظفها من شوائب الرجس والرذيلة التي كانت تتخبط فيهما في الجاهلية، وزينها بحلل الطهر ة الفضيلة، فعاشت في ظله معززة مكرمة شريفة، وساوى بينها وبين الرجل في كثير من الحقوق والواجبات فقال على لسان نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، وقال الله عز وجل: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)، ومن ثم فقد فرض الإسلام لها حقوقا وألزمها بواجبات،
فمن حقوقها على سبيل المثال أنه نادى بتعليمها وتثقيفها بالمعارف المتنوعة والآداب المختلفة لأنها المدرسة الأولى التي تنشئ الأجيال، وتكون الرجال، فقال صلى الله عليه وسلم: “طلب العمل فريضة على كل مسلم ومسلمة”، وأعطاها حق التملك، وحق التصرف فيما تملك، وحرية اعتناقها لدينها، وحرية لإبداء رأيها، خصوصا في أمر زواجها، وحرية عملها فيما لا يتعارض مع عفتها وكرامتها، ونهى عن منعها من الزواج طمعا في زيادة مهرها، لأن ذلك كبت يؤدي إلى إكراهها على البغاء، لقوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)، وأباح لها أن تدخل المسجد مع الرجل خمس مرات في اليوم مع غض البصر، وسمح لها بأن تدلي برأيها في المهمات، وتوجه وتناقش في حل المعضلات، وتحضر المجتمعات بشرط عدم الاختلاط،
ولقد طلب النساء من رسول الله ص أن يخصهن بيوم في الوعظ فكان لهن ما طلبن، وقد شاركت أمنا عائشة في الأمور السياسية، وكوقفها من سيدنا عثمان معروف، وخروجها على سيدنا علي مشهور، وكذلك سيدنا عمر عندما كان يخطب وأراد وضع حد للمهور صاحت امرأة من المصليات وقالت: ليس هذا لك يا عمر، لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)، فقال سيدنا عمر: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”،
والإسلام في نفس الوقت بفرض على المرأة واجبات تؤدي إلى استقرار الأسرة وأمنها والمحافظة على بقائها، فهو يفرض عليها طاعة زوجها والمحافظة على ذاتها وشرفها وماله ومالها، ويدعوها إلى عدم الاختلاط بالرجال، فإذا دعت الضرورة فلتستر جميع مفاتنها، ولتحرض على الجد في حديثها وعملها، ولا تختلي بأجنبي عنها، وهو مع هذا يجعل للرجل حق القوامة عليها باعتباره المكلف بدفع المهر وبالإنفاق وبالجهاد وبالأعمال الشاقة، فلا بد أن يكون بع شيء من الضمانات صيانة لمستقبل الأسرة والأبناء، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)،
وهو يجعل شهادتها تعدل النصف من الرجل نظرا لما عرف عنها من كثرة النسيان لتعرضها دائما لما يبلبل أفكارها من حمل وولادة ومتاعب تربية الأطفال، وهو يجعل ميراثها على النصف من الرجل لأن الكسب عادة من جهد الرجل وولده، ولم يجعل الإسلام لها ولاية الأحكام، ولا قائدة أو واضعة خططا حربية نظرا لمسؤولياتها الجسام داخل الأسرة، كما لا يجوز لها أن تتولى القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، حديث صحيح رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة، إذ من المعروف أن الحيض يدركها كل شهر فيضعفها جسمانيا ونفسانيا، كما أنها تحمل فتمرض وتتعكر حالتها النفسية في أواخره، ولا تستطيع التحرك ولا الجلوس الطويل ولا المعاينات كما أنها إذا أرضعت انقطعت عن العمل وكانت في منتهى الضعف، فكيف بتحقق العدل وهي في هذه الحال التي لا يقدرها حق قدرها إلا هي؟،
ومن هنا أجمع العلماء على أن المرأة لا تتولى رئاسة الدولة، لأنها أمانة كبرى، ولم يجعل الإسلام لها حق فسخ عقد الزواج لئلا تستعمله باندفاع عاطفي فتهدم كيان الأسرة، ولكن الإسلام أوصى بمنع الظلم عنها فقال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين )، وقال صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا”.
جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوقهم ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله،
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون والمسلمات،
إن المرأة اليوم في بعض المجتمعات جاوزت القصد، وتمردت على فطرتها ومبادئها، وأنوثتها التي يجب أن تصان ويحافظ عليها، وسارت في مسار الفتن والغرور، حتى تناولتها الألسن والأقلام بالويل والثبور، ولم تحاول الرقي عن طريق امتثال الأوامر واجتناب النواهي التي رسمها لها الدين، وبينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكانت النتيجة خسارة لها وللأبناء، وخسارة للأسرة، وخسارة للمجتمع، ولم يعد الرجل يشعر بالسعادة، ولم يعد الابن غرس أمه ولا ثمرة تربيتها، فتمرد عليها كما تمرد على والده الذي أرخى لها العنان بانشغاله في متطلبات الزمن، كما تمرد على مجتمعه، فأصبحت تصرفاته لا ترضي أحدا، مما يوجب على الآباء والأمهات أن يفكروا تفكيرا جديا في مسؤولياتهم نحو فلذات أكبادهم ومستقبل بلادهم قبل أن يفلت الزمام من بين أيديهم،
ومع الأسف الشديد أن هؤلاء الذين ينادون بحرية المرأة ومساواتها مع الرجل في عيدها العالمي، لا يعترضون على تركها تربية أبنائها للخدم، أو غيرهن ممن لا يحسن التربية، ولا يحتجون على مراقصتها للأجنبي في المقاهي الليلية، وغشيانها المجتمعات والأندية العامة بملابس ضيقة شفافة تكشف عن مفاتنها وتظهر أجزاء كبيرة من جسمها، عارية تثير الافتتان، وتتنافى مع أخلاق الإنسان الذي شرفه ربه وكرمه على جميع الأكوان، وهم مع هذا وذاك لا يذكرون أن المرأة مكلفة بأحكام الدين كالرجل، سواء بسواء، وأن جميع جسم المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)، وقال أيضا: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يامرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون)، ولنا عودة إلى الموضوع إن شاء الله لنضع المرأة في المكان الذي وضعها فيه الله،.
اللهم لا تنسنا ذكرك، و لا تكشف عنا سترك، ولا تجعلنا من الغافلين، وأكثروا إخواني أخواتي من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين.
الدعاء…