الكلمة الطيبة

الدكتور عبد الهادي السبيوي

 

الحمد لله الذي أحسن خَلْقَ الإنسان وعدّله ، وعلمه البيانَ وبه فضّله ، وأمَدَّهُ بلسانٍ لينطقَ به أطيبِ الكلامِ وأجمله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يقول وهو خير القائلين  { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة83 . وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل فيما ورد عنه « الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ .. »رواه أحمد.اللهم صل وسلم على صاحب الكلِم الطيب ، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على نهجه وسلكوا طريقَتَهُ ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله واحرصوا على القول الحسن السديد ، والكلام الطيب الجميل ، ففي ذلك الصلاح والفوز في الدنيا والآخرة يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب70 ، 71 .

احبتي في الله ، إنّ الإسلام يسمو بالأمة التي رَضيته دينا ـ أفراداً وجماعات ـ إلى أرقى مدارج الرقي، ويحفّزها لتدرك هذا الرقيّ عن طريق الخلُق الفاضل بانتهاج سبيل المحبة والمودّة وحسن السلوك والمعاملة، والخير الأصيل لا يموت مهما زاحمه الشرّ، والطيّب لا يصير خبيثا مهما زاحمه الخبث، { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }إبراهيم:25.

و سيرا على الخطب السابقة وعلى ما تحمله الآيات القرآنية من معاني ودلالات  ومن دروس وعبر تربوية وسلوكية  ارتأينا أن يكون موضوع خطبتنا لهذا اليوم بحول الله وقدرته هو الكلمة انطلاقا من قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [إبراهيم: 24-25].

أحبتي في الله

إنَّ للكلمة أهميتَها في دين الإسلام، فقد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في النار دركات، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

بالكلمة رفع الله أقوامًا، وحط بها آخرين، بها عُدِّلَ من عُدلَ، وبها جُرحَ مَنْ جُرح، فبالكلمةِ يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرَّق بين الحلال والحرام، وبها تنفَّذ الأحكام، وبها تُستحَلُّ الفروج، وبها تحرم، ، وبها ينطق الشاهد، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنْهى عن المنكر، وبها يقرأ القرآن، ويسبَّحُ الرحمن، وبها يجرح اللئيم، ويعدل الكريم، وبها تثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وبها تشتعل الحروب، وبها تتوقف، وبها يتم البيع وينفسخ.

بالكلمة خرج إبليس من الجنة، {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [الحجر: 33-35].

والكلمة التي يتفوه بها العبد نوعان:فإما  كلمةٌ طيبةٌ ؛ وإما  وكلمةٌ خبيثةٌ.

فالكلمةُ الطيبةُ: جوازُ سفر إلى القلوب، يهَشُّ لها السمع، وتُسر بها النفسُ، وينشرح لها القلب، فتُبقي فيه أثرَها الطيب، وتنشر فيه أريجها الفواح، وتؤتي أكلها كل حين؛ هي توثيق أواصر، وتقوية روابط، وتعزيز وشائج، ونشر وئام؛ ورضوانٌ من الله أكبر.

وبالكلمة الطيبة تنال مطالب الآخرة فهي أسهل طريق لجني الحسنات، ورفع الدرجات، وحط السيئات، ودخول الجنات.

بالكلمة الطيبة تحصل الرغبات كلها، فكم قربت بعيداً، ويسرت صعباً، وذللت عسيراً، وفتحت أبواباً، وعبدت طرقاً، وهيأت أسباباً، وبلغت غايات لا تبلغ إلا بشق الأنفس؛ يسيرة على المتقين، فقد نشرت في بحورهم شراعها، وألقت عليهم رياحها، فطابت بها صدورهم.

الكلمة الطيبة شجرة وارفة الظلال، مثمرة يانعة، ضربت في باطن الأرض جذورها، وتمددت في الآفاق أغصانها وفروعها؛ قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [إبراهيم: 24-25].

وهذه الشجرة أيضاً مثلها كالمؤمن، فهو ثابت في إيمانه، سامٍ في تطلعاته وتوجهاته، نافع في كل عمل يقوم به، مقدام مهما اعترضه من صعاب، لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً، معطاء على كل حال، لا يهتدي البخل إلى نفسه طريقاً، فهو خير كله، وبركة كله، ونفع كله.

والنوع الثاني: الكلمة الخبيثة؛ وهي بعكس ذلك، تمجها الآذان، ويظلم منها الوجدان، وتورد النيران، وتفرق الإخوان، كم أغلقت باباً، ووضعت حجاباً، وقطعت أسباباً، وفرقت أحباباً، وأسخطت الخالق، وأوردت المهالك، هي شجرة خبيثة، قريبة جذورها، قصيرة فروعها، مُرة ثمارُها، قد بلغ بها السُّوسُ كلَّ مبلغ؛ فلا تنتفع برِي ولا سَماد، كالوتد والحجر لا حياة فيهما؛ رآها صاحب البستان على ذلك الحال فاجتثها فهوت في النار تستعر، قال الله تعالى في شانها: { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }[إبراهيم: 26].

وعلى هذا يكون المقصود بالمثل تشبيه المؤمن، وقوله الطيب، وعمله الصالح، بالشجرة المعطاء، لا يزال يُرفع له عمل صالح في كل حين ووقت، وفي كل صباح ومساء.

أما الكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشرك -وما يتبعها من كلام خبيث- فهي على النقيض من ذلك، كلمة ضارة غير نافعة، فهي تضر صاحبها، وتضر ناقلها، وتضر متلقيها، وتضر كل من نطق بها، وتسيء لكل سامع لها، إنها كلمة سوء لا خير فيها، وكلمة خُبْثٍ لا طيب فيها، وكلمة مسمومة لا نفع فيها؛ فهي كالشجرة الخبيثة، أصلها غير ثابت، ومذاقها مر، وشكلها لا يسر الناظرين، تتشابك فروعها وأغصانها، حتى ليُخيَّل للناظر إليها أنها تطغى على ما حولها من الشجر والنبات، إلا أنها في حقيقة أمرها هزيلة، لا قدرة لها على الوقوف في وجه العواصف والأعاصير، بل تنهار لأدنى ريح، وتتهاوى لأقل خطر يهددها؛ إذ ليس من طبعها الصمود والمقاومة، وليس من صفاتها الثبات والاستقرار، إنها شجرة لا خير يرتجى منها، فطعمها مر، وريحها غير زاكية، فهي شر كلها، وخبث كلها، وسوء كلها.

بخبث الكلمة خسر إنسان دنياه وآخرته، ففي سنن أبي داود، قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك. فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار». قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.

فالكلمة الخبيثة من أسباب دخول النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (رواه الترمذي.)

والفم المتلفظ بها يدخل صاحبه النار؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ[ السلسلة الصحيحة – الألباني ]

الكلمة الخبيثة قادرة على أن تنتن بحرا بأكمله لو مزجت به؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا -كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]

أحبتي في الله: إن الكلمة بنوعيها تخرج من عضو واحد وهو اللسان؛ ويصبح اللسان طيبا أو خبيثا تبعا لما يخرج منه من كلام!! لأن اللسان آلة تستخدم في الخير والشر؛ وأن استعماله في الخير شكرٌ للنعمة؛ واستعماله في الشر كفرٌ بالنعمة.

وفي الخبر ” أن لقمان كان عبدا حبشيا نجارا ، وأن سيده قال له : اذبح لي شاة ، قال : فذبح له شاة فقال : ائتني بأطيبها مضغتين ، فأتاه باللسان والقلب ، قال : فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ قال : لا ، فسكت عنه ما سكت ، ثم قال : اذبح لي شاة ، فذبح له شاة قال : ألق أخبثها مضغتين ، فألقى اللسان والقلب ، فقال له : قلت لك ائتني بأطيبها ، فأتيتني باللسان والقلب ، ثم قلت لك : ألق أخبثها مضغتين ، فألقيت اللسان والقلب ، قال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .” .

احبتي في الله    قد يظن كثيرٌ من الناس أن الكلام الذي يخرج منه لا يحاسب عليه إلا إذا كان يحتمل الصدق أو الكذب أو شهادة أو يمين أو غير ذلك مما يترتب عليه ضررٌ أو أثرٌ أو حُكْمٌ!! وهذا فهم خاطئ لأن كل كلمة تتكلم بها؛ أو لفظٍ تتلفظ به إلا ويكتب عليك خيراً كان أو شراً ؛ وهو ما يجب أن تتنبه إليه أخي المسلم أختي المسلمة  .

ومما يدل على ذلك قوله تعالى:{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ؛ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ( ق: 17 ؛ 18 )، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : ” ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد . ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10-12 ؛

ولهذا سأل معاذ رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:” يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُلُّ مَا نَتَكَلَّمُ بِهِ يُكْتَبُ عَلَيْنَا؟ قَالَ:”ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمَتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ” (الترمذي والطبراني واللفظ له)

فاعلم  أخي في الله  أن الله وكَّل عليك ملكين أحدهما عن يمينك موكل بكتابة الحسنات والآخر عن يسارك موكل بكتابة السيئات يرصدان أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك ،ولكن من رحمة الله بنا أن العبد إذا فعل حسنة كتبها ملك الحسنات في الحال عشر حسنات؛ وإذا فعل سيئة كتبت بمثلها.

{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ( الأنعام: 160)

بل من كرم الله وفضله على عباده أن العبد إذا فعل سيئة لم يكتبها ملك السيئات؛ بل يصبر عليه ست ساعات لعله يستغفر الله عز وجل فلا تُكتب!!

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:”إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً”. ( مجمع الزوائد)

ومن المعلوم أن الإنسان كثير الكلام؛ وكلما كثر كلامه كثر لغطه؛ فينبغي عليه أن يكثر من الاستغفار والتوبة في كل وقت وحين؛ فقد يقع في لغو الكلام وباطله وخبيثه دون أن يشعر أو يلقي له بالا؛ وهذا حبيبكم صلى الله عليه وسلم يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة؛ وقد غفر له ذنبه المتقدم منه والمتأخر!! ونحن أكلتنا الذنوب ولم نستغفر الله بالمرة!!!

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً” (البخاري)، وفي رواية مسلم مائة مرة؛ فعن ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ”

قول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب، هدى أولئك بفضله ورحمته وأضل الآخرين بعدله وحكمته، إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلّم تسليما، .

أمّا بعد:

أحبتي في الله: إن من ينظر إلى واقع الناس في المجتمع يجد أنهم يطلقون لسانهم في ما لا فائدة منه؛ بل في غيبة ونميمة وكذب ولغو وباطل …..إلخ؛ وهذا شائع وكثير في مجامع الناس ؛ سواء في وظيفتهم أو تجارتهم أو زراعتهم أو صناعتهم أو مجالسهم العامة ، لذلك ينبغي على كل إنسان أن يحفظ لسانه ولا يتكلم إلا بخير وإلا فالصمت أولى؛ وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت – إذا كان الكلام يجلب شرا – شعبة من شعب الإيمان ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(متفق عليه)

ولتكن لنا القدوة في سلفنا الصالح وحرصهم على الكلم الطيب وملازمتهم الصمت إلا لحاجة خشية الوقوع في الحرام ” ففي الأثر: أن عمر اطَّلع على أبي بكر وهو يضع حصاة في فيه، يمنع بها نفسه عن الكلام، ويمد لسانه بيده، فقال: ما تصنَعُ يا خليفة رسول الله؟ قال: إنَّ هذا أوردني الموارد؛ وقال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه: واللّه الّذي لا إله إلّا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من اللّسان” ( إحياء علوم الدين )

عباد الله: إن حفظ اللسان نجاة للعبد في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: ” أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ؛ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ؛ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ “(الترمذي وحسنه)

وقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه من خبيث الكلام؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ” (البخاري)

أحبتي في الله: إن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرفُوعاً قَالَ:”إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا”[ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]

لذلك عد الرسول صلى الله عليه وسلم طيب الكلام من الصدقات حيث قال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» ( متفق عليه)

فهلا عطرنا حياتنا بالكلمة الطيبة حتى نسمو ونرتقي ونقتدي بالقائل العظيم وسيد الخلق أجمعين المأمورون باتباع سنته من رب العالمين ” الكلمة الطيبة صدقة “

أيها المسلمون: اعلموا أن الكلمة الطيبة حجاب ووقاية من النار يوم القيامة؛ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ؛ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”(متفق عليه)

معاشر الأحبة : إن الكلام اللين كما يقول بعض الحكماء : ” يغسل الضغائن المستكينة في الجوارح “، فكل كلام لا يضر في دينك، ولا يسخط ربك،  ويرضي به جليسك فلا تكن به بخيلا يعوضك الله به ثواب، ومن كلام وهب بن منبه: ” ثلاث من ُكنَّ فيه أصاب البر، سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام ” متفق عليه.

ومن حديث عدي بن حاتم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) وعن أبي المقدام عن أبيه عن جده قال : قلت للنبي  أخبرني بشيء يوجب الجنة، قال: ((عليك بحسن الكلام وبذل الطعام)) أخرجه البخاري والحاكم .

إخوة الإيمان:  اتقوا الله وألزموا الصدق والطيب من القول فإنما يصعد إلى ربكم الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، فالكلمة الطيبة تنساب انسياب الهواء، فتعطر الأرجاء، وتطيب الأنحاء، وتلطف الأجواء، وتصعد إلى السماء، تجاوز السحب، وتشق الحجب، مشتاقة لربها، وإليه مستقرها ومستودعها؛ قال الله تعالى:  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :  يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا ًسديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً

أسأل الله أن يهدينا إلي أطيب القول وأحسن العمل؛ وأن يجنبنا الفحش والزلل.

أحبتي في الله :  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: “من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا”، فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن كافة الصحابة من المهاجرين والأنصار وعن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الستة الباقين من العشرة الكرام البررة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة،اللهم انفعنا بمحبتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم، يا خير مسؤول ويا خير مأمول..

اللهم وفق ملك البلاد أمير المؤمنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .

اللهم امدده  من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم ، خذ بيده، و احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية  المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبا سليمة ، وألسنة صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب .[اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ، ولا همّا إلا فرّجته ، ولا كربا لا نفَّسته ، ولا ضرّا إلا كشفته ، ولا ديْنا إلا قضيته ، ولا عدوا إلا أهلكته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

.اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.. عباد الله:اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *