العناية بالمسجد
العناية بالمسجد
الأستاذ مولاي يوسف المختاربصير
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل المساجد بيوتا للعبادة، وأضافها لنفسه تشريفا لقدرها واعتناءا بشأنها، وجعل ذلك من صفات المؤمنين الآخذين بأسباب السعادة، فقال: “وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا”، نحمده تعالى حمدا كثيرا يوافي نعمه، ونسأله إمداده وتوفيقه وإرشاده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،القائل: “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون“، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله،شارك في بناء المساجد بنفسه، وحمل اللبن على كتفه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أثنى عليهم ربهم بقوله:”رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين”، أما بعد، فيقول الله عز وجل في كتابه المكنون: “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ”، واعلموا إخواني أن بناء المساجد وعمارتها من شعائر الدين، والعناية بها من أوصاف المؤمنين الذين يسارعون “إلى مغفرة من ربهم وجنة عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينن”، وإن ما ينفق من مال في بناء المساجد وما تحتاج إليه من مرافق كالإمامة والتأذين والحراسة والفراش والتطهير، لا يفعله إلا الأغنياء المحسنون الذين يؤمنون بالله ويصدقون بقول رب العالمين: “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون“،فطوبى لمن رزقه الله مالا حلالا يعمر به المساجد والمدارس والمستشفيات، ويطعم به القانع والمعتر والبائس الفقير، وذوي الحاجات، وطوبى لمن بنى مسجدا لله يبتغي به وجه الله العليم القدير، فبنى الله له بيتا في الجنة مصداقا لقول رسولنا البشير النذير صلى الله عليه وسلم: “من بنى مسجدا لله صغيرا كان أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة”، وعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن مما يلحق المرء من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مسجدا أو بيتا لإبن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته”، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: “ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة، فقال رجل يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ فقال نعم، وإخراج القمامة منها مهمور الحور العين”، وعن أبي أمامة وأبي الدرداء وواثلة بن أبي الأسقع (ض) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع”، أيها المسلمون، ينبغي أن تكون بيوت الله في غاية النزاهة والنظافة والتطهير لأنها تشيد للصلاة والإعتكاف وتلاوة القرآن وذكر الله ومجالسة العلماء الذين يبلغون رسالة الله إلى عباد الله، ومازالت عناية المسلمين بها وببنائها وصيانتهامعروفة، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ينفقون عليها الأموال الباهظة والملايين الكثيرة، وهذا المسجد العظيم الذي نؤمه كل جمعة، ويعمره الناس بالصلوات وحضور دروس الوعظواحد منها، شيده أهل الإحسان يبتغون بذلك فضلا من الله ورضوانا، يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ، نسأل الله تعالى أن يتقبل منهم، وأن يرحم من مات من ذويهم، وأن يجعله من الصدقات الجارية التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا وإياهم من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا اساءوا استغفروا، الذين قال الله تعالى فيهم: “فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب”، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها المسلمون، إن المساجد تشهد يوم القيامة لمن بناها وشيدها، كما تشهد لمن بالذكر والطاعة أحياها، وإن المساجد من أعلام الدين إذا بنيت، ومن علامات النصر والخير إذا عرف حقها المؤمنون، وأخلص فيها لله المخلصون، عرف هذا أهل الخير قبلكم فبنوا المساجد مثلكم ولم يتركوها عرضة للضياع، بل وقَفوا لها من المشاريع والمحلات ما يصون كرامتها ويحفظلها حياتها ويضمن بقاءها، لكننا اليوم نلاحظ تقصيرا كبيرا من طرف زوار المساجد، فلا يهتمون بصيانتها، ولا ببقائها نقية، يأتونها وأرجلهم تتقاطر من ماء الوضوء فيلوثون بذلك أفرشتها، ويتسببون في تعرضها للفساد وانبعاث الروائح الكريهة منها،وهذا يؤذي الساجدين الذين لا يطيقون ذلك، كما أن من بين المصلين من لا يرعوي بترك بعض الأزبال وعظام التمر في مكانه الذي صلى فيه، ومنهم أيضا من لا يحترم حرمة المسجد، فينام فيه، أو يجيب على مكالماته الهاتفية، ويشوش على الحاضرين برفع صوته أثناء إلقاء الواعظ للدرس، وغيرها من التصرفات التي ليس لها إلا تفسير واحد وهو أن زائر المسجد لا يراعي حرمته، ولا خلاق له، آلا فليتق الله من كان جاهلا بحرمة المسجد، وليعظم حرمات الله، فإنها من تقوى القلوب،أيها المسلمون، لئن كان من الواجب علينا أن ندعو للأولين السابقين ونشكر لهم حسن صنيعهم، ببناء المساجد والقيام بعمارتها وحسن العناية بها، فلن يفوتنا في هذا اليوم الأغر المشهود، وفي هذه الساعة المباركة أن نضرع لربنا الكريم أن يتقبل أعمال إخواننا المحسنين الأحياء منهم والميتين، وأن يجازيهم بأحسن الجزاء وأعظم الأجر في الدارين، فقد جاء في الحديث القدسي عن رب العالمين: “عبدي إذا لم تشكر من أجريت الخير على يديه لم تشكرني”، فاللهم كما أكثرت المساجد في البلاد أكثر للمساجد من أهل الخير والإصلاح والرشاد من يصونها ويعتني بها، وأكثر في المساجد من أهل الهدى والإستقامة والفلاح ودرء الفساد من يؤمها، حتى يبقى الدين وتبقى الشعائر معظمة يا رب العالمين، كما جاء في الحديث القدسي عن رب العزةأنه قال: “إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لمن تطهر في بيته وزارني في بيتي، وحق على المزور أن يكرم زائره”. فاللهم أكرم زوار بيتك هذا الذي أنشئ ليذكر فيه اسمك، وأكرم المحسنين الذين أنفقوا على بنائه وعمارته من أفضل ما يحبون، واجعل عملنا وعملهم خالصا لوجهك الكريم، وتقبل منهم ومنا إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير، الدعاء.
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق العناية بالمسجد؛ الجمعة 19 صفر 1441 موافق 18 أكتوبر 2019