العلماء والزاوية البصيرية في خدمة القضية الوطنية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

السيد والي جهة تادلة ـ أزيلال.
السيد عامل إقليم أزيلال.
السادة رؤساء المجالس العلمية المحترمين.
السادة رؤساء المصالح الأمنية.
السيد الدكتور هاشم الطيب الفاتح من بلاد السودان مرحبا بك.
السادة العلماء الأفاضل.
أيها الحضور الكريم.
أتشرف أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع أهل الزاوية مريدين وطلبة وطالبات ومدرسين ومدرسات أن أرحب بكم جميعا في رحاب هذه الزاوية البصيرية والتي تتصل جذورها بقبيلة الركيبات العتيدة بالصحراء المغربية وأقول لكم أهلا وسهلا.

 

قد بشرت بقدومكم ريح الصبا     أهلا بكم يا زائرين ومرحبا
لو تعلم الدار من زارها فرحت      وقبلت موضع الآثار والقدم

أيها الحضور الكريم
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (يأيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). ويقول: (يأيها الذين امنوا أطيعوا  الله وأطيعوا  الرسول وأولي الأمر منكم).  يأتي لقانا هذا بعد خطاب أمير المؤمنين  حفظه الله الذي ألقاه  في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة والذي دعا فيه جلالته نصره الله كافة الفعاليات الوطنية إلى تعبئة مختلف الجهود لدحض مناورات خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية على كافة الأصعدة حيث قال حفظه الله: “لذا أدعو الجميع مرة أخرى إلى التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحريك الفعال على الصعيدين الداخلي والخارجي للتصدي لأعداء الوطن أينما كانوا للأساليب غير المشروعة التي ينتهجونها” انتهى كلام جلالة الملك نصره الله.
وإدراكا من الزاوية البصيرية بدور العلماء الرائد في تحسيس وتوعية المواطنين بالقضايا الوطنية وعلى رأسها القضية الأولى للوطن، ووعيا منها لما للعلماء من تأثير في نفوس المغاربة الغيورين على وطنهم، وما يكنه المغاربة  للعلماء من حب وكرم واقتداء، تتشرف الزاوية البصيرية  بدعوة السادة العلماء الأفاضل للمساهمة في تفعيل خطاب أمير المؤمنين حفظه الله في هذه الندوة المباركة تحت شعار: “العلماء والزاوية البصيرية في خدمة القضية الوطنية”.
وفي البداية أيها الحضور الكريم
أقدم لجمعكم هذا قصة وقعت لوالدنا المشمول برحمة الله الشيخ محمد المصطفى بصير في بلاد الشام، وذلك أنه حضر في جامعة أبو النور مع جمع كبير من العلماء وقال له أحد العلماء مستهزئا: ما ثبت في كتب التاريخ أن نبيا أو رسولا بعث بالمغرب فأجابه الوالد رحمه الله فقال: “أتدري لماذا ؟ قال:  لا. فقال له الوالد: لأن قلوب المغاربة لا تحتاج إلى قوة الأنبياء والرسل كقلوبكم الغليظة بل هي رقيقة تحتاج إلى ليونة ولطافة الأولياء والعلماء فقط”.

معاشر الفضلاء
يقول الحق سبحانه وتعالى: (يرفع الله الذين امنوا منكم واللذين أوتوا العلم درجات). إن القوة التي أودعها الله فيكم لهي أكبر قوة في العالم من ناحية التأثير، والتي لم يمنحها الله سبحانه وتعالى لأحد، والمكانة المرموقة التي وهبكم الله من فضله بأن جعلكم ورثة الأنبياء، وحباكم بأن جعل صدوركم وعاء لكتاب الله عز وجل  وسنة نبيه صلى اله  عليه وسلم، رزقكم الحكمة، وانطق ألسنتكم بها وجعلها سهاما تصيب القلوب وتهز النفوس وتوقظ الضمائر وترجع الناس إلى رشدهم وتبصرهم بعيوبهم، إن الأمانة التي يتحملها العلماء لكبيرة وجسيمة جدا، لا لأنهم اشتهروا بالعلم وليس لأنهم رؤساء جمعيات أو مؤسسي معاهد دينية وتربوية  وليس فقط بسبب تقواهم ورتبهم العلمية كمفتين وأئمة وخطباء، بل أيضا بسبب مواقفهم الشجاعة وعطاء اتهم وإسهاماتهم في كل ما ينهض بالأمة  من صون كرامتها، وحفظ بيضتها، ولم شملها ووحدة صفها والشهادة في سبيلها.
وهذا يذكرنا بعلمائنا الشجعان الأبطال الأوفياء، ما ذكرت المقاومة في مجلس إلا كان ذكرهم حاضرا،  ولا كتبت على ورق إلا  تصدرت أسماؤهم سطوره، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الإمام أبي المحاسن الفاسي وابنه الإمام مولانا أحمد والشيخ سيدي محمد بن علي بن ريسون، والشيخ سيد عيسى المصباحي، وسيدي محمد بن المبارك الزعري، وسيدي عبد الرحمن المجذوب، وغيرهم من أكابر هذه الأمة الذين حاربوا البرتغاليين في معركة وادي المخازن. وتاريخ المغرب يزخر بأسماء علماء كانوا دائما في مقدمة المجاهدين المؤمنين بقضايا الوطن.
والفقيد محمد بصير ولد سيدي إبراهيم خريج هذه الزاوية وبن كرير وبن يوسف الذي قاد انتفاضة 17 يونيو 1970 في الصحراء المغربية ضد المستعمر الإسباني واحد من هؤلاء العلماء الذين قاموا بدورهم في النهوض بقضيتنا الوطنية التي نجتمع من أجلها اليوم.
إن الأمة المغربية بحاجة ماسة إلى مثل هؤلاء، وخصوصا في هذا العصر بأن يكون لعلماء المغرب حضور في حياتهم ومكانة  في قلوبهم، وقوة لكلمتهم، فهم أمل الأمة نحو العزة والنصر ومصابيح هدايتهم من الفتن، وواجبهم أن يكونوا صلة وصل بين الراعي والرعية بأن يوصلوهم بحبل الرأفة والرحمة والعطف والرضي من طرف الراعي، والحب والوفاء والفداء بالأموال والأولاد والأنفس من طرف الرعية.
فعندما تتصل الرأفة والرحمة والعطف والرضى بالوفاء والحب والفداء يحصل التلاحم والترابط ويكون السمع والطاعة في كل ما أمر وكل ما نهى، وإذا كان لقاؤنا هذا جاء تفعيلا لمضامين الخطاب الملكي والذي كان فيه واضحا عندما قال حفظه الله:
“إن قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي قضية الجميع، مؤسسات الدولة والبرلمان والمجالس المنتخبة وكافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية وهيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وجميع المواطنين” انتهى كلام جلالة الملك.
والزاوية البصيرية أيها الحضور الكريم كانت دائما حاضرة في صلب القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية وحدتنا الترابية منذ كانت أراضينا الصحراوية مستعمرة من طرف الإسبان، فلا ننسى الدور الذي قام به ابن عمنا سيدي الحنفي بن سيدي محمد البصير دفين السمارة من عمل جبار في ربط الصلة بين أبناء عمومتنا وبين آل البصير الموجودين بشمال المملكة المغربية بالرغم من القيود التي كان يفرضها المستعمر من رخص للعبور بين  جهات المغربية شمالا وجنوبا.
كما لا ننسى ما قام به سيدي الحنفي ومولاي المختار بصير وسيدي العربي بصير رحمهم الله من أدوار خلال زيارة المبعوثة الأممية لتقصي الحقائق سيمون أكاي للتحقيق في قضية محمد بصيري.
والزاوية البصيرية منظمة هذا اللقاء دأبت منذ سنوات بعقد ندوات دولية حول قضية الصحراء في مواضيع:
– حقوق الإنسان بين الحقيقة والاستغلال
– رجالات التصوف ودورهم الرائد في درء أسباب الخلاف والاختلاف
– محمد بصير ابن الأطلس المجاهد والصحراوي الموحد…. وغيرها
وكل هذه الندوات تهدف إلى خدمة قضيتنا الوطنية الأولى.
أيها الأفاضل،
المطلوب منا جميعا أن تكون لنا آدان صاغية وقوة وحزم ويد في يد، وهمم عالية مثلى، لا راحة ولا استراحة حتى نحقق ما يصبو إليه مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله مؤكدا ذلك في خطابه عندما قال حفظه الله: “وهنا يجب التذكير مرة أخرى بأن مصدر قوتنا في الدفاع عن صحرائنا يكمن في إجماع كل مكونات الشعب المغربي حول مقدساته” انتهى كلام جلالة الملك حفظه الله.
أيها الحضور الكريم،
إن دعوة أمير المؤمنين جميع مكونات الشعب المغربي لتضافر الجهود والدفاع عن  الصحراء ليقتضي منا أن نستجيب لهذه الدعوة وأن نكون عند حسن ظنه كل من موقعه كيف ما كان حاله، ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا، فنانا  أو موظفا،  فلاحا أو تاجرا عاملا أو أجيرا، في السهل أم في الجبل، نريد تعبئة شاملة، مغربي في الحسيمة يلهج بمغربية الصحراء، وفي فكيك وفي ازيلال، من قلب جبال الأطلس الخضراء صيفا والبيضاء شتاء والمثمرة خريفا.
والصحراء مغربية، علينا أبراز القضية المغربية باعتبارها القضية الأولى للمملكة، والعمل على التعريف بها، والانخراط في الدفاع عنها بالدعاء وتقديم كافة أشكال الدعم المعرفي والمعنوي وتشجيع وحدة الصف بدعم الدول الأخرى لسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المزعومة، وإقامة الندوات وتنوير الشباب، وتلقينهم دروسا حول القضية الأولى.
وكما تم فتح مراكز للاستثمار، ومراكز للاستقبال للجالية المغربية، ومراكز للتنمية البشرية في كل جهات المملكة  والعمالات والأقاليم، ندعو من خلال هذه الندوة إلى فتح مراكز للتعبئة الشاملة الهادفة إلى تحسيس المواطنين بقضية الصحراء باعتبارها القضية الأولى للوطن، لأن أمير المؤمنين قال: “الأمر لم يحسم بعد”، قال الله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون).
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *