الطهور شطر الإيمان

الطهور شطر الإيمان
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وجه عباده لما فيه خيرهم وأمرهم بحسن الإستعداد لمناجاته والوقوف بين يديه، القائل في محكم كتابه: “يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُم مّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، “الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها” صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أمَّا بعد .فيا أيها الإخوة المؤمنون، خطبة اليوم ستكون حول عبادة من أجل العبادات، التي ينبغي الإهتمام بها أشد الإهتمام، وذلك لآنها السبيل الموصل إلى تحصيل ما فرضت من أجله الصلاة لتؤتي ثمارها، والرقي بصاحبها إلى المراتب العلا من مراقبة الله والحضور بين يديه، ألا وهي الوضوء الذي جعله الله شرطا لصحة الصلاة، وأول ما ينبغي التنبيه له، هو أن بعض الناس يعيبون علينا أننا لا زلنا في خطبنا وفي دروس الوعظ نتحدث عن الطهارة وعن الوضوء، في حين أن العالم يتحدث عن ما وراء الأفق، وعن المجرات والكواكب، وعن الإكتشافات العلمية حول إمكانية الحياة خارج كوكب الأرض، وعن أمور أخرى….. والمسلمون يتحدثون عن الوضوء وعن الطهارة للصلاة، فأقول وبالله التوفيق، بأن هذا الكلام من تلبيس إبليس على الناس حتى لا يهتموا بما طلب منهم من حسن الإستعداد لملاقاة الله تعالى والمثول بين يديه، وأن انشغال العالم بالتكنولوجيا والإكتشافات بعيدا عن الذين لا يبلغ بهم ما تبلغ الصلاة بصاحبها إذا هو أحسن الإستعداد لها، وأول ما يستعد به الإنسان للمثول بين يدي الله تعالى هو حسن التطهر وإسباغ الوضوء، لذا وصف نبينا صلى الله عليه وسلم، الطهارة بأنها شطر الإيمان، وجاء في تفسيرها في الحديث بأن المقصود بالإيمان الصلاة، والطهور المقصود به الوضوء للصلاة، أيها المؤمنون، الوضوء من خصائص هذه الأمة المحمد، التي اختصت بها عن سائر الأمم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء”، أيها المؤمنون، الوضوءُ مأخوذٌ من الوَضاءة، وهي الإشراقةُ والضياء والنور والصفاءُ والحسنُ والنظافة، وهي الحالُ التي يكون عليها باطنُ المتوضِّئ وظاهره حينما يتطهّر، لذا كان علامة الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: “ولن يحافِظَ على الوضوء إلا مؤمن”، والوضوء عِبادةٌ مستقلّةٌ وقربةٌ كاملة حتى ولو لم تعقُبه صلاة، فهو ليس مجرَّدَ غسلٍ للأطراف وإزالةٍ للأقذار فحسب، بل إنه أعلى وأجلّ، فهو عبادةٌ يمحو بها الله الذنوب، ويكفرة بها الخطايا ويرِفع بها الدرجات، وسَببٌ لدخول الجنّة وحِرزٌ من الشيطان وحِفظٌ من الشرورِ، وفيه منافِع للقلوب والأبدان. أيها المؤمنون، الوضوء للصلاة، فرضه الله تعالى على هيئة يسيرة، فالمرء المسلم يطهر في وضوئه أربعة مواضع من أعضائه فقط، وهي الوجه واليدان إلى المرفقين غسلا، والرأس مسحا بلا غسل، والرجلان إلى الكعبين غسلا، ففي الوجه النظر والشم والكلام، وفي الرأس السمع والفكر، وفي اليدين البطش، وفي الرجلين الخطى، ولما كان عمل المرء في هذه الحياة، لا يكاد يخرج عن عضو من هذه الأعضاء، ولما كان المرء بطبعه خطاء، فقد يأكل الحرام أو يتكلم به، أو ينظر إليه أو يشمه، وقد يسمع الحرام أو يمشي إليه أو يمسك بالحرام أو نحو ذلك كان بحاجة ماسة، إلى ما يعينه، على تطهير أدرانه، وتكفير ذنوبه التي اقترفها بتلك الجوارح، فشرع الله برحمته وحكمته الوضوء، يزيل به الإصر والغل، فإذا ما توضأ العبد المسلم فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه، مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب، وإلى هذا المقصد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه أنه قال: “ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط” الحديث، والمكاره تكون بشدة البرد، أو ألم الجسم، أو حرارة الماء أو نحو ذلك. أخرج الإمام مسلم عن سيدنا عثمان بن عفان (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضّأ فأحسن الوضوءَ خرَجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره”، وعنه أيضا قال: قال رسول الله: “ما من امرئٍ مسلمٍ تحضُره صلاةٌ مكتوبةٌ، فيحسن وضوءَها وخشوعها وركوعَها، إلا كانت كفّارةً لما قبلها من الذنوب ما لم يؤتَ كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبــة الثانـيـة
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن مما يعرف الآن في علوم التواصل وتقنيات المقابلة، ويدرس للشخصيات عند تقلدهم للمناصب السامية، ما يسمى بإتكيت المقابلة، وهي منهجية يتلقاها هؤلاء ليكونوا على أحسن حال في التوجه للأكابر والمثول أمام العظماء، وغيرها من المنابر العمومية التي يتصدرونها لملاقاة الناس، ولعمري أن الوضوء يجمع كل الأمور التي ينص عليها هذا العلم وهذه التقنيات، فالوضوء استعداد عملي ونفسي لمناجاة الله تعالى فإذا ما أحسن المؤمن استعداده لمناجاة الله تحصل لديه المقصود من الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتقرب العبد إلى مولاه، وتجعله يحس بدفء الحضور بين يدي الله تعالى، كما أن الوضوء المتجدد كل يوم مرات ومرات، هو الدرع الواقي بأمر الله، الذي يحفظ اليدين من القذر، والذراعين من الأوساخ، والفم من النتن، والأنف مما يعلق به، والعينين من الرمص، والرجلين من رائحتهما الكريهة، وهو فوق ذلك كله، يلطف حرارة الجسم، ويزيل عنه الخمول والتثاقل، ويبعث فيه النشاط. فيكون جديرا بأن يقيم الصلاة على وجهها، وفي زماننا هذا الذي نعيش فيه تحت تأثير وباء كورونا بجميع متحوراتها وآخرها ” متحور أوميكرون” فإن السلطات الصحية تشدد على الإهتمام بالنظافة باعتبارها أحد الإحترازات التي تقي من انتشار هذا الوباء، ونحن نعتز بأن ديننا الحنيف جعل النظافة بصفة عامة، والوضوء بصفة خاصة أحد الدعائم التي ينبغي للمؤمن الحرص عليها، فلماذا نتهاون في الوضوء، ولماذا لا نستشعر هذه المزايا ونحن نقبل عليه، ويرضى بعضنا لنفسه من غير عذر شرعي أن يكتفي بالتيمم، أو لا يطيل الغرة، أو لا يسبغ الوضوء كما جاء عن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحرم نفسه من عبادة شرعت لترتقي به إلى مقامات علا، يستوجب بها العبد محبة الله ورضاه، قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”، وقال أيضا: “فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *