الشعوذة -2-
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،
أما بعد، فياعباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، قال ذلك في سياق الكلام عن السحر والسحرة ويقول أيضا:” ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾.قال ذلك في سياق الكلام عن الشيطان وحزبه.
أيها الإخوة الكرام، تتمة لما بدأناه في الخطبة الماضية، حيث تطرقنا لموضوع الشعوذة، وتكلمنا عن أهمية هذا الموضوع وخطورته، وذكرنا بعض أوصاف الدجاجلة والمشعوذين، وتجليات فشو الشعوذة والسحر في مجتمعنا، وأعمال الدجاجلة ومرتكزاتهم وطرقهم في التعامل مع زبنائهم، وبقي أن نجيب إذن عن الأسئلة التالية: هل للسحر من تأثير؟ وفي من يؤثر أكثر؟ وماهي طرق الاستشفاء الشرعية؟
أيها الإخوة الكرام، بخصوص السؤال الأول، هل للسحر من تأثير؟ أقول في الجواب، لقد سمعتم في الخطبة الماضية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سحر، تأثر بالسحر إلى درجة كاد ينكر بصره، وكان ينكر الطعام والشراب، كما أنكم دون شك رأيتم أو سمعتم أو اجتمعتم بأحد من معارفكم ممن يشتكون السحر، فلا مجال لإنكاره وإنكار تأثيره، خاصة أن العديد من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تكلمت عنه وتكلمت عن طرق الاستشفاء منه، وفي هذا المقام لابد من مزيد بيان حول تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر، لأن بعض أشباه العلماء ينكرونه بدعوى أن ذلك لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد رد عليهم جمهور العلماء بقولهم تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من حيث إنه نبي، وإنما كان في بدنه من حيث إنه إنسان أو بشر، كما كان يأكل، ويغضب، ويشتهي، ويمرض، فتأثيره فيه من حيث هو بشر، لا من حيث هو نبي، وإنما يكون ذلك قادحا في النبوة لو وُجد للسحر تأثير في أمر يرجع للنبوة، كما أن جرحه وكسر ثَنِيَّتِه يوم أحدلم يقدح فيما ضَمِنَ الله له من عصمته في قوله:” وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، وذكروا أن ذلك من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته، وأشد الناس بلاء كما هو تعلمون الأنبياء؛ فقد ابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل، والضرب، والشتم وغير ذلك، فلا نقص عليهم، بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند الله، كما أن في تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر بيان وتشريع لنا كيف نتصرف في حال الإصابة بمثل ما أصيب به.
أيها الإخوة الكرام، تجد الكثير من الناس يعتريهم ذعرا كبيرا عندما يبلغ أسماعهم أن فلاناً أو فلانة من الناس سحر، وللبيان أقول: إذا كان الإنسان غافلاَ عن الله عز وجل، وكان غارقاً في الشهوات والانحرافات والمعاصي، فإنه إذا عقد له سحر، فإنه يصيبه غالبا، والذي ينبغي أن نتحقق به، هو أن معنا وحي خالق السماوات والأرض، معنا كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، معنا شرح لهذا الكتاب من عند المعصوم الذي لاينطق عن الهوى، فأيّ مقولة، وأيّ مقالة تقرؤها، وأيّ كلمة تسمعها، أو أيّ كتاب تطلع عليه يخالف كلام الله عز وجل وسنة رسوله الصحيحة فهو جهل، وقد يكون الكلام براقاً، وقد يكون الكلام جذاباً، وقد يدغدغ شهوات الناس، فالصواب ما وافق القرآن، والجهل والخطأ ما ناقض القرآن، ثم إن الله عز وجل مع المؤمنين بالحفظ والتأييد والنصر، قال سبحانه:”إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾، فالله عز وجل يطمئن المؤمن فيما لا يحصى من الآيات، يقول سبحانه:﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، ويقول عز وجل:﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ معهم بالتوفيق، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، معهم بالحفظ.
أيها الإخوة الكرام، وبخصوص السؤال الثاني عن طرق الاستشفاء الشرعية، أؤكد بأن أمور المسلمين تعالج وفق القرآن والسنة، لاوفق السحر والشعوذة، وأول هذه الأوجه التي يستشفى بها هي الصدقة الخالصة لوجه الله تعالى، يقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله بن مسعود: “داووا مرضاكم بالصدقة”، طبعاً الصدقة بعد المعالجة والأخذ بالأسباب، بأن تذهب إلى طبيب متفوق، وتستعمل الدواء بدقة بالغة، وتتصدق، وعلى الله الباقي وعاقبة الأمور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أخرج الإمام البخاري أنه جرح رجل على عهده صلى الله عليه وسلم فقال: “ادعوا له الطبيب، فقال: يارسول الله، هل يغني عنه الطبيب؟ قال: نعم إن الله تبارك وتعالى لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء”، كذلكم الشأن بخصوص الزوجين اللذين يعيشان شنآنا دائما، فالوفاق الزوجي والسعادة في التوبة النصوح، فلو أن أيّ امرأة تابت إلى الله توبة نصوحة، وأحسنت دينها، وعبادتها، واتصالها بالله عز وجل، وعاملت زوجها بخلق المودة والاحترام والتقدير والرحمة، لخلَق الله بينها وبين زوجها مودة ورحمة لاتتأثر بكل الأحداث الطارئة، إذاً العلاج في القرآن والسنة، قال تعالى:” وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمومنين”، فهو الشفاء للأجساد والأشباح كما هو شفاء للأرواح، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم عن رجاء الغنوي:” من لم يشف بالقرآن فلا شفاه الله”، وأجمع العلماء على جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط، أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته خالية من الشعوذة والخرافات، وأن يكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تأثير لها بذاتها بل بتقدير الله تعالى، يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال:” كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا يارسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لابأس بالرقى إذا لم يكن فيه شرك”، وبذلكم فالمنهي عنه من الرقى هو ماكان بغير لسان العرب، فلم يدر ماهو؟ ولعله قد يدخله سحر أو كفر والعياذ بالله.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فياعباد الله، ومن طرق الاستشفاء الشرعية كتابة التمائم التي ليس فيها شيء من الأسماء التي لايعرف معناها، حيث يجوز تعليقها على الآدميين والدواب على المذهب الصحيح الذي عليه المحققون من العلماء والكثير من السلف الصالح، ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله عن ابن حبان قال: سألت جعفر بن محمد بن علي رضي الله عنهم عن تعليق التعويذ، فقال:” إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله فعلقه واستشف به”، ومنها أن مجاهدا رحمه الله كان يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وذكر أيضا أن الإمام أحمد سئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء، فأجاب: “أرجو أن لا يكون به بأس”، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: “رأيت أبي يكتب التعويذ للذي يفزع، وللحمى بعد نزول البلاء”، وقال العلامة ابن تيمية رحمه الله في فتاويه: “نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر، ويأمر بأن تسقى لمن به داء”، وهذا يقضي أن لذلك بركة.
أيها الإخوة الكرام، قد يسأل سائل ما المنهي عنه من التمائم في حديث من علق تميمة فقد أشرك؟ أقول في الجواب، قال العلماء: المراد بالتميمة في هذا الحديث هي الخرزة والقلادة تعلق على الإنسان في الجاهلية، ويعتقدون أنها تدفع الآفات والبلاء والأمراض والعين، وإنما كان ذلك شركا لأنهم أرادوا به دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله، ولا يدخل في ذلك ماكان بأسماء الله تعالى وكلامه كما مر آنفا، وفي هذا الباب روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التميمة من عنق الفضل بن عباس رضي الله عنه.