الشتاء ربيع المؤمن(3) إطعام الطعام
الشتاء ربيع المؤمن(3)
إطعام الطعام
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمدلله الذي جعل لعباده المؤمنين مواسم يتقربون إليه فيها بأنواع الطاعات، ويتطهرون بها من أدران السيئات، وسن لهم أياما يجعلونها مطية للإكثار من القربات، ويشكرونه خلالها على ما أنعم به عليهم من صنوف المكرمات، نحمده تعالى ونشكره على نعم لا تزال تتوالى على ممر الأوقات، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو دعانا للتعرف عليه، والتفكر في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته، وما له من الأسماء والصفات، القائل: “إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِوَٱلأرْضِوَٱخْتِلَـٰفِٱلَّيْلِوَٱلنَّهَارِلاَيَـٰتٍلاِوْلِىٱلاْلْبَـٰبِ، ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَقِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوٰتِوَٱلأرْضِ، رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطلا سُبْحَٰنَكَفَقِنَا عَذَابَ النَّار”، ِونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أول مسارع لفعل الخيرات،دلنا بسنته على أفضل الأعمال التي تقربنا إلى رضوان الله ونستحق بها أعلى الجنات، القائل: “إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام“، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا سباقين إلى اغتنام الفرص للإكثار من فعل الخيرات وترك المنكرات والتقرب إلى بارئ الأرض والسماوات، وسلم تسليما كثيرا ما غشيت العباد الرحمات، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون،في الجمع الماضية تكلمنا عن فضل فصل الشتاء، وأنه كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “الشتاء ربيع المؤمن”،طال ليله للمحبين فقاموه بالذكر والتفكر وترتيل كتاب اللهوالخلوة مع الله، وقصر نهاره فصاموه تقربا لله، وتكلمنا أيضا عن خير الأعمال التي يمكن للمسلم أن يستغل بها طول ليل فصل الشتاء، واليوم بإذن الله تعالى نسلط الضوء على عمل يغفل عنه الناس من أفضل الطاعات والقربات التي بإمكان جميع الناس القيام بها في سائر الأيام والأوقات وخاصة في فصل الشتاء، والذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم من قام به أن يبوئه الله في الجنة أعلا الغرفات،إنه إطعام الطعام، الذي أخبر ربنا عز وجل أنه من صفات الأبرار ، قال تعالى: “إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا”، أيها الإخوة المؤمنون، لكل موسم من مواسم حياتنا خصوصية، وأفضل الطاعات ما كان متعلقا بوقته، وخير الطاعات التي تضاف إلى ما سبقت الإشارة إليه في الخطب الماضية بخصوص فصل الشتاء التقرب إلى الله تعالى بإطعام العباد وسد جوعتهم، فعن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص (ض) أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: “تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ”، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا”رواه البخاري، وإطعام الطعام مطية لدخول الجنه، روى الترمذيعن عبد الله بن عمرو (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”، روى الإمام أحمدعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (ض) قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ: “أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ” فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: “فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ”. كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن إطعام الطعام من الأعمال المنجية من النار، فقال: “اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة”، متفق عليه، وإطعام الطعام أيضا من صفات أصحاب الميمنة، قال تعالى: “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ”، كما أنه من الأعمال التي يزكيها الله تعالى لفاعلها رضا بذلك، ففي مسند الإمام أحمد عَنْ أمنا عَائِشَةَ (ض) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ”، وعَنْها أيضا (ض)”أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةًفتصدقوا ببعضها، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا بَقِيَ مِنْهَا؟” قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا. قَالَ: “بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا”. وإطعام الطعام ينجي فاعله من أهوال يوم القيامة: قال تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا”، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، الآيات والأحاديث في فضل إطعام الطعام والحث عليه كثيرة، وقد ورد النهي عن منعه وعدم الحض عليه: قال تعالى مبينا في سورة الحاقة أوصاف الأشقياء في الآخرة، وأسباب شقاوتهم”خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ”،وقالسبحانه في سورة الفجر: “كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ”، وقال دل وعلا في سورة الماعون: “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ”،وعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ على فضلِ ماءٍ يمنعُه ابنَ السبيلِ فيقولُ اللهُ له يومَ القيامةِ: اليومَ أمنعُك فضلي كما منعتَ فضلَ ما لم تعملْ يداك …” متفق عليه، أيها الإخوة المؤمنون، إطعام الطعام زيادة على ما سمعتم فيه تطهيرنفس المُطعِم من البخل والشح وتعويد المسلم على مشاركة مامعه مع إخوانه المسلمين، وكذاتطهير نفس الفقير أوالجائع من الحقد والغل على غيره من ميسوري الحال نظراً لشعوره بالوحدة في المجتمع وعدم وقوف أحد معه في أوضاعه الصعبة، وفيه تحقيق المودة والترابط بين أبناء المجتمع المسلم وانتشار الخير فيما بينهم، وإن هذه المزايا متيسرة الآن في هذا الفصل، يمكن ربحها بما توفر لديك من طعام تشاركه مع من يحرس حيك، ومن هو منقطع عن أهله، ومن شاء الله تعالى أن يهاجر بلده لسبب من الأسباب واتخذ من بلدنا منجى وملجأ يلتمس فيه عيشا كريما، وكذلك عمال البناء والنظافة، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ودور الطلبة والطالبات، ومدارس التعليم العتيق، والمؤسسات القائمة على الإحسان الاجتماعي والتي هي في أمس الحاجة للألتفات إليها من طرف المحسنين لدعم المستفيدين منها بحاجاتهم من الطعام، وهذا لعمري من محاسن ومفاخر مملكتنا المغربية، وأهلها السائرون على خطى صاحب الجلالة الذي سن التضامن وإسعاف ذوي الحاجات بممارساته الميمونة، وبنجدته لرعاياه في المداشر والقرى النائية، وإعطاء أوامره المسموعة للتخفيف من حدة البرد وقساوته على رعاياه، ممتثلا حديث جده المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول: “خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ”، “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي” رواه مسلم الدعاء.