الزكاة
الحمد لله، الحمد لله حق حمده، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الزكاة للدين أساسا وبنيانا، وركنا من أركان الإسلام يسد حاجة الفقراء والأرامل واليتامى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، حث على أداء الزكاة، وقال: “حصنوا أموالكم بالزكاة”، وقال أيضا لا يجتمع الشح والإيمان في قلب مؤمن أبدا”، وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهداه، وسلم تسليما كثيرا.
أيها الإخوة المؤمنون، جرت عادة الكثير منا أن يخرج زكاة ماله في بداية السنة الهجرية، وشرعنا أوجب إخراجها عند تمام الحول على النصاب، وإنما اختار المؤدون للزكاة وقت دخول السنة الهجرية لضبط العد حتى لا تتوالى الأيام وهم عن أداء هذه الفريضة لاهون، لذا فإني أذكركم وأذكر نفسي بما تقتضيه هذه الفريضة،
فاتقوا الله أيها الإخوة المؤمنون حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واهتموا بأداء الزكاة، واعلموا أن مقام الزكاة في الإسلام عظيم، وأثرها على الضعفاء والمساكين جسيم، وهي قرينة الصلاة في كثير من آي الذكر الحكيم، قال الله تعالى: (ألم، ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدى للمتقين، الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)، وقال أيضا: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بها اهتماما خاصا، فيبعث السعاة لقبضها من الأغنياء، وجمعها لإيصالها إلى مستحقيها من الفقراء، وتبرئة ذمم الأغنياء من مسؤوليتها، وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون والتابعون، وعندما همت بعض القبائل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنع الزكاة ومنعها عن مستحقيها من المسلمين قاتلهم الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: “لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة”،
واعلموا حفظكم الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة”، (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)، واحذروا قول الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)،
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روا البخاري ومسلم أنه قال: “ما من صاحب ذهب ولا فظة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنباه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار”، قال ابن مسعود رضي الله عنه شارحا هذا الحديث: لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته، عباد الله، إن الكنز الذي توعد الله صاحبه هو المال الذي لا تؤدى زكاته، وليس المراد بالكنز هنا المال المدفون كما قد يفهم بعض الناس، قال ابن عمر رضي الله عىه: “ما أدي زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز”،
واعلموا إخواني أن الزكاة تجب في أربع أنواع: في النقدين وعروض التجارة وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض، فيجب في النقدين أي الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية والدراهم المستعملة في وقتنا الحاضر، وتجب في عروض التجارة: وهي السلع المعروضة للبيع في الدكاكين والمعارض والأسواق وغيرها من الأقمشة والأطعمة والأشربة وتوابعها، والسيارات ومواد البناء وقطع الغيار، وغير ذلك من الآليات وكذا الأراضي والبنايات المعدة للبيع والتجارة، وكذا المواشي المعدة للبيع والتجارة، وتجب الزكاة أيضا في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، وفي بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، بشروط واعتبارات معروفة في كتب الفقه وعند الفقهاء، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون،
والذي يهمنا الآن معرفته هو ما يتعلق بزكاة النقود الرائجة بيننا، وعروض التجارة لأنهما يغلب وجودهما بأيدي أهل المدن، فأما النقود فإنها إذا بلغت نصابا فأكثر، وتم لها حول وهي بيد صاحبها، وجب فيها ربع العشر، والنصاب من الفضة مائتا درهم أي ما يعادل 595 غراما من الفضة، والنصاب في الذهب عشرون دينارا أي ما يعادل 85 غراما من الذهب، فإذا عرفنا الوزن رجعنا إلى الثمن الحالي للذهب والفضة الغير المسبوكة والمصنعة عرفنا النصاب، واسألوا فقهاءكم وعلماءكم وفقكم الله إلى الصواب، وأما الربح فحوله حول رأس المال فلا يبتدأ له حول جديد، وتجب الزكاة في النقود سواء كانت بيد صاحبها أو كانت ديونا له في ذمم الناس ، فتجب الزكاة في الدين الثابت سواء كان قرضا أم ثمن سلعة أم أجرة، فإن كان الدين على موسر مقر بالدين وجب إخراج زكاته كل سنة مع زكاة ما بيده، وإن كان الدين على معسر أو على مماطل ويخشى أن لا يتمكن من قبضه فهذا يزكيه صاحبه إذا قبضه لعام واحد على الصحيح،
وأما عروض التجارة وهي السلع المعدة للبيع فيقومها صاحبها بما تساوي عندما يتم الحول عليها أو على ثمنها الذي اشتراها به، فإن حولها حول ثمنها، سواء كانت قيمتها التي تقدر لها عند رأس الحول بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر، ويخرج ربع عشر قيمتها، ويجب على أصحاب البقالات والآليات وقطع الغيار وتجار الأقمشة أن يحصوها إحصاءا دقيقا ويقوموها بما تساوي عند تمام الحول، ويجب على المسلم أن يتقي الله في ذلك ويحاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح لشريكه لإخراج ما حرم الله عليه وهو الزكاة، وأما الدور والأراضي والدكاكين والسيارات المعدة للإستعمال فلا زكاة فيها، والمعدة للكراء فلا زكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول وبلغت نصابا بنفسها أو بضمها إلى ما بيد مالكها،
وهناك إخواني المؤمنين وأخواتي المؤمنات شيء مهم هو ما يتعلق بحلي النساء لأن كثيرا من النساء عندهن كثير من الحلي تستعمل قسما منه لتجميلها والباقي عندها مخزون لوقت الحاجة، فأما الذي تلبسه وتستعمله لتجملها فلا زكاة فيه، وأما الذي تحتفظ به لحالة الطوارئ ولا تستعمله في عشر سنين أو خمس سنين مرة وتجمع فيه الدراهم ففيه الزكاة كل عام. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، لقد بين الله مصارف الزكاة في الآية الكريمة حيث قال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، وعليه فلا يجوز صرفها أي إعطاؤها لغير هذه الأصناف الثمانية ولا تبرأ ذمة المزكي إذا أعطيت لغير هؤلاء الأصناف، ولذلك لا بد لك أيها المزكي من أمرين:
الأول إخراج الزكاة بالتمام والوفاء،
والثاني صرفها في مصرفها الشرعي الذي حددته الآية الكريمة، وابحث عن معرفتهم معرفة دقيقة تامة حتى لا تضع زكاتك في غير محلها،
واحذر أن تجعل الزكاة وقاية لمالك بأن تدفعها لمن له حق عليك، كوالديك وزوجك وأولادك الصغار الذين هم بين يديك، ولا تبطل صدقتك بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس، واعلم أن هذه الزكاة تنمي مالك وتطهره وتزيده بركة، كما تطهر نفسك من الشح والبخل وتورث الرحمة والمودة بين المسلمين، وتحصن المال وتحفظه من الآفات كما ورد في الحديث “حصنوا أموالكم بالزكاة”، وهي سبب لدفع البلاء والأسقام فأطب بها نفسا ولا يضق بها صدرك، واعلم أن أهم ما يفعله الإنسان أن يتقرب إلى مولاه بأداء ما افترض عليه في وقته المحدد له.
الدعاء…