الرد على تعليق البشير مصطفى
الرد على تعليق البشير مصطفى
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
وصلني عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، تعليق منسوب للقيادي بجبهة البوليزاريو المسمى البشير مصطفى، وهو المعروف أيضا باسم البشير السيد، كتبه بعد اطلاعه على هوية لأحدهم يسمى: “سالم البصير”، فعلق عليها كما يلي: (أرسل لي أحدهم هذه الوثيقة القيمة والكرماء المشكورين مانحيها كما تبلغت أيام المؤتمر السادس عشر وثائق اسبانية لأعلى قادتنا. اللهم يعلم اني لست ممن يبحث في عورات الناس واحرى الزملاء ولا في سلوكاتهم الشخصية لأني اعتبر ان اي ضعف في الاطار الصحراوي يعاب به أهله وتعير به القيادة ككل. لكني أتذكر ان ايام شباب نضالنا كنا نسخط على تعدد جنسيات شعبنا وتفرقه بين الدول وحز في انفسنا ما قال في شتمنا كاتب نمساوي مأجور: اننا قبائل بدوية لا تعرف للوطن معنى ولا للجنسية مغزى وهي كالبواخر الخاصة ترفع علم اي ميناء تمر به. الرحمة ل شيخ الحلة فقد كان لي نقاش قاس معه ظهر وصولي الى عين بنتيلي منطلقا حينما فرض علي توقيف حتى يعود ولد أندي من انواكشوط والذي طالت غيبته.سالم أخ عزيز وصديق اهل لكل محبة وتقدير لدوره في زرع البذرة الاولى للوطنية الصحراوية الى جانب الفقيد سيد ابراهيم بصيري مما جعل الاسم العائلي غلافا معظما يقبل(…تنحب فوجه لكتاب) لأنه لكتاب مبجل. وكنت اعتبر ان لديه احساس متميز وحساسية لكل ما يوحي ان الجنسيات تقارن او ان الوطن يمكن ان يكون له بديل وان شعوره بأي وهن او تراجع في ادائنا أقسى عليه وأمر من شعور الغالبية. التجنيس ليس خطيئة او جرما انما يعكس مستوى القوة النفسية للواحد منا وصلابة قناعاته ما دامت نوعية الوثائق الشخصية ليست ضرورة لخدمة القضية الوطنية تنقلا او إقامة) البشير مصطفى. انتهى كلامه بدون تصرف.
وبغض النظر إن كانت الهوية المنشورة فعلا للقيادي سالم البصير المعروف، أو لغيره كما وضحت بعض وسائط التواصل أنه تشابه في الأسماء، وأن القيادي البشير اعتذر له بعد ذلك، ونظرا لكون هذا الموضوع أثار لغطا كبيرا بين إخواننا وأبناء عمومتنا الصحراويين، فمن واجبنا توضيح العديد من الأمور، والتنبيه لأمور أخرى في الصميم:
أولا: تطرق القيادي المذكور إلى مسائل غاية في الأهمية، تتصل بحصول القياديين بجبهة البوليزاريو على جنسيات دول عديدة كإسبانيا والجزائر وغيرها، وأنهم شعب لاجئ ومشتت، وأن التجنيس ليس خطيئة أو جرما إذا كانت الغاية هي خدمة القضية الوطنية كما ذكر، فو الله لا ندري أهي خدمة القضية الوطنية أم خدمة المصالح الشخصية؟ خاصة وفضائح ممتلكات قيادات الجبهة لدور وفيلات ومشاريع بالجزائر وإسبانيا ونواذيبو والزويرات ونواكشوط وغيرها من البلدان تتوالى يوما بعد يوم، وهذا أعظم جرما من مجرد الحصول على جنسية بلد ما، والكل يعلم بأن فئات عظمى من إخواننا وأبناء عمومتنا يرزحون تحت الظروف الصعبة المعلومة لدى العالمين بتندوف، وهي في الحقيقة مناسبة ليعرف الصحراويون جنسيات وأملاك قياديهم ليعلموا حقيقة هل يخدمون قضيتهم أم يخدمون مصالحهم؟.
ثانيا: ما يتصل بعمنا المناضل الفقيد سيدي محمد بصير، المعروف ببصيري، حيث ذكره بأنه أول من زرع البذرة الأولى للوطنية الصحراوية مكررا الكلام نفسه لجبهة البوليزاريو، التي لازالت بعد كل هذه السنين تبحث لها عن تاريخ تتمسك به.
وتنويرا لإخواننا وأبناء عمومتنا أقول: بأن جبهة البوليزاريو لا علاقة لها بالمناضل محمد بصير، سواء من حيث القرابة الأسرية، أم من حيث تبنيه سياسيا واعتباره رمزا روحيا للانفصال، وسأوضح ذلك من خلال الآتي:
1- المناضل بصيري ابن الشيخ سيدي إبراهيم البصير، مؤسس الزاوية البصيرية ببني عياط بإقليم أزيلال، انطلقت هذه الزاوية من الصحراء المغربية قبل حوالي مائتين وسبعين عاما، وأسست أول زاوية لها بمنطقة لخصاص بإقليم سيدي إفني بسوس سنة 1824م، وهي الزاوية المعروفة بزاوية سيدي امبارك البصير، وبعد ذلك أسست زواية الرميلة بمركش سنة 1903م، وبدوار الركيبات بالرحامنة سنة 1905م، وبعد ذلك بمنطقة لمعاشات بدكالة، وبالبروج بالشاوية، وبالزيدانية نواحي بني ملال، ثم بإيرزان بالقرب من سد بين الويدان بالأطلس المتوسط، ثم بآيت وايو من بني عياط الجبلية، ثم استقرت أخيرا ببني عياط السهلية بأزيلال سنة 1912م، وبدرب اليهودي بالحبوس بالدار البيضاء سنة 1930م،(حي الداخلة حاليا)، وبغيرها من قرى ومدن المغرب، بحيث أسسوا أكثر من خمسين فرعا بمدن الشمال المغربي.
فرحلة آل البصير من الصحراء المغربية منذ تاريخ متقدم، واختيارهم الإقامة بمدن الشمال كافية في التأكيد على أن هذه الأسرة وأبناؤها وطنيون مغاربة، وأن هذا الوطن وطن واحد، فلا داعي للاستمرار في إنتاج المغالطات وإلهاء الموطنين الصحراويين المغاربة بالمناورات.
2- المناضل بصيري درس أولا بزاوية والده، ثم في مدينة الرباط، ثم في جامعة ابن يوسف بمراكش، ثم في جامعة الأزهر الشريف، وزار سوريا ولبنان، وعاد إلى الدار البيضاء في أواخر الستينيات ممتهنا الصحافة، وشاء الله له بعد ذلك أن يعترض مشروع إسبانيا الاستعماري في بداياته، فسافر إلى مدينة السمارة بلاد أجداده وأسس حركته هناك في أواخر الستينيات، وقاد الانتفاضة بمدينة العيون يوم 17 يونيو سنة 1970م، رفقة المواطنين الصحراويين الذين انتموا لحركته. وبالمناسبة فقد قاموا حينها برسم العلم الإسباني على باب الهيئة المسيحية في وسط مدينة العيون، وهو ممزق ومخترق من قبل رمز المملكة المغربية الشريفة، كما ذكر الكاتب الإسباني طوماس باربلو في كتابه: “التاريخ المحظور للصحراء الإسبانية” ص 80. وفي ذلك ما فيه من إشارة إلى الانتماء إلى المغرب.
3- اختفى المناضل بصيري سنة 1970م، والكيان الوهمي أسس سنة 1973م، وبذلك يظهر بأن الأفكار الانفصالية نبتت بعد اختفائه قسريا، مما سهل على الجبهة إلصاقها به بدون دليل، وساعدتهم على ذلك العديد من الدول الأجنبية بالتمويل والتحريض ضد وطنهم الأم.
4- سؤال يطرح نفسه بقوة: لماذا قامت إسبانيا بإخفاء المناضل محمد بصير؟ فلو كان ينشد الانفصال عن وطنه المغرب لتبنته ودعمته، لأنه في النهاية سيخدم مصالحها الاستعمارية التي ستفصل الصحراء المغربية عن المملكة؟، ولكنها عندما تأكدت بأنه يناضل ضدها، فإنها قامت بما قامت به للتخلص منه وإخفائه قسريا.
5- جاء مجموعة من الصحراويين الذين كانوا في حركة المناضل بصيري، كما يعرف المهتمون بتاريخ الصحراء المغربية، بعد اختفائه، أي سنة 1972م إلى مدينة الرباط يطلبون مساعدة الدولة المغربية ضد الاستعمار الإسباني، ونظرا لكون الدولة المغربية كانت تعيش ظروفا استثنائية على جميع الأصعدة، وكانت لديها أولويات أخرى، فإنها لم تلب طلب هؤلاء المواطنين الصحراويين، مما اضطرهم إلى التظاهر بمدينة طانطان وهم يحملون الأعلام المغربية وصور الملك الراحل الحسن الثاني عليه رحمات الله، فتم قمع تظاهرتهم بوسائل القمع المعروفة أيام الجنرال أوفقير، فعبروا عن غضبهم بالذهاب إلى منطقة الزويرات بموريتانيا. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لو لم يكن هؤلاء الصحراويين يعتبرون أنفسهم مغاربة لماذا يقدمون إلى مدينة الرباط بعد اختفاء بصيري لطلب المساعدة؟ ثم لماذا يتظاهرون ويحملون في أيديهم الأعلام المغربية وصور الملك الحسن الثاني لو لم يكونوا يعتبرون أنفسهم مغاربة؟، لذلك فمن يدعي بأن المناضل المغربي محمد بصير هو صاحب فكرة الانفصال عن الوطن فهو خاطئ ومخطئ، وغير مطلع على تاريخ الصحراء المغربية، وهذا ما أكده ويؤكده رفقاؤه في مقاومة الاستعمار الإسباني، سواء ممن لا زالوا على قيد الحياة ممن انتموا للكيان الوهمي حينا من الزمن وعادوا لوطنهم الأم، أم ممن غادرونا إلى دار البقاء، وشهاداتهم التاريخية محفوظة بأرشيف الزاوية البصيرية.
6- ثم إذا كان بصيري هو الزعيم الروحي للانفصال عن الوطن، لماذا لم تطالب به البوليزاريو يوم قامت بتبادل الأسرى مع الدولة الإسبانية بمنطقة المحبس سنة 1975م، وقد كان الأمر مواتيا ومتاحا؟، وفي هذا المقام أذكر حادثة واقعية للتاريخ، فقد حدثنا أكثر من واحد من الصحراويين الذين حضروا للحدث، أنه بعد عملية تبادل الأسرى هذه، انتفض موسى البصير رحمه الله في وجه الولي مصطفى السيد، (وهو أخو البشير السيد المذكور آنفا)، لأنه لم يطالب إسبانيا بالمناضل محمد بصير، وهم أن يضربه، لولا تدخل بعض الحاضرين. وهذه قصة واقعية مشهورة متواترة لا يستطيع أحد أن ينكرها. وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تناقض قيادة البوليزاريو، بين ادعاء أن المناضل محمد بصير هو الرمز الروحي للانفصال، والتنكر له بعدم المطالبة به يوم تبادل الأسرى سنة 1975م
ختاما، صدق الله العظيم حين يقول: “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”. وأقول صادقا لإخواننا وأبناء عمومتنا الصحراويين: هذه هي حقيقة عمنا المناضل الفقيد سيدي محمد بصير، المعروف ببصيري، وهي شهادة نشهد الحق سبحانه وتعالى عليها، ولا تسامحونا أمام الله تعالى إن غيرنا أو كذبنا في شيء منها، ونشهدكم أننا سنحاسب أمام الله تعالى من غير وزيف الحقائق لتفريق شمل أسر وعائلات وقبائل، وترامى على تاريخ هذا المناضل المغربي والرجل الوطني محمد بصير، واستغله سياسيا في مناوراته وخططه، ويدرسه ويقدمه للأطفال والناشئة الصحراوية في المقررات الدراسية أنه رائد فكرة الانفصال، مرتكبين جرائم خطيرة في حق الذاكرة التاريخية، أضف إلى ذلك تأطيرهم بخطاب الحقد والكراهية ضد وطنهم الأم. وأقول لكم أيضا: إن الأسرة البصيرية عانت أولا من جراء اختفاء ابنها المناضل، وعانت ثانيا من أجل رميها بالخيانة للوطن ردحا من الزمن، وتتجدد معاناتها اليوم كلما رأت جبهة البوليساريو تستغل اسمه ونضاله أبشع استغلال، هذا الاستغلال الذي لا ينبغي السكوت عنه بحال من الأحوال، وآن الأوان للوقوف ضد استمراره.
وأقول أيضا في الأخير: ها هي ذي الدولة الإسبانية، التي استعمرت الصحراء المغربية،لم تلبس الحق بالباطل، ولم تكتم الحق وهي تعلم، اعترفت بمغربية الصحراء، وهي التي تعرف كل شيء عن المناضل محمد بصير وعن مقاومته وعن قضية اختفائه، وتعلم علم اليقين بأن المنطقة كانت خالية من شيء يسمى الدولة الصحراوية، أو بالأحرى تبني الدعاوى الانفصالية، والأسرة البصيرية اليوم تتواصل مع الدولة الإسبانية
لاستكمال المسار الودي في حل قضية الاختفاء القسري للمناضل بصيري، لتحديد مكان قبره ورفاته ليكرم تكريم المقاومين الوطنيين المغاربة الأبرار، ويطوى هذا الملف بشكل نهائي.