الدول العربية الإسلامية اليوم مقترحات من أجل الحضور الإيجابي الفعال، دول المغرب العربي نموذجا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
“نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”
إنه ليس للبشرية درس تستقي منه العبر وتأخذ منه الحكمة والمنفعة أكبر من “الإسلام” الدين الحنيف، فقبل الإسلام كانت العرب قبائل، قلما وضعت السيف عن رقاب بعضها ولم يكن لهم سيادة تعرف أو دوله تجمعهم وتوحد كلمتهم، فالفرس في المشرق يفترشون إمبراطوريه من الهند حتى العراق وسواحل الخليج العربي وقبائل عربيه شتى، وفي الشمال كانت إمبراطورية الروم تسيطر على بلاد الشام وتركيا ومصر وامتدت أطرافها حتى بلاد المغرب العربي ناهيك عن الحبشة التي كانت تسيطر على جنوب الجزيرة العربية وجزء من اليمن والسودان
وبدأ الإسلام يشع بأنواره وبدأت الظلمات تنقشع فأصبحت هذه القبائل موحدة تحت لواء الإسلام، وامتد النور وتلألأ لتنهار الفرس وتنحسر الروم، ويبدأ عصر جديد لأمة الإسلام، واتسعت إمبراطورية الإسلام، ودخل في الدين الجديد أمم لا يوحدها لسان ولا لون، لا يوحدها إلا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
قال صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى”.
إنها المساواة فالمسلون أخوة لا يفرقهم لون أو لسان أو عرق وهم سواء في الحقوق والواجبات وما يمتاز منهم أحد إلا بتقواه للخالق عز وجل.
وبدأت البشرية تعيش عصر جديد وظهرت أمة وحدها الإسلام فسادت البشرية وأمدتها بثقافة ما تزال وستبقى درسا تفتخر به البشرية جمعاء.
ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدينا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا
فها هو الكاتب مايكل هارت يؤلف كتابا عن أعظم مائة شخصيه عرفها التاريخ وأكثرها حكمة ومنفعة على مر العصور ليختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم هذه الشخصيات رغم كون هذا المؤلف نصرانيا وليس مسلما أجنبيا وليس عربيا.
يقول مايكل هارت في مقدمة كتابه: “إن اختياري محمدا ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي، فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدؤوا رسالات عظيمة ولكنهم ماتوا دون إتمامها كالمسيح في المسيحية أو شاركهم فيها غيرهم أو سبقهم إليها سواهم كموسى في اليهودية ولكن محمدا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية وتحددت أحكامها وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضا وحد القبائل في شعب والشعوب في أمة ووضع لها أسس حياتها ورسم أمور دنياها ووضعها موضع الانطلاق إلى العالم في حياته فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها”.
وإن الناظر اليوم للدول الإسلامية -واعذروني لقولي دول بعد أن كانت دولة- يرى أثر الزمن وما فعله فاليوم تعداد الدول الإسلامية يقارب سبعة وخمسين دولة، وعدد سكانه مليار ونصف مسلم فالحمد لله الذي وحد القلوب والألسنة والشعوب على دينه وهدي نبيه الكريم.
إن ما نمر به اليوم من فرقه مرده الابتعاد عن دين الله والتناسي لتعاليم ديننا الحنيف، “نسو الله فأنساهم أنفسهم”، فمن استعمار بشتى الصور والأشكال إلى صراعات داخليه وفرقه جعلت الجسد الواحد ممزقا شر تمزيق.
نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم خمسة عشرة سنة هم أميون، وهناك سبعون مليون عربي أمي حسب اليونيسيف، نسينا أن أول الوحي (اقرأ)، وأن فدية الأسير كانت أن يعلم القراءة والكتابة لعدد من المسلمين، والطامة الكبرى عندما نعلم أن ما تنفقه دولة إسرائيل على البحوث العلمية والتطبيقية يعادل عشرين ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة، وأن حصة ما تنشره الدول العربية من المقالات في الصحف العالمية يساوي واحد في المائة فقط في حين ألمانيا وحدها سبعة في المائة.
في عام 2001 م سجلت الدول العربية سبعون براءة اختراع في حين سجلت إسرائيل ألف وواحد وثلاثون براءة اختراع، واليابان لوحدها حوالي خمسة وثلاثين ألف براءة اختراع.
نعم ولماذا نعجب؟ فقد كان الاهتمام بالعلم لدى من سبقونا إذا قام أحدهم بترجمة كتاب أو ألفه يزنون الكتاب ذهبا، فعلى شأن العلم والعلماء، أما نحن فنزن بالذهب أيضا، ولكن بدل العلم نزن الراقصات، فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وقد جاء الربيع ولكنه ليس الربيع الذي تزهر به الأرض، وهو ليس الربيع الذي يعقب الشتاء ولست أدري أصل التسمية، ولماذا سمي بالربيع؟ وهو لا يحمل سوى الدمار والموت .
يقول صلى الله عليه وسلم: “ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي ومن تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نعيش واقعا مريرا، وكأن هذا الربيع كلمة حق أريد بها باطل:
حق للشعوب أن تسعى للحياة بكرامة ومساواة، وحق لها أن تسعى للخلاص من حكام يسومونهم سوء العذاب .
وباطل من حيث أن ما حققته هذه الثورات هو فتن ودمار وفرقة للمسلمين.
ولنتساءل من يدعم هذه الثورات ؟؟؟؟؟
من الذي يسخر لها الفضائيات ؟؟؟
من الذي ينفق الأموال؟؟
هل قصده فعلا هو حرية هذه الشعوب ؟؟؟
ألم تكن أمريكا والغرب هم السبب في كل هذا الواقع الأليم الذي تحياه أمة الإسلام؟
ومن الذي كان يدعم هؤلاء الحكام ؟؟
ولماذا يقوم عالم من علماء المسلمين بالترويج لمشاريع الغرب، وقوله بحسب ما ذكرت وكالات الأنباء أنه: “لو بُعث محمد صلى الله عليه وسلم من جديد لوضع يده بيد حلف الناتو”!
وأقول يا من تسمى بالعالم دع لو فإنها تفتح عمل الشيطان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”، صدق رسول الله.
ويا للعجب، لم يعلّق أحد على مثل هذا التصريح في العالم العربي، فهل ثمة أوقح من دعوة كهذه من رجل دين يدّعي تمثيل ملايين المسلمين حول العالم؟
الله أكبر الم يحارب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الإمبراطوريات في ذلك الوقت وانتصر بإيمانه وإيمان المسلمين، حاشا لله يا مفتي الناتو؟؟؟؟
وأين كنت عندما تزامن نشر الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم مع ضرب الكيان الإسرائيلي لغزة ويومها تناقلت وسائل الإعلام الغربية أنك ستصدر فتوى تحرم فيها التعامل مع الغرب وأمريكا وإسرائيل وأذكر يومها أن ذلك خلق هلعا لدى الغرب، ولكن تمخض الجبل فولد فأرا وكانت فتواك فأرا؟
وأين المحطات التي تقيم الدنيا وتقعدها لمصلحة الغرب مما يجري من ظلم لشعوب السلام على يد أمريكا وحلفائها الم تقرا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “ستكون فتن كقطع الليل المظلم. قلت: يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: “كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا…..، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد تبدوا أشد اللحظات ظلمة في تاريخ المسلمين، ولكن أوليس لنا في رسول الله أسوة؟ إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيها من العبر ما لم تستطع الكتب له عدا، فها هو الرسول يخرج من مكة ليبتعد عن بلده هربا من ظلم قريش، ويسلك دروبا في الصحراء خوفا من العيون، وقريش انتشرت على الطرقات لتمنعه من الوصول للمدينة، ووضعت جائزة لمن يقتله، ويأتي سراقة بن مالك طمعا في الجائزة ولكنه يعود بعد أن وعده الرسول سواري كسرى، وهذا درس لمن فقد الأمل من أمة الإسلام ولمن باع دينه لدنياه فقد كان الرسول هاربا فقيرا لا يملك من متاع الدنيا شيء، ولكنه والمؤمنون من بعده أقاموا حضارة ودولة هزمت الفرس والروم.
إنه حالنا اليوم، وما تسلح به المسلمون من إيمان، فقدناه في زحمه السنين، وأصبحنا أمة كزبد السيل، ونحن اليوم كثير…..
لكل داء دواء، وما للأمة الإسلامية غير دينها، إن تمسكت به تكون مع الله فلن تخشى شيئا.
قال تعالى:”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، وقال تعالى:”ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، صدق الله العظيم.
أما آن الأوان أن يلتئم الشمل؟ أما آن الأوان أن نترك الخلافات جانبا؟ وأن نترك الدعوة والدعوات للفرقة والتقسيم وأن نتبع قول رب العرش العظيم.
والبلاد العربية من المحيط إلى الخليج يجمعها تاريخ واحد ولغة واحدة ودين واحد .
ولقد حاولت الكثير من الدول أن تقوم بمشاريع وحدوية لأن آمال الشعوب العربية وتطلعاتهم أن تكون لهم دولة واحدة لا حدود بينها ولا موانع.
دعو كل الذي قلتم وجدوا اليوم في طلبي
فاني الوحدة الكبرى سأحميكم من النوب
وعندي راية خفقت سأرفعها على الحقب
فقولوا رايتي عاشت وعاشت وحدة العرب
ولنتحدث عن مشروع نسأل الله أن يتحقق لشعوب الإسلام في المغرب العربي، هذا المشروع الذي يضم كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، بوحدة تشمل ما يقارب خمسة ملايين ونصف كيلو متر مربع، ومائة مليون من المسلمين، أي ربع سكان العالم العربي، وإمكانات مادية من ثروات معدنية من نفط وفوسفات وحديد وغيرها من المعادن، وألأراضي الزراعية ولا ننسى العقول والسواعد.
أعلن عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17/2/1989م بمدينة مراكش من قبل خمس دول هي: المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا :
ويهدف الاتحاد المغاربي إلى فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها، ومن مبادئ اتحاد المغرب العربي أنه يهدف إلى:
-تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض
– تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها؛
– المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف؛
– نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.
– العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها
حلم جدي حلم أمي وأبي
حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقــة
وارفعوها فوق هام السحب
واهتفوا يحيى اتحاد المغرب
إن شعوب المغرب العربي تستحق أن يصبح لها اتحاد يضمها، وتكون يد واحدة كما كانت عبر التاريخ الإسلامي، ودعوني أذكر بما تم الاتفاق عليه في البيان الذي تم التوقيع عليه بمراكش فقد قرر القادة أنه إيمانا منهم بما يجمع شعوب المغرب العربي من أواصر متينة قوامها الاشتراك في التاريخ والدين واللغة، واستجابة لما لهذه الشعوب وقادتها من تطلع عميق ثابت إلى إقامة اتحاد بينها يعزز ما يربطها من علاقات ويتيح لها السبل الملائمة لتسير تدريجيا نحو تحقيق اندماج أشمل فيما بينها.
ووعيا منهم بما سيترتب على هذا الاندماج من آثار تتيح لاتحاد المغرب العربي أن يكتسب وزنا نوعيا يسمح له بالمساهمة الفعالة في التوازن العالمي وتثبيت العلاقات السلمية داخل المجتمع الدولي واستتباب الأمن والاستقرار في العالم.
وإدراكا منهم أن إقامة اتحاد المغرب العربي يتطلب تحقيق إنجازات ملموسة ووضع قواعد مشتركة تجسد التضامن الفعلي بين أقطاره وتؤمن تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
وتعبيرا عن عزمهم الصادق على العمل من أجل أن يكون اتحاد المغرب العربي سبيلا لبناء الوحدة العربية الشاملة ومنطلقا نحو اتحاد أوسع يشمل دولا أخرى عربية وإفريقية. نعم نسال الله أن يكون سبيلا لبناء وحدة عربية إسلامية شاملة، حتى نستطيع الاستمتاع بنشيد حفظناه وأحببناه:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
ويحق لهذه الشعوب أن تفتخر بمنجزاتها وإن تأخر الحلم فانه بإذن الله آت لا محالة.
ونحن اليوم في المغرب في الجناح الأقصى لأرض الإسلام العروبة، أرض تعبق بالتاريخ، فالملكية المغربية هي الأقدم في الدول الإسلامية والعربية هذه الأرض التي دافعت عن الإسلام وكانت الحصن الذي تصدى ودافع عن المسلمين حين كانت حصون الإسلام في الشرق تتهاوى.
ولما انحسر الإسلام عن اسبانيا بقي المغرب صامدا وحصنا حصينا للدين.
وحمل لواء الإسلام أول ما حمله في المغرب كدولة إسلامية مستقلة هم الأدارسة، وتتابعت الدول وامتد حكم الدولة الإسلامية في المغرب في العصور اللاحقة حتى وصل لتونس وتوغل الإسلام في القارة السمراء على أيدي ملوك وسلاطين المغرب .
ولنأخذ العبرة من المغرب ملكا وشعبا في الصبر والعزة والمنعة، فعندما حاول الاستعمار فرض هيمنته على البلاد والعباد وعندما قام بنفي الملك كانت ثورة الملك والشعب، هذه الثورة التي عبرت عن تلاحم الشعب والعرش وكانت تجديدا للبيعة وانتصرت إرادة هذا الشعب العظيم .
فالمغرب درس في التاريخ ودرس في الحضارة ودرس في التلاحم والتماسك والترابط أمام كل الأمراض التي بدأت تنتشر تحت مسميات كثيرة، وهنا لا بد لنا من وقفة وتساؤل، لماذا هذا الصمود وما هي أهم ركائزه ؟
والجواب واضح وبسيط، يقول الباحث رمضان مصباح: إنها الملكية في المغرب، ويقول أيضا: “تتجسد الملكية في المغرب في البيعة، وشروطها الطاعة والولاء والإخلاص في مقابل ضمان حقوق الراعي والرعية وحفظ الأمانة والمسؤولية .
ولأن الأسرة الملكية المغربية هم من نسل أشرف الخلق والمرسلين كان التلاحم بين العرش والشعب غير قابل للنقاش، فالمغرب حافظ على وجوده الإسلامي وانتمائه الديني رغم محاولة الاستعمار شق الصفوف فكانت للشعب الكلمة الأولى والأخيرة، والإسلام في المغرب شق طريقه على أيدي ملوكه وسلاطينه وكانت الزوايا مراكز نشر وترسيخ لمفهوم الإسلام والتصوف.
والصوفية في المغرب لن يستطيع أحد إدراك أثرها في نفوس المغاربة الذين وقفوا سدا منيعا في الجبهة الغربية للعالم الإسلامي، فكان الصوفيون رجال دين ورجال ثورة وجهاد، وكانوا كالجبال الراسخة التي ساهمت في الحفاظ على الدولة، ودافعت عن دينها بكل ما تملك، وفيهم يصدق قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
إن لله رجال فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
ونحن اليوم نلتقي في ذكرى عزيزة على القلوب وفي مكان طاهر ومقدس، الذكرى الثانية والأربعين لاستشهاد سيدي محمد البصير في مدينة العيون، وأقول العيون، أي الصحراء، وأقول الصحراء المغربية المغربية المغربية
ففي هذا المكان أسس والده سيدي إبراهيم البصير رحمه الله هذه الزاوية التي كانت وما تزال وستبقى بإذن الله للعلم والدين نبراسا ونورا، وأن سيدي إبراهيم وأجداده وكل من يقطن الصحراء لم يكونوا في يوم من الأيام يشكون في وحدة هذا الوطن العظيم من طنجة إلى الكويرة، فكما دافع كل أبناء الصحراء وعبر كل العصور عن دولتهم وعن ملكهم وعن بيعتهم، دافع كل أبناء الوطن عن وطنهم، فكان تلاحم الشمال والجنوب وكانت المسيرة الخضراء المظفرة خير مثال وخير درس لمن تسول له نفسه أن يتحدث عن فرقة وتقسيم.
وها هو المغرب اليوم في ظل حكم سديد ورشيد حكم صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله ونصره وأيده والذي خطا بالمغرب خطوات جبارة نحو الإصلاح والبناء سائرا على خطى من سبقوه رحمهم الله، والمتتبع لأعمال الملك الشاب يرى أنه حفظه الله أرسى في هذا البلد العظيم كل دعائم القوة المادية والمعنوية، فالمشاريع تفتتح كل يوم وبإذن الله سيبقى المغرب عظيما كما كان شامخا، حمى الله المغرب وحمى ملكه وشعبه وأنعم خيره على هذه الأرض المباركة، والسلام عليكم ورحمة الله.