الدعوة إلى الله مسؤولية الجميع
الدعوة إلى الله مسؤولية الجميع
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، إن الناظر إلى بعض الناس اليوم في التعامل مع الدين، يجدهم منطوين على أنفسهم، غير عابئين بغيرهم اهتدى أو لم يهتدي، يتقلبون في نعيم الدنيا منصرفين عن الدين وشأنه، لا تحدثهم أنفسهم بدعوة الغير إلى تعاليمه.
وهذا الأمر عباد الله واضح جلي في علاقةالزوج مع زوجته، والزوجة في علاقتها مع زوجها، والزوجان في علاقتهم مع أبنائهم، والجار في علاقته مع جاره في حيه ومكان سكناه.
وكمثال على ذلك اسمحوا لي أن أطرح الأسئلة التالية: فكم من زوج لا يحدث أهله عن الالتزام بالصلوات الخمس في أوقاتها؟ وكم من زوجة لا تحدث زوجها بالالتزام بأداء الصلوات؟ وكم من والد ووالدة لا يحدثون أبناءهم عن هذا الركن العظيم؟ وكم من جار لايسلم على جاره ولا يهمه صلحت أحواله أم لم تصلح؟ وكم من منكرات نستطيع تغييرها في بيوتنا وأحيائنا وشوارعنابالحكمة والموعظة الحسنة ولا نتدخل بإيجابية اتجاهها؟،فإذا كان هذا حالنا، فكيف يمكن أن ندعو غيرنا إلى دين الله؟ أم كيف يمكن لنا نصرة دين الله؟ فإلى متى سنبقى سلبيين تقليديين؟ وإلى متى سنبقى مثل النظارة يتخذون أماكنهم من المسرح مكتفين بالفرجة؟
إن من صفات المؤمن عباد الله أنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على إصلاح المجتمع من حوله، والمؤمن الصادق لا يقف عند ذاته، ولا يكون أنانياأبداً،وبهذا الخصوص لا بدَّ أنْ نعلم أنَّ الدعوة إلى الله تعالى ليستْ حكرا على علماء الدين المختصين فحسب كما قد يفهم البعض، إنما هي مهمة كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان، فكل واحد في مجال عمله يستطيع أنْ يكون داعيةً بفعله والتزامه وتفانيه وإخلاصه.
أما آن لنا عباد الله أن نصغي السمع إلى قول الله تعالى: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين؟”، فالجواب على هذا السؤال أن نقول:لا أحدَ أحسنُ من هذا الذي يدعو إلى الله تعالى، ولا قَوْلَ أحسن من قوله،وهذا مدح من الحق سبحانه يمدح منزلة الدعوة إليه ويجعلها أحسن ما يقول الإنسان.
فالمؤمن الصادق في إيمانه يصنع الخير لنفسه وللناس، ذلك لأن خير الناس عائد إليه، كما أن شرَّهم يناله منه نصيب، فمن مصلحتك أيها المؤمن أنْ يؤمن الناسُ، ومن مصلحتك أيها المستقيم على الجادة أنْ يستقيم الناسُ، لذلك حمَّل الله أمانة الدعوة إليه لكل مؤمن.
ولقد حثَّنا رسولنا المصطفىﷺ على حمل هذه الأمانة ورغَّبنا فيها حين قال ﷺ: “نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فرُبَّ مُبلَّغ أوْعَى من سامع”.
ولنعلم أن أول داعية إلى الله هو سيدنا رسول الله ﷺ، وكل داعية من بعده يأخذ من معينه ﷺ ويسير على خُطاه، ولما كان ﷺ هو آخر الأنبياء فقد ترك لأمته هذه الرسالة، رسالة الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فخيْر رسول اللهﷺ لم ينقطع، بل ممتد في أمته من بعده، ومن رحمة الله بهذه الأمة أنْ جعل لها رادعاً من نفسها، جعل فيها فئة باقية على الحق تُقوِّم المعْوج، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وسوف تظل هذه الفئة إلى يوم القيامة، لذلك جاء في حديث سيدنا رسول الله ﷺ: ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَنْ خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”.
وهذه خاصية اختصَّ الله بها أمة سيدنا محمدﷺ، لأنه خاتمُ الرسل؛ لذلك لن يعم الشرَّ والفساد هذه الأمة، ففيها حصانة من ذاتها،ولقد كانت الأمم السابقة يستشري فيها الفساد حتى يعمَّها، فلا يكون فيها آمر بمعروف ولا ناهٍ عن منكر، وعندها كان لا بدَّ من إرسال رسولٍ جديد، يعيد الناس إلى الطريق المستقيم، لذلك يقول النبي ﷺ:”الخيرُ فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة”، أسأل الله عز وجل أن نكون من هذه الطائفة الخيرة، أمين أمين أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، إن من مهماتنا الأولى التي غفلنا عنها في هذه الأيام هي دعوة غيرنا إلى تعاليم دين الإسلام، والتعريف بها بقلب متحرق صادق لله عز وجل على شتى المستويات وبكل الطرق والأساليب، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة وابتغاء وجه الله تعالى.
وأول عناصر الدعوة إلى الله تعالى أنْ ندعوَ إلى العقيدة أولاً وإلى الإيمان بالله، أن نقول: ربنا الله، نُقِرُّ بها ونعلنها خالصةً بلا تردد، ثم نلفت الغير إلى آيات الله في الكون إنْ كانوا لا يتأملونها، وإلى آيات المعجزات المصاحبة للرسل عليهم الصلاة والسلام إنْ كانوا لا يعلمونها، ثم إلى آيات الذكر الحكيم التي تحمل منهج الله بالأمر والنهي.
والدعوة إلى الله مجال واسع يكون بالقول وبالفعل وبالقدوة الحسنة، ويكون ببيان العقائد والعبادات والأحكام للناس بأسلوب شيق ممتع جذاب، لا يُنفِّر الناس، ولا يذهب بهم إلى يأس أو قنوط من رحمة الله، والدعوة إلى الله فَنٌّ، اقرأوا وتأملوا قوله تعالى يخاطب نبيه ﷺ:”وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك”، وقوله:” ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَن”.
وفي الختام، اعلموا عباد الله أن دين الإسلام لم ينتشر بحدِّ السيف وبالقوة كما يدعي البعض،وإنما انتشر بسيرة المسلمين الطيبة، وما تحلَّوْا به من أخلاق وقيموتسامح وحُبّ الآخرين، ولنا في هؤلاء العظام قدوةالدعوة إلى الله تعالى بالقول ثم بالفعل،وقدوةَ الفعل أعظمُ أثراً في النفوس من قدوة الكلام.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا للالتزام بدينه السائد، وأن يجعلنا من العاضين عليه بالنواجد، والداعين إلى عبادة الإله الواحد، بإخلاص وتفان رغم أنف كل مستكبر جاحد، أمين، والحمد لله رب العالمين.