الدخول المدرسي

د/عبد الهادي السبيوي

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وأمره بالقراءة والتعليم طلبا للهدى والبرهان، سبحانه العليم الحكيم، (يعلم ما في السماوات وما في الأرض
ويعلم ما تسرون وما تعلنون، وهو عليم بذات الصدور(،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بعثه الله معلما، وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا،عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدي.،
أما بعد،
أحبتي في الله أيها المؤمنون
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون أول آية نزلت على قلب رسول الله ص، بل أول آية سمعتها أذنه عليه الصلاة والسلام، هي الأمر بالقراءة، قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة القراءة والتعلم في ديننا الحنيف.
وها هو الموسم الدراسي قد انطلق ، موسم القراءة والتعلم ، موسم التعبئة العامة المتجددة كل سنة للآباء والأمهات والأولياء، تعبئة رعاية وتربية وتعليم فلذات الأكباد، جيل المستقبل ورجال الغد، وأمل الأمة، وإنها لرسالة جليلة سامية، تقع على كاهل الأمة والمجتمع والأسر، من أجل إعداد الناشئة لمستقبل لا يرحم من لا يأخذ بما تقتضيه ظروف العصر من أسباب العلم النافع، والتربية القويمة، والسلوك الحسن، لإسعاد الأمة ورفع مختلف التحديات.
إخوة الإسلام، إن أثمن كنز يورثه الآباء للأبناء، وأنفس ذخر يضمن مستقبلهم ويعلي شأنهم، إنما هو التعلم، وإن من حق الطفل على أبويه أن يسهرا على تعليمه ويهتما بتكوينه، ويوجهاه التوجيه السديد السليم ليصبح مواطنا صالحا، يشرف أسرته، وينفع وطنه. فعلى الأمهات والآباء والأولياء استشعار أهمية ودور الأسرة باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح، كما تؤثر في سيرورتهم الدراسية والمهنية، لأن الأسرة هي البيئة التعليمية العظيمة التي يفتح عليها الطفل عينيه، ويقضي فيها السنوات الأولى من عمره، فيكون أكثر استعدادا للتأثر، لذلك ينبغي أن تكون الأسرة في مستوى الإدراك العميق لهذه المرحلة لتستغلها أحسن استغلال في التأديب والتوجيه وغرس القيم النبيلة، قال تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)، فالطفل يولد صفحة نقية، ويتشكل بحسب ما يحيط به ويؤثر فيه، ومسؤولية الأسرة هنا عظيمة، ولا تنتهي بتسليم الطفل إلى المدرسة، بل هي مستمرة حتى ينهي الطالب ما يطيقه من مراحل الدراسة بنجاح.
أحبتي في الله ،
إن المدرسة والأسرة مؤسستان تربويتان لا بد من تعاونهما لتعطي التربية ثمارها، فكما يحرص الآباء على إطعام أبنائهم وكسوتهم، عليهم أن يحرصوا على تربيتهم وتعليمهم، لقد فتحت الدارس أبوابها لاستقبال أبنائكم وبناتكم، فأكرموهم بالعلم والمعرفة، ولننخرط جميعا، أيها الإخوة الأفاضل أيتها الأخوات الفاضلات للننخرط في الجهود المبذولة لتفعيل المقتضيات المتعلقة بإجبارية التعليم إلى حدود خمس عشرة سنة، وذلك بتسجيل أطفالنا وبناتنا البالغين سن التمدرس في المدرسة، وتتبع مسارهم الدراسي والتصدي بما يلزم من الصرامة لظاهرة الانقطاع الدراسي، وبذل مجهود خاص لتشجيع تمدرس الفتيات في القرى والبوادي.
وإن أعظم جناية ترتكب في حق الأبناء والبنات أن يحرموا من الدراسة والتعليم، وان يجبروا على التعاطي للحرف والمهن أو الاشتغال في البيوت وهم في زهرة العمر وسن التمدرس والتعلم.

أيها الإخوة المؤمنون، إن العملية التربوية عظيمة الشأن، جليلة القدر، خصوصًا في هذا الزّمنِ الذي تَلاطمَت فيه أمواجُ الفتن، واشتدَّت غربةُ الدين، وكثُرت فيه دواعي الفساد، حتى صار المربِّي مع أولاده كراعِي الغَنَم في أرضِ السّباع الضارية، إن غفَل عنها أكلَتها الذئاب لذلك فإن النهوض بها لا يقع على عاتق المدرسة والآباء والأمهات والأولياء فحسب، بل هي عملية تتدخل فيها كل مكونات المجتمع ومؤسساته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالتربية والتوجيه والإرشاد، رسالة تتطلب تظافر جهود الجميع من أجل إعانة المدرسة على الاضطلاع بوظيفتها على أكمل وجه.
احبتي في الله ،
إنَّ التربيّةُ والتعليم في حقيقتِه هو صناعةُ الأجيال وصياغةُ الفكر وتشكيلُ المجتمع وتأهيلُه وتوجيهه، إنها وظيفة صناعة الرجال، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، وتحقيق أهداف كل العلوم؛ ليكون الإنسان قادرًا على حسن المسيرة في هذه الحياة وفق أهدافه النبيلة وغاياته السامية. وكلُّ الأمم والدوَل مهما كانت غنيّةً أو فقيرة متقدِّمةُ أو متخلّفة تدرِك أهمية التربية والتعليم ، وبالتالي فهي تسعى بما تستطيعُ لترسيخِ مبادئِها وأهدافِها عن طريقِه ، وتعتبر ذلك من خصوصيّاتها وسيادتِها وسماتها التي لا تساوِم عليها.
فالعلم احبتي في الله سبيل الوصول إلى رضا الله تعالى ، العلم نبراس يضيء للناس طريقهم لقد رغب الشارع الكريم في طلب العلم والحث عليه ، ووعد على ذلك بعظيم الأجر ، وجزيل الثواب ، قال تعالى : ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ” [ الزمر ] ، وقال تعالى : ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعلمون خبير ” [ المجادلة ] ، فانظروا كيف أن منزلة طالب العلم ، أعلى المنازل ، وأشرف المنايا ، وأعظم الدرجات ، التي يتمناها العبد .أيها الآباء والأمهات! ما أحسن الاستعداد للعام الدراسي الجديد بشراء الكتب والملابس والأقلام وغيرها من الأدوات! لكن الأكثر حسنًا وأحسن عاقبة أن نردف الاستعداد المادي بالاستعداد المعنوي والنفسي للمدرسة، المتمثل في غرس حب المدرسة، وحب التعليم والمعرفة وحب الوطن ، وتوضيح الأهداف من التعليم للأبناء والطلاب؛ وأنه ليس للنجاح في الاختبارات، والحصول على الشهادات، والتربع على كرسي الوظائف والمسئوليات فقط، نعم هذه من الأهداف، ولكن هناك أهداف قبلها أشرف وأغلى وأعلى وأكبر منها، ألا وهي تربية الذات، وكسب العلم والمعرفة لإرضاء خالق الأرض والسموات، فعلى الآباء والأمهات غرس الأهداف الكبرى في نفوس الأبناء؛ لأن الذي لا يعرف الهدف من التعليم، ولا يملك الوضوح في الرؤية، فهو ضائع حائر.
نسأل الله أن يوفق الجميع، وخصوصا رجال التعليم ، في القيام بمسؤولياتهم، وأداء واجباتهم، وأن يرزقهم الإخلاص والصواب في العمل، والنصح في التوجيه، والعمل بروح الفريق الواحد كخلية النحل، وأن يجنبهم الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، فالأصل في المجتمع المسلم أنه مجتمع متراحم متماسك، فكيف بمن هم النخبة في المجتمع؟ “تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” رواه البخاري.
نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من مفاتيح الخير، وأن ينفعنا وينفع بنا، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله العالم بالبواطن والظواهر، المطلع على جليل الأمور ودقيقها، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه الراجي أن يكون أخشانا لله، وأعلمنا بما يتقي، وعلى آله وأصحابه الركع السجود، ومن تبعه على الحق والهدى إلى يوم الحشر والتناد.
أيها المؤمنون، يقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، في هذه الآية الكريمة يأمرنا الله تعالى أن نتعاون فيما بيننا على البر وفعل الخيرات، وإن من أعظم وجوه البر والتعاون، مساعدة الأسر العاجزة عن الوفاء بمتطلبات الدخول المدرسي، وهذا يفرض، من واجب التضامن والتآزر بين شرائح المجتمع، قيام من أفاء الله عليه من خيره وفضله بأعمال اجتماعية إحسانية لصالح التلميذات والتلاميذ المعوزين لتيسير تمدرسهم، كتوزيع الحقائب المدرسية والألبسة، ودعم الداخليات والمطاعم المدرسية ودور الطالب والطالبة، وتعزيز خدمات النقل المدرسي خاصة بالوسط القروي، وهذا لعمري من تنفيس الكرب وإدخال السرور على النفوس امتثالا لقول الرسول الأكرم ص: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة”.
عباد الله، إن أبناءنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، وسنحاسب لا محالة على كل تفريط لا قدر الله في تربيتهم وتعليمهم، فلنقدر جميعا هذه الأمانة حق قدرها، ولنستحضرها في كل وقت وحين.

وصلوا وسلموا على النبي المجتبى ورسول الهدى محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه وتعالى- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْـــــــهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْـــــــدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَـــــــــــةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَـــــلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهـــــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحـــــب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله واحفظه في ولي عهـــــــــده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأســـــــــــرة العلوية الشريفة .
اللهم وفق أبناءنا التلاميذ والطلبة في دراستهم ، وارزقهم الصبر على مرارة التعليم والتعلم، وسدد خطاهم.
اللهم اشرح صدورهم ويسر أمورهم. . وذكرهم إذا نسوا. وافتح عليهم واجعل التوفيق حليفهم في دينهم ودنياهم،اللهم ثبت أقدامهم ، وأنزل السكينة فى قلوبهم و علمهم اذا جهلوا ، واكتب لهم النجاح في الدنيا وفى الآخرة.
اللهم وفق أبناءنا للعلم وتحصيل العلم واجعل كل عسير عليهم يسيرا و ارزقهم النجاح في كل أمر …والنيل لكل مقصد .. و ارزقهم القمة في درجات العلم ..واغدق بكرمك عليهم بكل نجاح…وكل صلاح…وكل فلاح .. واجعلهم من الصابرين في كل ابتلاء و الصامدين لكل عداء …اللهم اجعل دراستهم ومعاناتهم تتوج بالفوز بعد كل عناء
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم اجمع كلمة المسلمين، واجمع قلوبهم على التوحيد والقرآن، اللهم فرج هم المهمومين، وفك أسر المأسورين والمسجونين، واشف مرضى المسلمين، وارحم الأحياء والميتين.اللهمَّ أستر عوراتنا وأقبل عثراتنا، وأحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن يميننا وعن شمالنا،ومن فوقنا ومن تحتنا، ولا تجعلنا من الغافلين.اللهمَّ إنا نسألكَ الصبر عند القضاء، ومنازل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء، ومرافقة الأنبياء.يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *