الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة

الأستاذ مولاي يوسف بصير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، الحمد لله الذي أكرم نبينا بالمعجزات، وأيده بالبراهين الساطعات، أكرم سيدنا محمدا وأمته ليلة الإسراء والمعراج بفريضة الصلاة، نحمده تعالى ونشكره على ما أسبغ علينا من خيرات، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو خالق الأرض والسماوات، جعل الصلاة لنا ذخرًا وزادًا، سبحانه توحد بالعبودية فلا شركاء له ولا أندادًا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الخاتمُ للرسل والرسالات، أكملُ الأمة إيمانًا وصلاة وأعظمُها عبادة وجهادًا، تلقى من ربه ليلة الإسراء والمعراج فريضة الصلاة هدية له ولأمته في اليوم والليلة خمسة أوقات، ﷺ صلاة وسلامًا تامين متلازمين لا نحصيهما أعدادًا، وعلى آله وأصحابه إلى يومٍ يُبعث الناس زرافات وفرادًا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المؤمنات، في الجمعة الماضية تناولنا الحديث عن فريضة الصلاة التي كانت ثمرة من ثمار معجزة الإسراء والمعراج، باعتبارها  معراجا روحانيا لكل مسلم خمس مرات في اليوم والليلة يقف بين يدي ربنا سبحانه وتعالى كما وقف حبيبنا المصطفى قاب قوسين أو أدنى من ربنا عز وجل، ويناجيه كمناجاة سيدنا رسول الله ﷺ عند سدرة المنتهى، ويتلقى من ربه هدية الكريم بقبول مناجاته، واستجابة دعائه،  وذكرنا بأن فريضة الصلاة اشتركت فيها جميع الشرائع السماوية السابقة، جاء ذكرها والتنصيص عليها في كثير من الآيات، وهي دليل على رسوخ الإيمان لمن حافظ عليها في أوقاتها، وأداها بما يليق بإقامتها من خشوع وطهارة، قال الله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ”، قال ابن رجب: “وأصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، لأنها تابعة له”، وبهذا المعنى فسر سيدنا علي بن أبي طالب  (ض) الخشوع في الصلاة فكان يقول: “هو الخشوع في القلب، وأن تُلين كَنفَك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك يمينًا ولا شمالًا”، فمنزلة الخشوع من الصلاة كمنزلة الرأس من الجسد، فالذي يجعل الصلاة مرتعًا للتفكير في أمور دنياه، ومحلًا للهواجس في مشاغله، قلبه في كل وادٍ، وهمه في كل مكان، يختلس الشيطان من صلاته بكثرة التفاته وعبثه بملابسه ويده ورجله وجوارحه، وربما أخلّ بطمأنينتها، ولم يع ما قرأ فيها، فيُخشى أن تُردَّ عليه صلاته، أيها المؤمنون، إن المصلي حقًا هو من يقيم الصلاة كاملة الفرائض والأركان، مستوفيةَ الشروط والواجبات والآداب، يستغرق فيها القلب، ويتفاعل من خلالها الوجدان، ويحافظ عليها محافظة تامة قدر الطاقة، يبعثه على ذلك قلب يقظ، وشعور صادق، وإحساس مرهف، وضمير حيّ، فينصرف بكليته إلى الصلاة، لأن الخشوع فيها إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عمّا عداها، وآثرها على غيرها، حكي عن مسلم بن يسار أنه كان يصلي في مسجد البصرة، فسقط حائط المسجد ففزع أهل السوق لهزته فما التفت، ولما هُنِّئ بسلامته عجب وقال: ما شعرت به، أيها الإخوة المؤمنون، ما بالنا لا نتلذذ بالصلاة، ولانجني الثمار التي تثمرها هذه الفريضة العظيمة التي قال الله تعالى عنها: “”تْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ اَ۬لْكِتَٰبِ وَأَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ إِنَّ اَ۬لصَّلَوٰةَ تَنْهيٰ عَنِ اِ۬لْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اُ۬للَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”، فأيننا نحن من أخلاق الصلاة التي لا نكاد نرى لها أثرا داخل المساجد، فبالأحرى في أحيائنا وشوارعنا ووظائفنا ومعاملاتنا، فنحن نؤدي الصلاة ولكن لا أثر لها في حياتنا، ولا ثمرة لها في واقعنا وتغيير أحوالنا، وتحسُّن مناهجنا، وصلاح سائر جوانب حياتنا، لماذا نصلي ولا تُرى آثار الصلاة علينا؟ ولعل الجواب عن هذه التساؤلات يتجلى في أننا نصلي صلاة صورية عادية، نخل بلبها وروحها وخشوعها، نصليها جسدًا بلا روح، وبدنًا بلا قلب، وحركاتٍ بلا مشاعر وأحاسيس، فتصبح صلاتنا مرتعا للوساوس والهواجس، فلا نجني ثمارها، ويزداد حالنا سوءا، وإصرارا على اقتراف الذنوب والمعاصي والمنكرات ، وسيِّئ الفعال، وقبيح الخصال، وأكل للحرام، وتعسُّف في الأخلاق، واجتراح للسيئات، وإصرار على المعاصي، نسأل الله تعالى السلامة والعافية، وأن يردنا إليه ردا جميلا،  أيها الإخوة المؤمنون، أخرج الإمام مالك وغيره من حديث سيدنا عبادة بن الصامت (ض) أن  حبيبنا محمدا ﷺ قال: “خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان على الله عهدٌ أن يغفر له”، وأكثروا من التوبة والاستغفار، فإن الله يحب التوابين والمستغفرين والمنيبين وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفى الأمين، وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، لا يكفي أن نصلي، لأننا مأمورون بإقامة الصلاة، ولإقامتها لا تكون إلا بتحقيق أركانها من طهارة وصدق توجه مع الخشوع وحضور القلب، لتثمر الصلاة ذلك المعراج الروحي الذي تكلمنا عنه في خطب سابقة، حتى تكون الصلاة غذاء للقلوب، وزادا للأرواح، وتكون راحة وقرة عين لمن يؤديها  كما كانت لحبيبنا محمد ﷺ الذي قال: “وجعلت قرة عيني في الصلاة”، وكان ينادي بها مؤذنه بلال ابن رباح فيقول له ﷺ: “أرحنا بها يا بلال”، أيها المؤمنون، أخرج الإمام مالك وغيره عن هشام بن عروة ، عن أبيه، أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب (ض) من الليلة التي طعن فيها . فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر  نعم،  ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . فصلى عمر، وجرحه يثعب دما” .فاللهم اجعلنا ممن قلت فيهم وقولك الحق: “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ”، فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا عِظَمَ قدر الصلاة، واحرصوا عليها رحمني الله وإياكم، وأكثروا من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين، الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *