الحقوق المشتركة بين المسلمين في جزئها الثالت
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، فكان خير رسول أرسل إلى الناس كافة، بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمع الماضية تحدثنا بإجمال عن الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي جعلها الله تعالى ورسوله سببا لدوام الأخوة والوحدة بين المسلمين، وتوطيدا لرابطة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين الناس أجمعين، تأكيدا لقول رب العالمين، في كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، انطلاقا من حديث سيد المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”،
وذكرنا منها حق رد السلام وبيننا ما فيه من الفضائل والأجور، وديمومة المحبة بين المسلمين من خلال إفشاء السلام ورده،
واليوم أيها الإخوة المسلمون والمسلمات، نريد أن نلفت النظر إلى مواضع ذكر العلماء أنه لا يشرع فيها رد السلام، ولا ينبغي للمسلم أن يلقي فيها السلام على من لقيه، وهي إثنان وعشرون موضعا، استنبطوها من استقرائهم لسنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقاسوا عليها مثلها وهي كالتالي:
المشتغل بالصلاة، فيحرم على المصلي أن يرد السلام وهو في الصلاة لفظا وتبطل به، ويكره إشارة لما فيها من الخروج عن الخشوع في الصلاة الذي هو فرض فيها، وإن رد عليه بعد السلام فحسن، أخرج النسائي من حديث ابن عمر، قال: “دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه فدخل عليه رجال يسلمون عليه فسألت صهيبا وكان معه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه قال كان يشير بيده”،
ويكره رد السلام على المشتغل بالأكل أوالشرب لئلا تحدث له غصة برده للسلام،
ويكره رد السلام على المشتغل بالقراءة أو الأدعيه أو الذكر لما فيه من تفويت التتبع وقطع حبل التركيز فيما هو منشغل به،
ويكره رد السلام على المشتغل بالخطبة والوعظ، إذ الأدب هو أن يجلس حيث انتهى به المجلس ويشتغل بالإستماع والإنصات لئلا يشغل الواعظ والخطيب وكذا من يستمع لهما في غير خطبة الجمعة، أما خطبة الجمعة فيحرم الكلام فيها، والسلام أثناءها على الخطيب وعلى المأمومين لا يجوز، ويكره رد السلام على المشتغل بالتلبيه،
ويكره رد السلام أيضا على المشتغل بقضاء حاجته من بول أو تغوط جاء في سنن النسائي: عن المهاجر بن قنفذ: أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ فلما توضأ رد عليه. وفي حديث جابر بن عبد الله أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك”،
ويكره رد السلام أيضا على المشتغل بالإقامة أو الأذان لما في رد السلام من قطع لما هما فيه، ويكره رد السلام على السكران، والمجنون وكذا الطفل أو شابة غير عجوز يخشى بها افتتان فإن سلمت شابة على رجل رده عليها، وإن سلم لم ترد عليه، وعن عطاء الخراساني يرفعه قال: “ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام”، ولعل أهل العلم أخذوا النهي عن السلام على الشابة من النهي عما يمكن أن يكون سببا للفتنة، قال ابن الجوزي : المرأة لا تسلم على الرجال أصلا،
ويكره أيضا رد السلام على الفاسق أو الناعس أو النائـم، ويكره رد السلام على المشتغل بالقضاء بين المتخاصمين أو في حالة الجماع، وأخيرا يكره رد السلام على المستحم في الحمام. جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، من خلال ما سمعتم يتقرر أن رد السلام الذي هو أحد الحقوق المشتركة بين المسلمين واجب على المسلمين ، ولكنه يكره في المواطن التي ذكرنا، أجملها أحد الفقهاء نظما في قوله:
رد السلام واجب إلا على ** من في الصلاة أو بأكل شغلا،
أو شرب أو قراءة أدعيه ** أو ذكر أو في خطبة تلبيه،
أو في قضاء حاجة الإنسان ** أو في إقامة أو الأذان،
أو سلم الطفل أو السكران ** أو شابة يخشى بها افتتان،
أو فاسق أو ناعس أو نائـم ** أو حالة الجماع أو تحاكم،
أو كان في الحمام أو مجنونا ** فهي اثنتان قبلها عشرونا.
كل هذه المواضع ينبغي على المسلم مراعاتها، فلا يلقي فيها السلام جهرة، وإنما يسرها في نفسه، مراعاة لحال الآخرين ولظروفهم، فهذا هو الذوق الإسلامي، والأدب الإسلامي الذي ينبغي إشاعته بين الناس.
فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
الدعاء…