الحقوق المشتركة بين المسلمين: حق الطريق اليوم الوطني للسلامة الطرقية

الحقوق المشتركة بين المسلمين: حق الطريق اليوم الوطني للسلامة الطرقية

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله ربّ العالمين، أمر بالإحسان والتعاون على البرِّ والتقوى، ونهانا عن الإساءة والأذى، وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق والهدى، وبين لأمته ما عليها من الحقوق وأمرها ببذل المعروف وكفّ الأذى، فقال: “من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه لعنتهم”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الممتثلين لأوامره، والواقفين عند حدوده، المخاطبين بقوله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والجلوس في الطرقات”، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه”، قالوا: وما حقه؟ قال: “غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية تكلمنا عن جزء من الحقوق المشتركة بين المسلمين خاصة وبين الناس عامة، والذي يتعلق بحق الطريق، وهي غض البصر، وكف الأذى، ومن محاسن الصدف أننا نعيش في هذا الأسبوع الذي بين يدينا، حدثا وطنيا، يتعلق بالطريق، وبمراعاة حق بينه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وهو تخليد المملكة المغربية في 18 فبراير من كل عام لليوم الوطني للسلامة الطرقية، وهذا التخليد يأتي متماشيا مع الجزء الأخير الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ” والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، أيها الإخوة المؤمنون، إن الإسلام يوصي الإنسان بنفسه وصحته وسلامته، كما يوصيه بغيره من الناس فلا يعتدي عليهم ولا يؤذيهم بأي نوع من الإذاية، ولذلك حرم الإعتداء على الأنفس البريئة عمدا أوتهاونا وتفريطا. ومن صور هذا الإعتداء ما نعيشه يوميا من حوادث سير قاتلة، تودي بحياة الأبرياء، وتخلف جرحى ومعطوبين وأرامل ويتامى، إنها حرب فظيعة ضروس، أصبحت تنذر بهول خطير وشر مستطير، يدفع تكاليفها المواطن والدولة على حد سواء، وهي فرصة سانحة لإنخراط الجميع في القيام بواجب كل وتحد منا بدوره في التوعية بمخاطر هذه الآفة، وضرورة تغيير سلوك السائقين في الطرقات،  ومجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  المتعلق بحق الطريق، هو أن يعلم كل منا بأن الله عز وجل الذي هو أرحم بنا من أنفسنا وهو أرحم الراحمين، من رحمته  بنا أنه نهانا وحذرنا من أن يهلك بعضنا بعضا، أو يقتل أحدنا نفسه أو يوبقها ويوقعها مواقع الهلاك، حين قال عز وجل: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا، وكان ذلك على الله يسيرا”، وقد قال المفسرون إن المقصد العام من هذه الآية الكريمة هو النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا، أو أن يحمل الإنسان نفسه على خطر ربما مات هو بسببه، والتعبير عنه بقتل النفس للمبالغة في الزجر ، وقال جل وعلا: “وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”. وقد أخبر الله عز وجل أن عاقبة المعتدي والظالم لنفسه ولغيره من الناس دخول نار وقودها الناس والحجارة، وأن الله تعالى قادر على كل شيء لا يعجزه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر فقال تعالى: “ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا”، وقال عز من قائل: “ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”، فهذا حكم الله تعالى في القتل  العمد، وهو من أعظم الجرائم في نظر الإسلام، ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد، أخرج ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن”، أيها المسلمون، إن ما نشاهده ونسمعه ونعيشه في بلادنا من الفواجع والمآسي الناتجة عن حوادث السير التي تسفر كل يوم عن عدد من الضحايا ما بين قتيل وجريح، لمما يغضب الله ورسوله، وإن وقع هذه الحوادث لمؤلم للأمة كلها وعلى رأسها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، أعز الله  أمره، الذي  يشفق على أفراد شعبه، ويواسيهم، ويقاسم أسر الضحايا وذويهم الألم والحزن والأسى. إن حوادث السير -معشر المؤمنين- تحصد أرواحا زكية في لحظة واحدة، نتيجة التهور في السياقة وعدم مراقبة أو صيانة المركوب، وتتزايد هذه الحوادث يوما بعد يوم وكأن ما عاشته الأمة في هذه الكوارث من المآسي والآلام والفواجع والنكبات غير كاف ليردع السائقين ويحد من طيشهم واستهتارهم، فليقدر كل واحد منا مسؤوليته في هذه الكوارث، ولينظر كل واحد منا، وإن لم يكن مسؤولا عن حوادث السير، كيف يمكن أن يسهم في القضاء عليها، أو الحد منهولها على الأقل، وفي ذلك جزيل الأجر وعظيم الثواب، وليعلم كل من يخل بمسؤوليته، سواء كان سائقا، أو مراقبا، أو مكلفا بالصيانة، أو غاضا الطرف عن التجاوزات والمخالفات، أنه مشارك مباشرة في إزهاق تلك الأنفس، وجرم ذلك عند الله عظيم، وليعلم كذلك أرباب وسائل النقل العمومي بصفة عامة، وأرباب الحافلات والشاحنات بصفة خاصة، أشخاصا ذاتيين كانوا أو معنويين، أن سلامة المواطنين أمانة في عنقهم، وسيسألون عنها أمام الله، لذلك يجب عليهم أن لا يعهدوا بهذه الوسائل إلا لمن يأنسون فيهم قدرا كبيرا من الشعور بالمسؤولية، وكامل القدرة على رعاية هذه الأمانة، واستحضارها في كل وقت وحين، وأن ينتعوهم بقسط من الراحة بعد كل فترة عمل، حفاظا على أرواح الناس. أيها المؤمنون، إن الشريعة الإسلامية، صيانة للنفس الإنسانية، شرعت من الأحكام ما يكفل سلامتها، ويحفظ أمنها وحرمتها، ولبلوغ هذا الهدف وضعت التشريعات والأنظمة والضوابط، وأصبح الإلتزام بها واجبا شرعيا لا يجوز انتهاكه. أيها الإخوة المؤمنون. إن ديننا الحنيف يلزمنا بالإحسان إلى كل الناس، وبأن نعمل وسعنا لحماية الأرواح، لأن لها عند الله حرمة عظيمة لا يجوز العدوان عليها، فلنستشعر المسؤولية أمام الله وأمام خلقه، ولنتجنب الأسباب المؤدية إلى حوادث السير وهي كثيرة ومتعددة، وقد ترجع في معظمها إلى صلاح الإنسان أو فساده، وفطنته وغباوته، فالتهور واللامبالاة أصبحتا سمة عامة عند غالبية الناس، راجلين أو سائقين على السواء، رغم القوانين الزجرية، والتنظيمات الطرقية الصارمة، التي لو عمل الناس بها لنجوا ونجوا جميعا. وقانا الله وإياكم شرور أنفسنا، وأجارنا وإياكم من عذابه المهين، وجعلنا وإياكم ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون، إن خطب يوم الجمعة، ومواعظ العلماء، إنما تلقى ويبلغ ما فيها من أحكام الدين بهدف العمل بها، ونسأل الله ألا يجعلنا ممن قالوا “سمعنا وعصينا”، وممن جاء فيهم قوله تعالى: “وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا”، ذلك لأن المطلوب في الموضوع الذي نحن بصدده، وهو حوادث السير، هو أن نرى أثر المواعظ في العمل على تجنب هذه الجرائم، وهي جرائم فعلا إذا ارتكبت بسبب التهاون والتفريط، فعلى كل واحد منا، أصلحكم الله، أن يفكر ابتداء من هذه الساعة في العمل الذي يمكن أن يقوم به شخصيا للقضاء على حوادث السير، وأن يجعل هذا العمل من همومه، فلا شك أنه سينتبه إلى تغيير شيء في سلوكه أو سلوك غيره، وليبلغ الشاهد الغائب، أيها المؤمنون، من جهة أخرى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تخبر المواطنين المنتقين بواسطة القرعة لأداء مناسك الحج لعام 1440 بأن التاريخ المخصص لأداء مصاريف الحج ستمتد من يوم الإثنين 18 فبراير 2019، إلى غاية يوم الجمعة فاتح مارس، وستكون دفعة واحدة سواء بالنسبة لتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أو تنظيم وكالات الأسفار السياحية المرخص لها بتنظيم الحج.الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 9 جمادى  الثانية  1440 موافق 15 فبراير 2019

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *