الحب في الله
الحب في الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له. هو اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أي ليس له شبيهٌ ولا مثيل. هو الله الواحدُ الأحدُ الذي رفع السماءَ بلا عمدٍ وأنزل القرءانَ على سيدنا محمد، هو الله القادر على كل شيء ولا يعجزُه شيءٌ أبدا، هو الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، اللهم صلِّ على سيدنا محمد الداعي إلى الخير والرشاد، الداعي إلى التباذلِ والتناصح والتزاورِ والتحابِّ في الله. اللهم صل على سيدنا محمد سيّد الأنبياء والمرسلين وسلِّم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.
أما بعد ،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القديرِ القائلِ في محكم كتابه:[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] {الحجرات:10}
إخوةَ الإسلام، يا إِخوَتِي في الله، إنَّ من أعظمِ ما يَكتَسِبُهُ الإنسانُ في الحياةِ الدُّنيا وأنفَعِهِ في الآخرةِ محبّةَ المُسلم لأخيهِ المُسلِم، المحبّةَ التي فيها التّعاونُ على ما يُرضِي اللهَ، وليسَ المرادُ التّحاب على الهوى،
فهذه المحبةُ التي فيها التعاونُ على ما يُرضي اللهَ يكونُ صاحبُها في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ ذلكَ اليومَ الذي ليس فيه بيتٌ ولا جبلٌ ولا شجرٌ ولا كهفٌ إنما يُظِلُّ المؤمنَ في ذلك اليومِ عملُه الصالح. ومن جملة العملِ الصالحِ الذي يُظِلُّ صاحبَهُ في ذلك اليومِ التحابُّ في الله، محبةُ المسلمِ لأخيه في ما يُرضي اللهَ تباركَ وتعالى.
والحبُّ في الله من أصولِ الإيمانِ عندَ أهلِ السنة, وهو عملٌ قلبيٌّ اعتقادي, يَقوى ويزدَاد بقدرِ ما في القلبِ من إيمانٍ صادق, ويقين راسخ, ففي حديث البراء بن عازب , عن رَسُولِ اللَّهِ قال: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ». وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أنه قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ».
والحبُّ في اللهِ هو حُب صادق يَكون بين من اجتمعت قلوبهم على الإيمان بالله وبرسولِهِ, هذا الحبُّ يوَلد حلاوة الإيمان في قلوب المُتَحَابَّيْن, ففي الحديث: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ».
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:”مَن أحب إنسانًا لكونه يعطيه، فما أحب إلا العطاء، ومَن قال: إنه يحب من يعطيه لله، فهذا كذب، ومحال، وزور من القول، وكذلك مَن أحب إنسانًا لكونه ينصره، إنما أحب النصر لا الناصر، وهذا كله من اتباع ما تهوَى الأنفس، فإنه لم يحب في الحقيقة إلا ما يصل إليه من جلب منفعة أو دفع مضرة، فهو إنما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة، وليس هذا حبًّا لله ولا لذات المحبوب، وعلى هذا تجري عامة محبة الخلق بعضهم مع بعض، لا يثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم، بل ربما أدى هذا للنفاق والمداهنة، فكانوا في الآخرة من الأخلاَّء الذين بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وإنما ينفعهم في الآخرة الحب في الله ولله وحده، وأما من يرجو النفع والضر من شخص، ثم يزعم أنه يحبه لله، فهذا من دسائس النفوس ونفاق الأقوال”[21].
عباد الله:
الحب في الله, يكون بقدر ما في قلوب المؤمنين من إيمان, وما على سلوكِهِم من تقوى, وما على جوارِحِهم من طاعة قال بعض السلف:«أَحِبَّ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ تَقْوَاهُمْ». فالمؤمن الصادِق مع اللهِ يرى أنّ المعيار الحقيقي لمحبته للمؤمنين هو ما في قلوبِهِم للهِ ولدينِه ولرسولِه فيحبهم ويواليهم وينصرهم ويدعو لهم, لإيمانهم واستقامتهم, ولا يخضع هَذا الحب للمصالِحِ والمنافع. لكن في هذا الزمان اختلت عند بعض الناس الموازين الدينية, والمعاييرُ الإيمانية, فَصَار حبهم وبُغضُهُم على مقاييس الدنيا, وتبادل المصالِحِ والمنافِع, فمن يَنفعُني في دنياي أُحِبُّه ولو كان أفسقَ فاسق, وأعصى العصاة, ومن لا يَنفَعُني ولا أستفيد مِنه في دنياي لا أحبه, ولا أهتم بِهِ, ولا ألتفِتُ لَه, ولو كَانَ رجلاً صالِحاً مصلحاً, وهذا خَلل عقائدي كبير, أنْ تدور المحبة على المصلحة وجودا وعدما عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَحِبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغِضْ لِلَّهِ، وَعَادِ فِي اللَّهِ، وَوَالِ فِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وِلَايَةُ اللَّهِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ مُؤاخَاةُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مَا لَا يُجْزِئُ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». والمعنى, أن كُل صَدَاقَة ومحبة لِغَيْر الله فَإِنَّهَا تَنْقَلِب يوم القِيامَةِ عَدَاوَةً إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدوامه. قال تعالَى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.
. فاتقوا الله عباد الله, وَلْنُعِدِ النظرَ في علاقاتِنَا مع بعضنا, وفيمن يستحِقُّ حُبَّنَا, ومودّتَنَا. واستمعوا رحمكم الله لهذا الأثر, عن ابنِ عُمَر t قَالَ: «واللهِ لو قُمْتُ الليلَ لَاَ أَرقُد، وَلَو صُمْتُ النَّهارَ لَاَ أُفطِر، لَحُشِرتُ يومَ القيامَةِ مَعَ مَنْ أُحِبّ». وقَالَ ابنُ مسعودٍ t: «واللهِ الذي لَاَ إلهَ إلا هُوَ لَوْ أنَّ رَجُلاً قَامَ بينَ الرُّكنِ والمقامِ يعبُدُ اللهَ سبعينَ سنةً لَبَعَثَهُ اللهُ مع مَنْ أحَبّ». فانظر يا أخي مَنْ تُحِبُّهُ؟ ومَنْ تُوَاليه؟ ومَنْ تُنَاصِرُهُ؟ ومَنْ تُزَاوِرُهُ؟ ومَنْ تَبْذُلُ لَهُ جَاهَكَ ومَالَك؟ أهو من المتقين؟ أهو من الطائعينَ لله؟ أهو من المتّبعينَ لسنةِ رسولِ الله؟ إن كان منهم فأبشِر بالخيرِ العاجِلِ والآجِل, وروي «لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، أَحَدُهُمَا بِالْمُشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، لَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَحْبَبْتَهُ فِيَّ» بل يُلحِقُ اللهُ تعالى – كرماً منه – الأدنى منهما درجةً بالأعلى درجة, ففي الأثر: «مَنْ أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَدَخَلَا جَمِيعًا الْجَنَّةَ، فَكَانَ الَّذِي أَحَبَّ لِلَّهِ أَرْفَعَهُمَا مَنْزِلَةً، أُلْحِقَ بِهِ صَاحِبُهُ». تُلحَقُ بدرجَةِ مَنْ تُحِبُّهُ من الأتقياءِ الصالِحين.
أحبتي في الله ، رب سائل كيف تتحقق ِالمحبَّة في الله ؟ والجواب ان لهذه المحبة شروط
1- أن تكون خالصة لله، فكل عمل لغير الله لا يقبله الله. فعن أبي مسلم الخولاني قال: قلت لمعاذ بن جبل – رضِي الله عنه -: والله، إني لَأُحبُّك لغير دنيا أرجو أن أُصِيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك، قال: فلأيِّ شيءٍ؟ قلت: لله، قال: فجذب حبوتي، ثم قال: أبشِر إن كنت صادقًا، فإنِّي سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((المتحابُّون في الله في ظلِّ العرش يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، يغبطهم بمكانهم النبيُّون والشُّهَداء
2- أن تكون على الطاعة، فالحب في الله طاعة لله، فهل تستغل طاعة الله لشيء محرم؟!.
3- أن تشتَمِلَ على التَّناصُحِ، فالمُؤْمِنُ ناصحٌ للمؤمنين أجمعين. كما جاء في الحديثِ القدسِيِّ:” حَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتحابِينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتناصحينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتواصِلينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتباذِلينَ فِيَّ “.
وكما ان للمحبة في الله شروط فلها ايضا واجبات منها:
1- إخبار من يحب. لقوله صلى الله عليه وسلم عن المقدام بن مَعْد يكرب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أحب أحدكم أخاه، فليُعلِمْه إياه)). وفي رواية: ((إذا أحب أحدكم أخاه في الله، فليعلمه؛ فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة)).
عن أنس بن مالك أن رجلاً كان عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فمر به رجل، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أعلَمته؟))، قال: لا، قال: ((أعلِمْه))، قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له))
ومن شروط المحبة في الله ايضا أن تحب لأخيك في الله ما تحب لنفسك.وأن تبادله الهدايا كما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((تهادوا تحابوا )) أهد أخًا لك في الله شريطًا أو كتابًا أو أي شئ مهما كان بسيطا بنية تآلف قلبيكما فالعبرة ليست بثمن الهدية وانما بمعناها ودلالتها.
ومنها ايضا – إفشاء السلام فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))
– البذل والتَّزاوُر والمقصود البذل بمعناه الواسع بذل من الوقت والجهد والعلم والمال. والتزاور أي الزيارة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله على مدرجته -يعني: على طريقه- ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد يا عبد الله؟ قال: أخاً لي في هذه القرية -زيارة لله، حباً لله، تباذلاً لله- قال: هل لك عليه من نعمة؟ تردها.. قال: لا. غير أني أحبه في الله... قال له: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه}.
حرارة العاطفة و التصافح والابتسام في وجه من تحب . فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده -يعني: إذا صافحه وسلم عليه- وضحك اليه تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وفي رواية غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر).
احبتي في الله َينبَغِي أن نتحلَّى بهذه الأوصافِ حتى نكونَ في الدارِ الآخرةِ على سُرُرٍ مُتقابِلينَ، فعلينا بالتّحابِ والتّناصُحِ والتّزاوُرِ والتّباذُلِ والتزاور ولا ينبَغِي أن يتَتَبَّعَ الواحدُ مِنا مساوِىءَ أخيهِ، فَطُوبى لمن شَغَلَهُ عيبُه عن عيوبِ الناسِ بل ينبَغِي أن يُسامِحَهُ إن أساءَ إليهِ وإن أحسنَ إليهِ أن يعاملَه بالإحسانِ. وان يدعو كل منا لأخيك في الله بظهر الغيب حتى تؤمن الملائكة على دعائك. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان حليما غفوراً.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبد ورسوله اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد.
|
||||||||||||||||
|
عباد الله:
اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.