الجود والسخاء من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
الجود والسخاء من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الممتن على عباده ببعثة سيد المرسلين، سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، والقائل في كتابه الحكيم: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”، نحمده تعالى ونشكره على فضله العميم، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمدا صاحب الخلق العظيم، القائل “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، طيلة شهري ربيع الأول وربيع الثاني من هذا العام، كنا نتحدث عن أخلاق وشيم حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بغية التعرف عليها، واتخاذها نبراسا نسير عليه في حياتنا، تأسيابنبينا، واليوم نختم هذه السلسلة المباركة بسلوك وخلق عظيم من أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خلق السخاء والجود، الذين جبل عليهما إسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن سيدنا جابر ابن عبد الله الأنصاري (ض) أنه كان يقول: “ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فقال لا”، وعن أنس أن رجلا وهو صفوان ابن أمية سأله فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، وقال: أسلموا، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى فاقة، وثبث أن حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم أعطىغيرواحدمائة من الإبل، وأعطى صفوان مائة ثم مائة ثم مائة، قال القاضي عياض: وهذه كانت خلقه صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث. وبمثل هذا الخلق وصفته زوجه خديجة بنت خويلد(ض) عندما رجع خائفا من أول لقاء له صلى الله عليه وسلم بأمين الوحي جبريل في غار حراء حيث قالت لهصلى الله عليه وسلم حينما قال لها إني خشيت على نفسي، فقالت له: “كلا لا يخزيك الله أبدا، إنك تحمل الكل، وتكسب المعدوم.”، والكل الشيء الثقيل والمقصود به اليتيم والضعيف ومن لا قدرة له، والمعدوم العاجز عن الكسب تغنيه بعطائك من المال. أيها المؤمنون، لم يكن عطاء النبي صلى الله عليه وسلم وسخاؤه مقتصرا على المسلمين فقط، بل امتدت أياديه البيضاء صلى الله عليه وسلم إلى من ناصب المسلمين العداء، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رد على هوازن سباياها، والسبايا هم الآدميين المحتجزين في الحرب، ذكر أصحاب السير أن سبايا هوازن كانت ستة آلاف من الآدميين، والإبل كانت نحو أربعة وعشرين ألفا، والغنم كانت فوق أربعين ألفا، والورق فأربعة آلاف أوقية من الفضة، فانظروا إخوتي إلى كرم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أعداء الإسلام، أما عن جود النبي صلى الله عليه وسلموسخائه مع أصحابه فقد ذكر أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أعطى العباس (ض)من الذهب ما لم يطق حمله، وذكر الترمذي في الشمائل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل إليه تسعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلا حتى فرغ منها،وجاءه رجل، فسأله فقال: ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا جاءنا شيء قضيناه، فقال له عمر (ض): ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه، وقال صلى الله عليه وسلم: بهذا أمرت. وذكر عن معوذ بن عفراء، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب -يريد طبقا- وأجر زغب -يريد قثاء- فأعطاني ملء كفه صلى الله عليه وسلم حليا، وذهبا. وقال أنس(ض): كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد، بل لقد بلغ الجود والسخاء من نبينا أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يسأله فاستلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف وسق، فجاء الرجل يتقاضاه، فأعطاه وسقا، وهو ستون صاعا، وقال له صلى الله عليه وسلم: “نصفه قضاء، ونصفه نائل” أي عطفا.فاللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته صلى الله عليه وسلم المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
هذه إخواني لمحة من اللمحات سريعة عن جانب من أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سقناها لكم للعظة والإعتبار، والعمل على سلوك المنهج الذي جاء به خير البشر من دين قيم يهدي إلى الرشد وإلى العمل الصالح لخيري الدنيا والآخرة، والمغاربة منذ اعتناقهم لدين الإسلام عرفوا بجودهم وسخائهم وبأريحيتهم، ومسابقتهم للخيرات، ومنافستهم في أعمال البر والإحسان، وما أكثر إخواننا الذين يضحون بأموالهم وبأوقاتهم لنفع الآخرين في أماكن نائية من بلدنا شماله وجنوبه، والقيام بحاجات الفقراء والمحتاجين وطلبة العلم في الزوايا والمدارس العتيقة وذلك بعمارتها وتجهيزها والإنفاق عليها من حر أموالهم ابتغاء مرضاة الله، ولن تعدم الأمة أمثال هؤلاء، من أهل الفضل ممن يتشوقون إلى الإنخراط في مثل هذه الأعمال الجليلة والصدقات الجارية، فلنتعاون جميعاً على ذلك، ولنرشد الأثرياء إلى الفقراء، ولنرفع حاجة من لا يستطيع رفعها،فإن هناك من لا يسأل الناس إلحافاً وهم معروفون بسيماهم لا يخفون على من يريد البذل والإحسان خاصة في هذه الأيام التي ترتفع فيها درجة البرودة وتشتد فيها الحاجة إلى البذل والعطاء وإسعاف لذوي الحاجات بما تستطيعه، من إطعام وكسوة وإنفاق، فإذا وفقك الله لمثل هذه الأعمال الصالحة، فاعلم أن الله يحبك، وأنه ينبغي عليك أن تدل أصحابك للحذو حذوك وللعمل الصالح مثلك، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، فاللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال الرغائب، وحسن الخواتم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا الله، وارزقنا محبته، واقتفاء أثره وإحياء سنته، وأدم علينا نعمة الصلاة والسلام عليه كما أمرتنا بذلك في قولك “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. الدعاء.
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجود والسخاء من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، الجمعة 26 ربيع الثاني 1440 موافق 4 يناير 2019 ، الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير