التلقيح ضد كورونا
بسم الله الرحمن الرحيم
التلقيح ضد داء كورونا
الأستاذ مولاي يوسف البصير
الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام وتوالت الأزمان،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، لا حديث اليوم وقبله منذ بداية هذه السنة 2020، إلا عن هذا الوباء العالمي (كوفيد 19) الذي عم الدنيا ولم يستثن منها موضعا، ونحن أيضا جزء من هذا العالم الذي تضرر بهذا الوباء، بالرغم من الإحتياطات التي اتخذت ومن الجهود التي بذلت لكي لا يرتفع عدد المصابين وتنتشر العدوى بين المواطنين، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وما زلنا في كل يوم نسمع بأحباب لنا وأصدقاء لنا وأقاربنا من ابتلي بهذا الوباء، بل ومن كان الوباء سببا مباشرا في وفاته، رحم الله الجميع،ومن بالشفاء والعافية على من يرقد الآن في المستشفيات أو من يمرض في بيته،
وأنتم تعلمون أيها الإخوة المؤمنون أن الصحة عنصر مهم لا بد منها في قوام الحياة الإنسانية، وما من شيء في هذه الحياة إلا وهو محتاج إليها ومتوقف عليها، كما أنه لا وجود إيجابي للإنسان بدونها، وتعلمون أيضا أنه لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، ولا حركة قائمة إلا بالصحة، فالصحة هي رأس مال الإنسان، وربحه هو ما يعود عليه بفضل حسن العناية بها وتسخيرها في طاعة الله تعالى من نفع يتبوأ به أعلى الجنان، أو ما يجنيه عليها من الخسران إن هو سخرها في المعصية ولم يهتم بشأنها، وعرضها للتلف بالتفريط والتهور واتباع الشهوات وعدم الإحتياط في جميع الأحيان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”،ولا نعلم أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات هادما للسعادة، قاضيا على الهناءة مفككا لعرى الأمة مضيعا للعزة والمناعة مثل المرض، الذي يجب محاربته بكل ما أوتي الإنسان من حزم وعزم، وأن تحشد القوى بصدق وإخلاص ونية للقضاء عليه، وأن تواجه الأوبئة بتدبير محكم، قائم على تخطيط قويم، وتصميم من الأخطاء سليم، حتى تنقذ الأمة من شرها المستطير، وتحفظ من أداها الخطير،
أيها الإخوة المؤمنون، لقد حارب الإسلام المرض بجميع أشكاله، فأمر بالوقاية، وهي أفضل من العلاج، وحت على لسان رسوله بالتداوي فقال صلى الله عليه وسلم: ” تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا السَّامَ”، وأباح للمريض والخائف من المرض أن يتيمم بدل الوضوء، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنفاس والحمل والرضاع والشيخوخة رفعا للحرج ودفعا للعلل والأمراض، كل ذلك أيها الإخوان والأخوات عناية بصحة الإنسان واهتماما بسلامة ووقاية الأبدان من المرض الذي يعطل مهمة الإنسان في هذا الوجود، و ديننا الحنيف يولي الصحة الجسدية بعناية خاصة، إذ بسلامة الأبدان تتحقق العبادة وتتم الأديان،
أيها الإخوة المؤمنون، الواثقون بوعد الله وبشارته، أنه دائما مع اليسر يأتي اليسر وأن الضيقَ تردُفُه السَعَة، وأن الكربَ يخلُفُه الفرَجٌ، وهو القائل سبحانه في محكم التنزيل، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”، وقد جاء في تفسير هذه الآية قولُ بعضِ أهل العلم: “هذه بِشارةٌ عظيمةٌ أنه كلما وُجِدَ عُسرٌ وصعوبةٌ فإن اليُسرَ يُقارِنُه ويُصاحِبُه، حتى لو دخلَ العُسر جُحرَ ضبٍّ لدخلَ عليه اليُسرُ فأخرجَه، كما قال تعالى: “سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا”، وفي تعريفِه بالألف واللام الدالةِ على الاستغراقِ والعموم دليلٌ على أن كل عُسرٍ وإن بلغَ من الصعوبةِ ما بلغَ ففي آخره التيسيرُ مُلازِمٌ له” قال ابن عباس (ض) وغيره: “لن يغلب عسر يسر”، و في الحديث الذي رواه أحمد وصححه المحققون أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” إذا لاح عسر فارتج اليسر إنه *** قضى الله أن العسر يتبعه اليسر. ألا فاتقوا الله عباد الله، وأحسِنوا الظنَّ بالله، وثِقُوا بوعده الحق الصادقِ الذي لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّلُ أن “مع العُسرِ يُسرًا”. فاللهم اجعلنا الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، قال ابن دريد : أنشدني أبو حاتم السجستاني : إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيب *** وأوطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوب *** ولم تر لانكشاف الضر وجها**** ولا أغنى بحيلته الأريب **** أتاك على قنوط منك غوث ** يمن به اللطيف المستجيب *** وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب،
أيها الإخوة المؤمنون، من اليسر الذي من الله به علينا بعد هذه الجائحة أن قيض لها علماء بذلوا الجهود لمحاربتها وإيجاد اللقاح الفعال للتخلص منها، وبلدنا المملكة المغربية من أول البلدان التي سعى القائمون عليها لجلب اللقاح للمواطنين، وقد بشر بذلك مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس جميع الأمة أنه في غضون الأسابيع المقبلة سيكون اللقاح موجودا وفي متناول المواطنين، وعليه ينبغي أن ننخرط جميعا لإنجاح هذه المبادرة الطيبة، وأن نضرب بعرض الحائط أولئك المبطلين الذين لا يعرفون سوى هدم البناء بنظرياتهم السوداوية، وأفكارهم المستوردة من وسائل الإتصال الحديثة المغرضة حول اللقاح ونجاعته وفعاليته، فإن التدين الحق يقتضي منا جميعا أن نشكر الله عز وجل على نعمة اليسر بعد العسر، وأن نكثر من السجود لله شكرا على العافية بعد الإسلام، وأن نتحلى باليقظة والحيطة في مواجهة ما يعانيه العالم اليوم من وباء، وأن نلتزم بنصائح وزارة الصحة وتعاليم الحكومة بالعناية بالنظافة والتزام الشروط الوقائية، كالتباعد الجسدي، وارتداء الكمامات، حفاظا على سلامة المجتمع والحد من انتشار الوباء بين المواطنين، وأن نبادر بتلقيح أنفسنا وذوينا لتفادي أخطار العدوى ونشرها بين أقاربنا، نسال الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية. الدعاء