التقنيات والمهارات التي ينبغي سلوكها لتخريج الأولاد النافعين
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله،
في الخطبة الماضية تكلمت عن موضوع صناعة الرجال، وعرفنا بعض تجليات تقصيرنا في تكوين وتوجيه وتربية أبنائنا وبناتنا لنصنع منهم رجال الغد، رجالا متكاملين متوازنين مسؤولين صادقين نافعين، يعتمد عليهم، وعرفنا معنى الرجولة في معناها الإيجابي بما تحمله هذه الكلمة من معاني الشهامة والنخوة والمروءة والشجاعة والصدق والخوف من الله وتقواه وخشيته.
واليوم بحول الله تعالى سنتوقف عند بعض التقنيات والمهارات ذات المرجع الديني، والتي ينبغي سلوكها مع الأولاد لنخرج منهم رجالا نافعين، وذلك لتعلموا أن الرجولة لا تخلق مع الذكر وأن الصلاح لايخلق مع الأنثى، بل إنه لكي نجعل من أبنائنا وبناتنا أبطالا ورجالا صالحين نافعين يعتمد عليهم، لابد من الحرص على أن يتربوا على صفات بعينها، إلى أن يتحققوا بها، وتصبح طبعا من طباعهم الشخصية، وبذلكم فإنه لابد من معاناة ومتابعة وتربية وتوجيه يومي، حتى تقر عينك بما تريد أن تراه في ابنك أو في بنتك.
أيها الإخوة الكرام، ذكر العلماء من هذه التقنيات: أولا، أن نأخذ الولد للمجامع العامة ونجلسه مع الكبار، وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون، كانوا يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ومما هو ثابت في ذلك ما رواه النسائي عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ..”، ثانيا، أن نحدثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين وانتصارات سلفنا الوطنيين، لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة،كان للزبير بن العوام رضي الله عنه طفلان، أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه، روى ابن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم، أنه كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم، بقتل من وجده مجروحاً، وهذا ممايدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره، ثالثا، أن نعطي الصغير قدره وقيمته في المجالس، عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَال أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ: يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَالَ مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، رابعا، أن نعلمهم الرياضات الرجولية كالرماية والسباحة وركوب الخيل، وينبغي أن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم السباحة وفي عمره ست سنوات، وخرج أول خروج إلى التجارة من مكة إلى الشام وفي عمره اثنا عشرة سنة، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ، خامسا: أن نجنبه أسباب الميوعة والتخنث، فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من التختم بالذّهب، سادسا: أن نشعره بأهميته ونتجنب إهانته خاصة أمام الآخرين، ويكون ذلك بأمور مثل إلقاء السّلام عليه، روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وأن نستشيره ونأخذ برأيه ونوليه مسؤوليات تناسب سنّه وقدراته وأن نستكتمه الأسرار، روى الإمام مسلم عن أَنَسٍ قَالَ أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا.
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال، منها تعليمه الجرأة في مواضعها، ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة، وتعليمه الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي والتطبع بطبائع النساء، وإبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة، قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم”، وأن نعمل على تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء المحرم والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله،
اسمعوا إلى قصة عجيبة لأم عاقلة مع بنتها وهي تريد توديعها إلى بيت زوجها، ولازالت تتعهدها بتوجيهها ونصائحها كي تنجح في حياتها الزوجية، حيث قالت لها: إي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي فيه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لكي عبدا، واحفظي له خصالا عشرا تكن لك ذخرا، أما الأولى والثانية، فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع والطاعة، وأما الثالثة والرابعة، فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة، فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن حرارة الجوع ملهبه وتنغيص النوم مغضبه، وأما السابعة والثامنة، فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير،… فهل تحرص الأمهات اليوم على أن تكون هذه الصفات الدقيقة في بناتهن، كي يضمنوا لهن العيش الهني في بيت الزوجية؟.
واسمعوا لقصة أخرى لامرأة جمعت كل خصال المرأة الصالحة، سأل الشعبي شريحاَ القاضي عن حاله في بيته، فقال له شريح: من عشرين عاماَ لم أرَ ما يغضبني من أهلي، فقال له الشعبي وكيف ذلك؟ فقال شريح من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت حسناً فاتناً وجمالاً نادراً فقلت في نفسي: فلأتطّهر وأصلي ركعتين شكراً لله، فلمّا سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، قمت إليها واقتربت منها لأصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية كما أنت ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة عنك، لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب أن آتيه فآتيه وما تكره فأتركه، ثم قالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك، قال شريح: فأحوجتني والله ياشعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد، فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظّك ( أي يكن خيراً كثيراً لك ) وإن تدعيه يكن حجة عليك ثم قال: وإني أحب كذا وكذا وكذا، وأكره كذا وكذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت لي: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ فقلت ما أحب أن يملّني أصهاري، أي لا أحب أن يكثروا من زيارة باستمرار فأمل منهم، فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له ؟ ومن تكره فأكره ؟ فقلت بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم صالحون فائذني لهم، وأما بنو فلان وبنو فلان فقوم سوء فلا تأذني لهم، قال شريح فبت معها تلك الليلة بأنعم ليلة، وعشت معها عاماً كاملاً لا أرى منها إلاّ ما أحب وأتمنى، فلما كان رأس السنة الجديدة، رجعت من مجلس القضاء إلى بيتي، فإذا بفلانة في بيتي فقلت: من هذه المرأة ؟ فقالوا: ختنك بمعنى أم زوجتك، فالتفت إليّ وسألتني، كيف رأيت زوجتك ياأبا أمية؟ فقلت خير زوجة، فقالت لي: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها أي شعرت بحبه وتعلقه بها، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المذللة، فأدّب ماشئت أن تؤدب وهذب ما شئت أن تهذب.والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.