التبـــــــرع بالـــــــدم
التبـــــــرع بالـــــــدم
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام و توالت الأزمان.
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن مهمة الإنسان في هذه الحياة عظيمة، وأمانته فيها جسيمة، ومسؤوليته كبيرة، وذلك أن الله عز وجل خلقه في الأرض ليكون له خليفة، يعمر الأرض ويظهر أسرار الله فيها، ويعمل على صلاحها وإصلاحها وإقامة شرع الله فيها، ولا سبيل إلى هذه المهمة التي أنيط بها الإنسان وتحمل أعباءها ولد آدم، إلا إذا توفرت لديه أسباب التغلب على صعوباتها، فتحصن بالصحة التي يكمل بها عقله ويسلم بها تدبيره، وتتصل بها جهوده، والعقل السليم في الجسم السليم كما يقال، فالصحة عنصر مهم لا بد منها في قوام الحياة الإنسانية، لأنه ما من شيء في هذه الحياة إلا وهو محتاج إليها ومتوقف عليها، وأول أسباب الحصول على صحة سليمة هو التغذية السليمة والصحية، والتي تبدأ مع خروج الإنسان من رحم أمه إلى أن يلقى ربه.
أيها المؤمنون، إن نعمة الصحة الجسدية، من أجل النعم التي وهبنا إياها ربنا عز وجل، فلذا علينا جميعا، شكر هذه النعمة بالمحافظة عليها، وعدم تعريضها لما يفسدها، من تناول للمخدرات، والمسكرات، والإفراط في المآكل والمشارب، لذا نجد ديننا الإسلامي يحث على سلامة الأبدان، وحارب المرض بجميع أشكاله، فأمر بالوقاية، وهي أفضل من العلاج، وحث على لسان رسوله بالتداوي فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الأئمة أحمد والترمذي والنسائي: “تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد وهو الهرم”، وأباح للمريض والخائف من المرض أن يتيمم بدل الوضوء، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنفاس والحمل والرضاع والشيخوخة رفعا للحرج ودفعا للعلل والأمراض، كل ذلك أيها الإخوان والأخوات عناية بصحة الإنسان واهتماما بسلامة ووقاية الأبدان من المرض الذي يعطل مهمة الإنسان في هذا الوجود، لأنه كما تعلمون لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، ولا حركة قائمة إلا بالصحة، فالصحة هي رأس مال الإنسان، وربحه هو ما يعود عليه بالنفع أو الخسران دنيا وأخرى بواسطة عمله، قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، ثم َتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”، وقال صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، والصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ومن عوامل المحافظة على الصحة العناية بنظافة الثوب والبدن والمكان والفم والأسنان، وعدم الإفراط في النوم والسهر والطعام، وتناول ما يضر بالعقل والجسم والمال من المخدرات والمسكرات وشرب الدخان، هذه الخبائث التي حذر من سوء عاقبتها القرآن وأصبح خطرها الآن منتشرا بين الرجال والنساء في كل مكان، ومن قال عنها شيئا اتهم بالرجعية والنقصان، والله تعالى يقول: “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”، وفي الأثر: “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء”، وقد استقر هذا المعنى في نفوس المسلمين حتى اشتهر بينهم “أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان”.
أيها الإخوة المؤمنون، إن عدم اهتمامنا بصحة أجسادنا، هو السبب المباشر لتعرضنا للأمراض الخطيرة، والتي يستعصي علاجها، وأخطر هذه الأمراض هو ما يتعلق بمادة حيوية، لا نجدها في الصيدليات، ولا تنتجها المختبرات على تقدم العلم في جميع أنحاء هذا الكون الفسيح، وإنما تنتجها الأجساد البشرية السليمة، التي حافظ أصحابها على نعمة الصحة وجنبوا أنفسهم المهالك لتبقى سليمة نافعة إنها الدم البشري، الذي تتوقف جل الإستشفاءات عليه، والذي تعاني بنوك الدم في بلادنا من نقصانه، لكثرة الطلب، وقلة المتبرعين، إذ لا يخطر على بال الكثيرين منا أن نتبرع بهذه المادة الضرورية لحياة الإنسان، والتي نحتاجها في العمليات الجراحية، وعند حدوث الكوارث، وعندما تعجز بعض الأجساد السقيمة على إنتاجه، وننتظر حتى تكون حملة يكثر فيها المتبرعون وتعجز مراكز تحاقن الدم على استيعابهم.
لذا إخوتي الكرام، أحثكم وأحث نفسي على تحين الفرص بعيدا عن فترات الحملات الموسمية للتبرع بالدم، أو انتظار اليوم الرابع عشر من يونيوه لكل سنة من أجل التبرع، وذلك بنية إنقاذ أرواح بشرية من إخواننا وأخواتنا الذين يحتاجون هذه المادة الحيوية يوميا ولا يجدون متبرعا، والتبرع بالدم أيضا تعبير عن شكر العبد لله على نعمة الصحة والعافية الجسدية، وأداء لحق أجسادنا من الصدقات التي أخبر عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي كنا خلال جمعتين ماضيتين نتحدث عن مضامينه، والذي أخرجه الشيخان، عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، ولا شك أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات أن التبرع بالدم يدخل في هذا الإطار، إذ المقصود في الحديث هو الجود بصحة الأجساد لفائدة العباد. فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
التبرع بالدم هو زكاة عن الصحة وهو فرض كفاية، وفيه فضل إنقاذ حياة إنسان، قال تعالى: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، وفيه أيضافضل تفريج الكربات فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” وتبرعك بالدم يفرج كربة أخيك المريض المكروب. فانت أخي المؤمن، عندما تتبرع بدمك تحي نفسا كادت أن تموت من نقص الدم، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إن التبرع بالدم سلوك نبيل ومبادرة انسانية من شخص سليم لشخص مريض ينزف بسبب حادث أو عملية جراحية ويحتاج القليل من دمك حيث تصبح قطرات الدم في هذه الحالات بمثابة إكسير الحياة، واعلم أخي المتبرع بالدم، أنك أول مستفيد من هذا التبرع، لآن فيه فوائد صحية للمتبرع نجملها فيما يأتي: زيادة نشاط نخاع العظام لإنتاج كميات جديدة من الدم فيؤدي إلى زيادة نشاط الدورة الدموية، ثم تقليل نسبة الحديد في الدم مما يقلل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، وكذلك يعطيك إحساسا بالرضى والفخر، كما أن فيه فائدة إنسانية كبيرة في إنقاذ المرضى، وتيقن أخي المؤمن أنه لا توجد مضاعفات للتبرع بالدم إذا كنت ملائما للتبرع بعد الفحص الكامل، فأعط أخاك المريض فرصة للحياة بمنحه القليل من دمك فهذا أكرم الكرم، الدعاء