التأثيرات الحقيقية للمذاهب الدخيلة في المجتمع
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، في خطبة الجمعة الماضية تكلمنا عن التغيير الذي حصل في تدين المجتمعات الإسلامية ومنها المجتمع المغربي، وكيف تطور ذلك من الغلو في الدين إلى التطرف ثم إلى الإرهاب، وتكلمنا عن الأسباب الحقيقية لذلك وبعض تجلياته في المجتمع، وعرفنا بأن أصل ذلك كله هو ذلكم المخطط المحكم لأعداء الدين، الذين عملوا ويعملون باستمرار على الوصول إلى تفرقتنا وتقسيمنا وتمزيق وحدتنا وشملنا وإذكاء الصراعات بيننا، للوصول إلى إضعافنا والسيطرة علينا، تماما كما فعلوا في العديد من الدول والمجتمعات الإسلامية التي قتلوها وهجروها ومزقوا وحدتها وفعلوا فيها ماشاؤوا، حيث إنها اليوم لن تستطيع الرجوع لسابق عهدها ولو فعلت مافعلت. وهذا ماتؤكده العديد من كتابات الغربيين في الموضوع، وبقي أيها الإخوة والأخوات أن نقف عند بعض التجليات الحقيقية للغلو في الدين والتطرف في المجتمع المغربي، وتبيين السبل الكفيلة إلى تحصين أنفسنا ومجتمعنا من تأثيرات هذا الاختراق.
نعم أيها الإخوة والأخوات إن أعداء الدين لم يستطيعوا بفضل الله أن يوصلونا إلى ما أوصلوا إليه بعض المجتمعات الإسلامية من فوضى وتسيب أدت إلى إضعافهم وتمزيقهم وتهجيرهم وتقتيلهم، ولكن لاننكر أنهم استطاعوا فعلا التأثير فينا بدرجة ما عندما وصلوا إلى تشويشنا في تديننا الموحد، وعندما وصلوا إلى إنشاء وإيجاد فرق دخيلة في مجتمعنا أصبح لها أتباعها وروادها الذين يتصفون بصفات خاصة، حيث وصلنا أن أصبح بمجتمعنا بعض الناس الذين يلبسون زيا خاصا بهم، ويتدينون بطريقة خاصة ويتواصلون مع بعضهم البعض، ويرفضون التواصل بل ورد السلام عن الآخرين بدعوى أنهم غير ملتزمين بالسنة النبوية كما يعرفونها ويطبقونها، وبناء على ذلك وجد فينا من يصنف الناس وينعت غيره من المسلمين الذين يشهدون أن لاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله بالفسق والضلال والبدعية، وينسبونهم إلى الانحراف في الفهم والسلوك. ضاربين عرض الحائط بالأخوة الإسلامية والوحدة والتآلف والتضامن التي جاء الإسلام لتكريسها وبنائها والتي اشتهر بها أبناء مجتمعهم، وغير مبالين بعبادة الجميع للإله الواحد، ولا بإجماع السلف والخلف من علماء أمتنا على المذهب المالكي السني، ولا إجماع غيرنا على المذاهب الثلاثة الأخرى السنية، ويظنون باطلا بأن علماء الأمة باقتدائهم بهذه المذاهب الأربعة السنية المجمع عليها، يكونون قد سلكوا طريق الباطل والضلال، وقد تعجب من أحدهم عندما تذكر له المذهب المالكي أو الشافعي أو الحنفي أو الحنبلي، فيجيبك بأنها بدعة وضلال، وهو لايعرف معنى البدعة في الشرع، بالله عليكم أيها الإخوة والأخوات هل هكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفهمون ويطبقون شرع الله؟، وهل هكذا كانوا يتعاملون مع بعضهم في حال اختلافهم؟، وهل كانت هذه الأمور المفرقة ضمن أولوياتهم؟ يظهر مما سبق أن هؤلاء المتأثرين بالمذاهب الدخيلة المتعصبين لها في مجتمعنا، بالإضافة إلى كونهم سقطوا في كمين مخططات أعداء الدين، لايفهمون معنى المذاهب الفقهية، وغير مطلعين على العوامل التي تسببت في نشأنها بل وتاريخ نشأتها، ولايعلمون أنها كانت خير حماية للوحدة الإسلامية من التصدع والشقاق، وأن اختلاف وخلاف المذاهب لاتعدو أن تكون اختلافات تعاونية مبررة، لاخصومات أو شقاقات فكرية مجرمة كما يفهمونها .
أيها الإخوة الكرام، إن اختلاف الفقهاء كان موجودا في حياة المسلمين الفقهية منذ عصر النبوة وهذا هو الواقع المعروف فعلا، تأملوا جيدا في هذه الواقعة التي سأذكرها لكم، والتي تبين بجلاء اختلاف الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي بينهم، يرى الاختلاف ولا ينكره بل يؤيده، وذلكم عندما احتار نفر من الصحابة في فهم المراد من قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه، يوم بني قريظة فيما رواه الإمام البخاري:”ألا لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة”، إذ كانت الشمس أوشكت على المغيب، هم لم يصلوا العصر بعد، والطريق بينهم وبين بني قريظة مايزال بعيدا
ترى أيطلب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال أن يتركوا صلاة العصر، ولو خرج وقتها، حتى يصلوا إلى بني قريظة فيصلوها هناك كما أمرهم بذلك؟ أم المطلوب منهم أن يوجدوا في بني قريظة خلال وقت العصر، بحيث إذا حيل بينهم وبين هذا المطلوب لم يكن من فرق عندئذ بين أن يصلوا العصر في أي الأماكن شاؤوا، ولا شك أن المطلوب عندئذ هو الرجوع إلى الأصل وأداء صلاة العصر في ميقاتها المشروع؟ إن المعنيين كما نلاحظ واردان ومحتملان، والمصير الوحيد الذي يملكه أولئك النفر الذين تخلفوا في الطريق هو الاجتهاد في بلوغ المعنى المطلوب وتحقيقه، وقد أوقعهم ذلك المصير في اختلاف فيما بينهم ، فمنهم من ظهرت له دلائل المعنى الأول، ومنهم من تجلت له دلائل المعنى الثاني، ولم يكن من سبيل إلا أن يتحمل كل من الفريقين مسؤولية اجتهاده، وما سكنت إليه نفسه، حتى إذا وصلوا إلى رسول الله وأخبروه بشأنهم، سكت سكوت المؤيد للطرفين، أي للذين قاموا فصلوا العصر قضاء، وللذين عاجلوا فوات الوقت فصلوها في طريقهم إليه، وينبغي أن نعلم أيضا أنه كان لعبد الله بن عباس رضي الله عنه مذهب خاص به في جملة من المسائل الفقهية، وكان لعبد الله بن عمر رضي الله عنه مذهبه الخاص، أيضا في جملة أخرى من المسائل، وكان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مذهبه الخاص به في مثل ذلك، من هنا أيها الإخوة والأخوات بدأت نشأة المذاهب الفقهية، أسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا من الفتن ماظهر منها وما بطن، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فياعباد الله، قال الله عز وجل :”ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم”، وقال أيضا :”وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”.
أيها الإخوة الكرام، لانزاع في أن وحدة الأسرة الإنسانية والقضاء على عوامل التشرذم والتفرق فيها من أهم الأهداف التي جاء الإسلام لتحقيقها على صعيد الحياة الدنيوية هذه. ولعل من أبرز مايجسد هذا الهدف ويؤكده كلمة الحبل التي عبر بها القرآن عن الإسلام، ثم أمره الناس جميعا بالاعتصام بهذا الحبل، الذي يمنعهم من التفرق بمقدار مايمنعهم في الوقت ذاته من الضياع والهلاك، وذلك في قوله عز وجل:” واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا”، والقرآن مليء بالآيات التي تنهى عن التفرق والشقاق، وتوصي بالوحدة والاتفاق وتهيب بالناس كل الناس أن لايكونوا كالجماعات والأقوام الذين خلوا من قبلهم، إذ أعرضوا عن السبيل العريض الذي يوحدهم ويجمع شملهم، واستعاضوا عنها بسبل متعرجة شتى، تفرقوا في متاهاتها، حيث أسلمتهم بدورها إلى أودية الضياع.
ختاما ينبغي أن نعلم هذا، وأن ندرك بأن بلدنا ومجتمعنا المغربي لم يفقد يوما ما العلماء الجهابذة، الذين كانوا المرجع الأول لساكنته، وأن نعي بأن لبلدنا ثوابت رصينة وأصيلة لاتعدم دليلا على صحتها، وأن نكون أذكياء فطنين لمخططات الأعداء الذين لن نرضيهم شيء سوى أن يرونا متفرقين وقد عمت الفوضى والتسيب بلدنا، ودب الضعف إلى كيان مجتمعنا، والحمد لله رب العالمين.