الإشادة بالدور الوحدوي لزاوية آل البصير في كتاب صادر عن وزير الخارجية السوداني الأسبق الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل‎

صدر كتاب قيم للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني الأسبق والمستشار للسيد الرئيس أحمد حسن عمر البشيرسابقا، ورئيس القطاع السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم حاليا، تحت عنوان ” إدارة النزاعات بين الإسلام والغرب، دراسة مقارنة بين المنهج الإسلامي والممارسات الدولية” وذلك بمكتبة مدبولي بالقاهرة،  ذات الإنتشار الواسع.

وفي معالجته لهذا الموضوع، تناول الكاتب مقاربة الحكم الذاتي كنموذج ناجح وفعال في فض النزاعات، وقدم نماذج تطبيقية وتجارب المجتمع المدني في فض النزاعات، مشيرا إلى نماذج لدور الزوايا والطرق الصوفية بالمغرب العربي في تحقيق السلام والتي كانت عنصرا فعالا في خلق اللحمة والوحدة بين مختلف فئاته، وقدم زاوية آل البصير نموذجا توارث رجالاتها قيم الوحدة ونبذ الخلاف أبا عن جد، مستحضرا الشيخ الأكبر عبد السلام بن مشيش، مبدع فكرة الوحدة الصوفية في المغرب، والتي جسدها بقوة الشيخ أبي الحسن الشاذلي.

وما ذكره الكاتب عن قيم الوحدة التي تحلى بها آل البصيري يدحض الروايات التي يحاول البوليزاريو تشييعها عنهم خاصة فيما يتعلق بالشاب المغربي محمد إبراهيم بصيري الذي لدى عودته سرا للصحراء في 1967 لمقاومة الإستعمار، أسس منظمة للتحرير إسمها ” المنظمة الإسلامية لتحرير الصحراء”، وكان من أهدافها كما أعلنها آنذاك بصيري، تحرير الصحراء من الوجود الإسباني والإنضمام إلى المغرب، على عكس ما يشيعه عنه البوليزاريو.
وفيما يلي المقتطف الذي تناول فيه الكاتب نماذج الدور الصوفي في  المغرب، حيث قال:
“إذا كانت الزوايا والطرق الصوفية بالمغرب قد لعبت دورا مهما في تاريخ هذا البلد، حيث كانت عنصرا فاعلا في خلق اللحمة والوحدة بين مختلف فئاته، والأداة لتثبيت الأمن والإستقرار في عدد من جهاته، من خلال نبذ كل أسباب الفرقة والخلاف بين أبنائه، فإن التاريخ يشهد لزاوية آل البصير ولرجالاتها بمثل هذا وزيادة، فهذه الزاوية ليست بدعا من سابقاتها، ورجالها ليسوا أقل شأنا من غيرهم، كيف لا وقد توارثوا قيم الوحدة ونبذ الخلاف أبا عن جد وكابرا عن كابر. ثم كيف لا وجدهم الأكبر مولاي عبد السلام بن مشيش هومبدع فكرة الوحدة الصوفية في المغرب، وهي الفكرة التي جسدها في تربيته الروحية لشيخ واحد وهو الشيخ أبي الحسن الشاذلي، الذي أخرج هذه الرؤية من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، فأبدع طفرة التوحد في المشهد الصوفي المغربي نحلة وأصولا، حتى إن معظم الطرق الصوفية التي جاءت بعد الشاذلية أعلنت تشبثها بهذه الطريقة، واعتمدت منهجها الصوفي، وبلغ التوحد الصوفي ذروته مع هذا الشيخ، حتى قيل: ” إن الطريقة الشاذلية نسخت سائر الطرق كما نسخت الملة المحمدية سائر الملل”.
وإذا، فالرؤية الوحدوية وقيم التسامح ونبذ الخلاف ليست بالشيء الجديد على شيوخ زاوية آل البصير، وإنما رضع هؤلاء لِبانَها، وارتشفوا قِيَمَها خلفا عن سلف، وترجمها كل واحد منهم بالفعل على أرض الواقع، فإبراهيم البصير الجد الذي تلقبت الأسرة بلقبه كان صيته يضرب الآفاق في سوس والصحراء، وبلاد شنقيط والسودان الغربي، وكان كل رؤساء القبائل ” يقدرونه قدره، ويحضرونه مجامعهم، فنفعهم كثيرا في إحقاق الحق وإزهاق الباطل و معالجة النزاعات بينهم. كما كانت جميع القبائل السوسية والصحراوية تخدمه، خاصة قبائل تكنة، التي ” يرجع له الفضل في إخماد الحروب وإطفاء النائرات بينها. وكذالك كان أبوه الفقير قاسم الشهير بكيسوم الذي عرف بزهده وصلاحه وكثرة سياحته، حيث كان يقوم سنويا بالسياحة في كل أرجاء الصحراء لتفقد تلاميذه وأتباعه، والسعي في أعمال الخير، ومن ثم لم يكن ” يعرف عند أهل الصحراء ووادي نون إلا أنه رجل يسعى في الصلح وإطفاء الناترات، والبت في النوازل والمنازعات، وترك الخلافات والمناوشات.
وهذا يعني أن الشيخ إبراهيم البصير الجد تلقى تلك القيم القائمة على ردء كل أسباب الخلاف والإختلاف من أبيه، وحرصه على تطبيقها في كل أرض تؤويه، وهو ما تجسد بالفعل عند دخوله إلى سوس التي كانت شهرته قد سبقته إليها نظرا لصيته الذائع في ربوع الصحراء، إذ قامت منازعات ومشادات بين أرباب القبائل فيمن يكون له شرف استقباله في قبيلته، لكن نزوعه الوحدوي وكياسته احتوت الأمر، حيث أسس زاويته في الأخصاص باعتبارها مكانا وسطا بين القبائل السوسية، فكان لهذه المعلمة الدينية أثرها البارز في خلق اللحمة بين القبائل ومحو آثار الخلافات بينها، خصوصا وأنها ” صارت ملجأ الخائفين، ومكانا للمقاضاة، إذ أن أغلب القبائل كانت تهرع إليها لفض المنازعات، والبت في الخصومات، لأن الحرب في هذه القبائل كانت لا تضع أوزارها، لكن بفضل هذا الشيخ حلت ألأخوة مكان العداوة بينهم.
ولم تقف إسهامات هذه العشيرة عند هذا الرجل ووالده، بل زادت واتسعت مع أبنائه وأحفاده. وقد اشتهر من بعده على الخصوص ابنه مبارك البصير الذي خلفه على رأس زاويته،”… فكان له مقام والده من قوة روحانية، ومحبة الناس له واعتقادهم فيه، وكانت له هالة كبرى واسعة جدا في كل سوس وفي الصحراء. واشتهر أيضا بسعيه في الصلح بين المتقاتلين، وأصحاب الثأر وأرباب النزاع، حتى عرف عند العامة أن من يرده خائبا في شفاعة يصاب عن قريب، فكانت هذه السلطة الربانية سببا في انصياع العامة والخاصة له في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. ونظرا لمكانته الكبيرة بين القبائل، وتعبيرا من هذه الأخيرة عن رضاها وخضوعها لطاعته، تم عقد اتفاقية من قبل أعيان الأفخاذ المجاورة للزاوية البصيرية خاصة أيت علي، يشهدون فيها بتحكيم زاوية الشيخ مبارك البصير في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، فكان لذلك دور كبير في فض الكثير من النزاعات والخلافات بين القبائل، وفي إخماد العديد من الفتن والقلالقل، مما خلق جوا من التعايش والتوحد والسلم، وقضى على مظاهر التفرقة والتشرذم والظلم”.
وقد قام بتقديم هذا الكتاب، الذي أشادت به عديد من وسائل الإعلام العربية، الدكتور محمد ماء العينين، حيث تناول التقديم موضع هذه المساهمة الفكرية وأهميتها كموضوع يطرق على هذا المنوال وبهذا الشكل في العلاقات الدولية، مما يسهل على القارئ والباحث الغوص في مضامين هذا الكتاب .
ويعد الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، من الشخصيات الوازنة في الدولة والمتعددة الثقافات التي أثرت المجال الفكري بعديد من الإنتاجات المتميزة، ومساهمته القيمة هذه حول دور الزوايا وإسهاماتها النوعية بالنسبة لحفظ السلام والأمن الإنساني، تعد صوتا عاليا لتثمين المقاربة الوطنية لحل النزاعات من خلال ما يقدمه أبناؤها من شتى القبائل والزوايا ومن بينها الزاوية البصيرية الصوفية السنية. ومن باب المقارنة في التعاطي مع موضوع حل النزاعات فقد قدم كذلك الكاتب أمثلة من دول غربية وإفريقية وعربية، تناولت هذا الموضوع من وجهة نظرها الخاصة كمركز كارتر في الولايات المتحدة الأمريكية، وجماعة سانت إيجيديو بإيطاليا.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *