الإستعداد لإستقبال شهر رمضان (2)
الإستعداد لإستقبال شهر رمضان (2)
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة متحابين وشرع لهم بموجب هذه الأخوة ما يجلب لهم السعادة في الدارين، نحمده تعالى حمد الأبرار المتوكلين، ونشكره جل وعلا شكر الأوفياء المخلصين ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين، امتن على عباده المؤمنين بأن جعلهم متآخين متآزرين بعد أن كانوا أشتاتا متفرقين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، بين ما يجب للمسلم على أخيه المسلم في كل حين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإقتداء بنبيهم العظيم، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم العرض على الله الكريم، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الخطبة الماضية تكلمنا عن استقبال شهر رمضان وما ينبغي للمسلم أن يعده لاستقبال هذا الشهر الفضيل، وبيننا ما كان عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة والتابعون المتأسون به من الإستعداد لإستقبال شهر رمضان بالصيام وتلاوة القرآن والإكثار من عمل البر في شهر شعبان، وكذلك تهيئ النفس بالتوبة والعمل الصالح لتتم التخلية من جميع الشوائب التي علقت بالنفس خلال سنة من الغفلة، حتى يستحق صاحبها الفوز ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أنه قال: “الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ”. والكبائر من الذنوب لا يغفرها إلا التوبة النصوح التي يجددها المسلم كلما اقترف ذنبا مصداقا لقول الله تعالى: “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم”، وبعد التخلية من الشوائب والذنوب تأتي التحلية بمكارم الأخلاق والفعال التي تيسر للمسلم الفوز بما أعده الله تعالى للصائمين، ولعمري أخي المؤمن، أختي المؤمنة أن أفضل القربات التي نستعد بها لإستقبال هذا الشهر المبارك الفضيل هي تضامننا مع جميع فئات مجتمعنا، وذلك حتى يكون صيامنا لشهر رمضان مثمرا خلقا نافعا ومغيرا لسلوكنا الأناني الذي لا يليق بنا ونحن ندعي أننا مسلمون، لأن مجتمع المسلمين الذي يقوم على المحبة والمساواة، أساسه التضامن والتضحية ونبذ الخلافات، والأخوة كما تكون في النسب والوطن تكون كذلك في المبادئ والقيم والدين والمعاملات، وإن أوثقَها رابطة وأحكمَها صلة وأثبتَها مودة لهي الأخوة في الدين التي لا تنفصم عراها ولا تغير الأحداث المتعاقبة صفوها، فإذا كان للأخوة حقها في كل شيء فإن حق الأخوة في الدين فوق كل شيء، وقد بين رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم موجبات هذه الأخوة في قوله: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة”، وإن من علامات الأخوة الصادقة أن تحب أخي المسلم وأختي المسلمة لأخيك النفع كما تحبه لنفسك، وأن تفرح بوصول الخير إليه كما تفرح بوصوله إليك، فإذا اجتهد المسلم في تحقيق هذه الغاية فقد تقرب إلى الله عز وجل بأزكى الطاعات وأعظم القربات، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، ليكن شعارنا هذه السنة ونحن نستعد لإستقبال شهر رمضان الأبرك تحقيقَ التضامن والأخوة الإسلامية التي تفرض التعاون والإيثار والتناصر بين المسلمين في أقطار المعمور، لا تناصر العصبيات العمياء كما هو معروف عند ذوي الأغراض الخبيثة، وكما هو مشاهد الآن في عالم التكتلات والمصالح الدولية والعنصرية، بل تناصر المؤمنين المصلحين الذين يسعون إلى إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وردع المعتدي، وإجارة المظلوم، وتنفيس كربة المكروب ولم شعث المتألم المحروم. وما أحوجنا اليوم لترسيخ هذه الأخلاق الإسلامية بيننا، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الأبرار الذين فهموا حقيقة دين الإسلام فآثروا إخوانهم على ما تشتهيه أنفسهم من الإستكثار من ملذات الدنيا والتباهي بالعبادات، كالقيام بالعمرة في شهر رمضان في كل سنة، وإنفاق المال في غير معروف، في حين أن هناك من الناس من يسعى ويستجدي الناس لقضاء الدين ومواجهة الملمات والأمراض المزمنة ونفقات العلاج وغيرها، خاصة وأننا نعاني هذه السنة من تبعات جائحة صحية (كورونا) التي لا زالت تخيم علينا بأعبائها المادية والمعنوية، ولا زال الكثير من أمتنا لا يستطيعون مقاومة تبعاتها من الناحية الاقتصادية، بسب تفاقم الديون، وغلاء الأسعار، ولنا في مولانا أمير المؤمنين أسوة حسنة إذ دعانا جميعا عمليا من خلال مبادراته السنوية للتخفيف عن رعاياه في البوادي والقرى والحواضر بتقديم الدعم لذوي الحاجات، والرسول صلى الله عليه وسلم يبشر من كان في عون أخيه أن الله تعالى معينه وناصره قال صلى الله عليه وسلم: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، وقال أيضا: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
فيا أيها الإخوة المؤمنون، انظروا بماذا يستعدّ البعض منا لرمضان، فهم على أحرّ من الجمر لقدوم هذا الشهر، ولكن ليس رغبة في ثوابه، بل من أجل نيل حظ من حظوظ الدنيا، وهي من الظواهر الغريبة التي ليست من ديننا الحنيف ولا صلة لها بالرحمة التي هي عنوان هذا الدين الفضيل، ومن جملتها التربّص لرمضان بغلاء الأسعار واحتكار بعض المواد الغذائية الضروريّة لهذا الشهر الكريم، إنها لمن جملة الأشياء الدالة على ابتعادنا عن تعاليم ديننا التي تدعو إلى الرحمة والرأفة خاصة في هذا الشهر الكريم. إن الذين يتربصون بالصائمين في رمضان لِيأكلوا أموالهم بهذه الطريقة إنما يأكلون في بطونهم نارا، ولا أربح الله تجارتهم، لأنهم يدفعون إخوانهم الفقراء إلى الإقتراض من المؤسسات الربوية لمواجهة مصاريف رمضان، فعلى إخواننا التجار أن ينظروا إلى حال الأمة ولا يغالوا في الأسعار، وإن الله ينتظر منك أيها التاجر الكريم، رحمة بعباده لينظر إليك بعين رحمته فيبارك لك في تجارتك، واعلم أن تجارتك مع الله عظيمة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ (ض) عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ” رواه الترمذي. فاغتنم هذا الشهر في التجارة مع الله تعالى بإعانة الصائمين على الصيام، والله في عون العبد ما كان في عون أخيه. الدعاء