الإحتفال بعيد المولد النبوي

الإحتفال بعيد المولد النبوي

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وهدى الإنسانية إلى الحق وسواء السبيل بعد التيه والضلالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له القائل في محكم التنزيل: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ختم به بعثة النبوة والرسالة، وجعله أسوة لكل من اتبعه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه “الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه”، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به. أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات. لقد هل علينا شهر ربيع الأول، ربيع النبوي، الذي طالما انتظرناه، وأملنا من الله عز وجل أن يبلغنا إياه، لنحتفل ونتملى بمولد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الذِكرى العطرة التي تملأ قلب كل مسلمٍ غبطة وفرحاً، ورجاؤنا أن نكون في هذه السنة أكثر احتفالا منها في غيرها من السنوات الماضية، وذلك ليس بكثرة الأكل والشرب، وليس بإضاءة الشموع والغناء والطرب، وإنشاد الأمداح والقصائد المقصودة لذاتها، ولا بغيرها من الطقوس المفرغة من المحتوى، ولكن الإحتفال الحقيقي بمولده صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون موصلا إلى الإقتداء به واقتفاء أثره، والتأدب بآدابه، فالمحبة الحقيقية لرسول الله والاحتفال الحقيقي بمولده صلى الله عليه وسلم هي اتباعه إذن كيف نحتفل؟ وماذا ينبغي أن نفعله في ذكرى ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟، أيها الإخوة والأخوات اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل إلى خلقه رسلا يرشدونهم إلى سلوك سبيل رب العالمين، فاصطفى من خلقه رسلا على مر الأيام فقال عز وجل: “إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض”، اصطفاهم الله لتلقي الوحي وتبليغ رسالة الله للناس، فبلغوا رسالة ربهم بالرغم من تعرضهم للتكذيب من طرف أقوامهم، وأيدهم بالمعجزات للدلالة على صدق دعوتهم، وكان على رأس هؤلاء المصطفين الأخيار رسولنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة والنعمة المسداة يقول الله تعالى في حقه: “لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ”، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زكى الله به نفوس المؤمنين وطّهر به قلوب المسلمين وجعله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم الدين، كانت ولادته فتحا وبعثته فجرا هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية وفتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا وكّثر به بعد القلة، وأعزّ به بعد الذلة، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن وصفوة الأنام لا طاعة لله إلا بطاعته “مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ”، ولا يتم الإيمان إلا بتحقيق محبته، كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”، كان صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق أخلاقا، وأعظمُهم أمانة وأصدقُهم حديثا وأجودُهم نفسا وأسخاهم يدا وأشدُهم صبرا وأعظمُهم عفوا.  إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شرح الله صدره، ورفع ذكره، ووضع وزره، وأتم أمره، وأكمل دينه، وأبر يمينه، ما ودعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالا فهداه، وفقيرا فأغناه، ويتيما فآواه، وخيّره بين الخلد في الدنيا وبين أن يختار ما عند الله فأختار لقاء الله،  إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرُ من وطئ الثرى، وأولُ من تفتح له الفردوس الأعلى، يقول صلى الله عليه وسلم “أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع”، فصيحُ اللسان، واضحُ البيان موجزُ العبارة، موضحُ الإشارة، آتاه الله جوامع الكلم، وأعطاه بدائع الحكم، يقول أبو هريرة (ض): “ما رأيت شيئا أحسنُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه”، إنه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى الذي بعثه الله جل وعلا ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام إلى العدل والمحبة والوئام، بلغ العلى بكماله، كشف الدجى بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله. فاحتفالنا الحقيقي بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم لا يكون مؤثرا وذا قيمة إذا نحن لم نتأسَّ به، فما دمنا مصرين على عدم اقتفاء أثره، والإقتداء به، وما دمنا لا نجعله الشخصية الأولى في حياتنا، ولم نجعل من أقواله وأفعاله، وأخلاقه، وشمائله صلى الله عليه وسلم قدوةً لنا، وما لم نهتد بنبينا صلى الله عليه وسلم في كل شؤون حياتنا فاحتفالنا بذكرى المولد يبقى لا معنى له، إذ يكاد يكون نوعاً من التقاليد والطقوس والعادات، ونكون حينها كما تحتفل الأمم الأخرى بأعياد أنبيائهم، وما من وقتٍ يحتاج المسلمون فيه إلى أن يتعرَّفوا على أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كوقتنا هذا، فمعرفة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اليوم أصبحت فرضَ عين، قال الله عزَّ وجل: “لقد كان لكم في رسول الله  إسوة حسنة”، أيها الإحوة المؤمنون، لابدَّ ونحن نتهيأ للإحتفال بعيد مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أن نسأل أنفسنا، كيف نهتدي بهديه؟ وكيف نتَّبع سنته؟ وكيف يكون النبي أسوةً  وقدوةً لنا؟ إن لم نطلع على حياته، وننكب على مدارسة سيرته وشمائله، ونتأمل في مختلف مواقفه، ونتعرف على خصوصيَّاته، ونتعلم من علاقته بأزواجه وأهل بيته، ونتأسى بعلاقته بإخوانه من الأنصار والمهاجرين، ونستفيد من معاملاته حتى لمن ناصبوه العداء، وذلكم أيها الإخوة المؤمنون، لآننا لا يمكننا أن نحبه حق المحبة، وأن نسلك سبيله، وننهج سبيله، إذا لم نعرفه حق المعرفة، قال تعالى: “أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ”، فلقد أنكر الله تعالى على المشركين معرفتهم التامة بأخلاق وشيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعدم اتباعهم له فيما يأمرهم به من التوجه إلى الله بالعبادة والطاعة، فماذا نقول نحن اليوم، والقرآن لازال غضا طريا يتلى في مساجدنا ليل نهار، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تدرس على المنابر في الخطب ودروس الوعظ؟، ونحن أبعد ما نكون من الإستفادة منها أو محاولة تطبيقها، أو نشرها وبثها في أبنائنا وبناتنا لتعم مجتمعنا، في حين أن أغلب الناس في زماننا هذا يتتبعون أخبار وسير المغنين والرياضيين والفنانين والكتاب وغيرهم، في حين يعجزون عن ذكر نسب حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو تذكر غزوة غزاها، أو حديث حدث به، وذلك لجهلنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلو عرفناه حق المعرفة لأحببناه، فاللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة الكرام، أملنا أن يكون إحياؤنا لذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هذه السنة إحياءً حقيقيا، احتفالنا نؤكَّد جميعا من خلاله على حبنا لله عزَّ وجل المتمثل في إتباعنا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وإحياء سنته، والتأسي بأخلاقه، وأن نعطي بأفعالنا وتصرفاتنا الدليل على حبنا لله، بتعرفنا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال بحثنا وتعلمنا من أقواله وأفعاله وسيرته، وأن نسعى لضم إخواننا الآخرين الذين قليلاً ما يأتون لبيوت الله، بعيدون عن اتباع منهج الله، يتصيدهم الأغيار من خلال كتاباتهم وتغريداتهم، وسمومهم التي أصبح من السهل عليهم نشرها عبر وسائل الإتصال الحديثة وفي المواقع الإجتماعية للنيل من السنة النبوية، ومن تشبثنا بالمحبة النبوية، فهؤلاء المستهدفين من أمة الإسلام وخاصة الشباب منهم والأطفال، من واجبنا أن نعرِّفهم بهذا النبي الكريم، ونجالسهم في مجالس مدارسة السيرة النبوية والشمائل المحمدية، فإن استطعنا بسلوكنا أن نظهر شمائله صلى الله عليه وسلم ونعرف بها لأبنائنا وبناتنا وشبابنا والناس أجمعين نكون فعلا احتفلنا بمولد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وحققنا الهدف الثمينّ الذي من أجله شرع أسلافنا الصالحون الإحتفال بذكرى المولد النبوي، فاللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال الرغائب، وحسن الخواتم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا الله.  الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 10 ربيع الأول 1441 موافق 8 نونبر 2019                

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *