الأسلوب الأمثل للتعامل مع التقنيات الحديثة في التواصل 2

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله،

أيها الإخوة الكرام، تبعا لما وعدتكم به في الخطبة الماضية بإتمام الكلام عن الأسلوب الأمثل للتعامل مع التقنيات الجديدة في التواصل، وحتى لانقع في المحظور شرعا، وحتى لا يترتب عن استعمالنا السيئ لها أية آثار سلبية في علاقاتنا مع بعضنا البعض، أو أية آثار لاتحمد عقباها على المستوى الأخلاقي والمهني وغير ذلك، أحببت أن أتمم الحديث عن منافع الأنترنت ومضارها وطرق حماية أنفسنا وأهلينا وأولادنا من سلبياتها.

أيها الإخوة الكرام، لا أحد يستطيع اليوم الاستغناء عن الهاتف المحمول وبخاصة الهاتف المحمول الذكي وغيرها من وسائل التواصل الحديثة، لأنها أصبحت تفرض نفسها على الجميع، حيث أصبحنا نعيش أحداث العالم بفعل الثورة التكنولوجية وكأننا نحيى في كل مكان من هذا العالم، ومن قرر عدم التعامل بها والتواصل مع بني جنسه عن طريقها، فإنه يبقى شخصا غريبا في المجتمع، مثله كمثل من يعيش في جزيرة مهجورة، وفي هذا المقام لابد من التأكيد على أن الأنترنت لها الكثير من المحاسن والعديد من الفوائد والكبير من المنافع لمن أحسن الاستخدام، ولمن تعامل معها بحكمة ورزانة وتعقل وإيمان ورشد ومراقبة الله وحماية نفسه من خطوات الشيطان، وابتعد عن مزالق الشر وأغلق أبواب الفساد، فمثل هذا تكون الأنترنت في حقه نعمة لا نقمة ومنحة لا محنة وخير لاشر، ولا يستطيع أحد أن ينكر الخدمات الكثيرة التي تقدمها وتقربها الأنترنت للكثير من الناس العقلاء، فقد يسرت التعاملات، ويسرت تحصيل العلوم النافعة، والانتفاع بالأبحاث المفيدة، وصلة الأرحام والاطمئنان على أخبارهم، والاطلاع على أخبار العالم، وغير ذلك من أمور الخير.

وعكس ذلك، فقد أصبحت هذه النعمةُ نقمةً عند كثيرٍ من مرتادي شبكات الأنترنت، بل أصبحت في كثير من بيوتنا خطرًا ومصيدة لنا ولشبابنا، وصار في بيوتنا وبين أبنائنا وشبابنا أعداء لنا يتربصون بنا من حيث لا نشعر، فقد فتحنا نوافذ وأبواب داخل أسرنا فضحت أسرارنا، وأسرت شبابنا وجعلت أسرنا مفتوحة في وجه الغرباء والمجهولين من كل أنحاء العالم، اخترقوا أولادنا، وأصبحوا يتحدثون معهم في كل شيء وبدون حدود، ونحن عادة لانقبل فتح الباب لأي طارق مجهول لا يُعرف، فكيف نسمح بدون وعي ولارقابة بفتح الأبواب على مصراعيها أمام كل طارق عن طريق الأنترنت؟.

وأنتم تعلمون أن الكثير من المواقع على شبكة الأنترنت أصبحت تروِّج للمجون والخلاعة بكثافة، ووصل الأمر إلى حد تشكيك شبابنا في عقيدتهم بعرض شبه الفرق المنحرفة، وتشويه حقائق الإسلام، وزعزعة الإيمان بنشر الشبهات للتشكيك في المبادئ والقيم، وتحريضهم على الانتماء والانخراط في جماعات ضالة تقتل المسلمين دون وجه حق، أو تحرضهم على فتنة المجتمعات المسلمة، فدخل من خلال هذه المواقع الشيطانُ وأعوانهُ إلينا وأوقعونا في أوكار الرذيلة، وغيروا أخلاقنا، ولبسوا علينا في تديننا الوسطي وعاداتنا وأعرافنا، وإذا كان بعضُ الكبار منا ينحرفُ أثناء استعماله لها، فما بالكم بالشباب والصغار؟، ولكي تعلموا مدى تأثرنا بهذه المواد الفاسدة التي تروجها الشبكة العنكبوتية في مجتمعنا، أنظروا إلى عدد الملايين المطلعين على موادها، وعدد الملايين المعجبين بها، وعدد الملايين المشاركين في ترويجها المستلبين بأفكارها، أضف إلى ذلك عدد الأوقات التي نصرفها في تتبعها.

يكفي أن أقول لكم أن قضاء حوالي عشرين دقيقة من كل ساعة حول مواقع التواصل الاجتماعي يساوي حوالي خمسة وعشرين سنة من العمر، وأصبحت تلكم التقنيات الجديدة سجننا الكبير الذي نسكنه ليلا ونهارا، أذهلتنا سرعة الاتصال والتواصل مع بعضنا البعض، ولكننا لم نتصل حقيقة بقلوبنا، اختصرت مشاعرنا في رسالة، وأبوتنا في تغريدة، وأمومتنا في مقطع لايزيد عن عشرة ثوان، وأصبح جل اهتمامنا منصبا على أخذ صور الطعام، وصور الأماكن التي نرتادها، والأشخاص الذين نتعرف عليهم، وتسجيل وتصوير الأحداث التي من حولنا سواء كانت ذات أهمية تستحق التسجيل، أم لا تستحق، وأصبح الزوج لايهتم بزوجته والزوجة لا تهتم بزوجها، وأصبح الأب والأم لا يهتمون بأبنائهم، وكذلك أصبح الأبناء لا يهتمون بآبائهم، وأصبح الجميع لايعيش اللحظات كما ينبغي، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الطلاق إلى خمسين في المائة، وتأثر الترابط الأسري سلبا، وارتفع عدد الذين لايقضون أوقاتا مع عائلاتهم من 8 في المائة عام 2000م إلى 34 في المائة في 2016م، وارتفع عدد الذين يتناولون الوجبات الغذائية أثناء تصفح المواقع إلى 32 في المائة. فأي معنى لحياة هكذا أصبحت؟

تمعنوا أيها الإخوة والأخوات في طريقة تعامل المجتمعات المتقدمة مع الهاتف والأنترنت والقنوات الفضائية، هذه المجتمعات التي حصلت درجة كبيرة من الوعي، لاتفتح القنوات الفضائية في جميع الأوقات، بل إنهم يتفرجون على برامج محددة في الأسبوع، لاتتعدى برنامجين أو ثلاثة، وغالبها برامج ثقافية ووثائقية محضة، ينظرون في مختصر الأخبار التي تهمهم، يخصصون أوقاتا في السنة للفسحة والمتعة لايتعدونها، يتكلمون في الهاتف باقتضاب واختصار، ويسألون عن المهمات فقط، يحددون عدد ساعات استهلاك الهاتف بخصوص هواتف أبنائهم وبناتهم حسب سنهم، ولهم مواقع محظورة على الأطفال لايستطيعون الدخول إليها، لأن سنهم لاتسمح بذلك، والآباء والأمهات هم من يرخص للأبناء باستعمال الهاتف والأنترنت، وكان من باب أولى أن نسبقهم لذلك وأن نتحلى بذلك، وأن نجعلها من صميم أخلاقنا، لأن ديننا الإسلامي يوصينا على ذلك، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يصلح أحوالنا، أمين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فياعباد الله،

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”.

أيها الإخوة الكرام، بقي أن أجيب على السؤال التالي:كيف نحمي أنفسنا وأهلينا وأولادنا من شرور الأنترنت؟ لأنه غدا في أيامنا هذه من أجل فروض الأعيان علينا واجب حماية أنفسنا وأولادنا ووقايتهم من شرور الأنترنت وسمومها، وإلا سنعاني الأمرين جراء تقصيرنا في القيام بالواجب. أولى هذه الوسائل تتجلى في التربية الإسلامية المبنية على الدليل والإقناع والوعي والفهم الصحيح، وتوعية الأبناء بعدم نشر أي معلومات أو صور شخصية، والحذر من استقبال الرسائل المجهولة والرد عليها، والحذر من الانجرار وراء سراب التعارف مع أي كان، فهو بذرة لكل شر وفساد، ومخدوع من يظن أن مواقع التواصل الاجتماعي سبب للظفر بالأصدقاء الأوفياء.

ونحمي أنفسنا ومن معنا من مخاطر الأنترنت بتحديد ساعات استعمالها، مع الحرص ألا تتجاوز الساعتين يوميا كحد أعلى، مع تحديد الهدف من ذلك، وتعويد الأبناء على النظر في العواقب وملازمة التقوى، وتجنب المؤثرات، فالنفس مائلة لكل جديد، والحرص على غض البصر، فكل صورة تعرض على الإنسان ولو بدون قصد يتأثر بها، وتكون موجودة في مخيلته، وخاصة تلك الصور الفاضحة، وتلك الأفلام الهابطة، وتربية الأبناء على التثبت مما يعرض عليهم حال تصفحهم للإنترنت، فغالب ما يوقع الشباب والفتيات في الشر والباطل والوقوع في براثن الفكر المنحرف، هو عدم التثبت ممن يتعامل معهم، أو مما يُعرض عليهم من تلك المواقع والمنتديات، فيكونوا فريسة سهلة لهم، وعلى الآباء والأمهات أن يضعوا الحاسوب في مكان عام في البيت، ويتابعوا أبناءهم في كل صغيرة وكبيرة ولا يغفلوا عنهم، ويشاركوهم عمليات البحث ويبصروهم بما يضرهم ولا ينفعهم.

ختاما إن من واجبنا أفرادًا وجماعات وآباء وأمهات ومربين ومعلمين وأساتذة، أن نعمل جاهدين بيقظة وحزم وغيرة وعزيمة صادقة لدرء هذه المفاسد، وذلك بتحصين أنفسنا وتحصين فلذات أكبادنا من خلال التربية السليمة والأسرة الواعية لتقوية الجانب الإيماني والوازع العقدي، المتمثل في الخوف من الله والمراقبة له، وتربيةِ الضمير الداخلي وتوجيههم الوجهة الصالحة، لنكون وليكوّنوا لبنةً صالحة في المجتمع.

أيها الإخوة الكرام، إنه عند التفكر بإمعان في هذه الوسائل التقنية الحديثة، تجد وكأن الله عز وجل يقول لنا نحن معاشر المسلمين: كيف لاتزدادون إيمانا بي ويقينا بما عندي وبما وعدتكم به، وقد قربت إليكم البعيد، وأطلعتكم على أشياء كثيرة كانت وإلى وقت قريب من قبيل الغيب المستحيل؟، كيف لا تستغلون هذه الوسائل في تنمية أنفسكم وفي التعرف إلي أكثر ودعوة غيركم بالتي هي أحسن للتعرف على دين الإسلام؟، كيف لا تستغلون هذه التقنيات في صلة أرحامكم والشعور ببعضكم ومساعدة المحتاجين منكم، ونشر المحبة وتعلم طرق التربية وتقوية الروابط الأسرية، وإعطاء كل ذي حق حقه، وكأني به يقول للكافرين والملحدين، كيف لاتؤمنون بي، وبالغيب وبما بعد الموت، وكيف لاتصدقون رسلي فيما أخبروكم به، وقد قربت إليكم البعيد، وأطلعتكم على أشياء كثيرة كانت وإلى وقت قريب من قبيل الغيب المستحيل؟ أسأل الله أن يهدينا الله إلى صراطه القويم ويقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله رب العالمين

 

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *