الأحوال التي يعيشها ابن آدم وكيف يستثمرها ليكون مع ربه
الأحوال التي يعيشها ابن آدم وكيف يستثمرها ليكون مع ربه
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد، فياعباد الله،إذا تأملنا مختلف الأحوال التي يتقلب فيها الآدميون في دار الدنيا، نجدها لا تعدو أن تكون أحوالا أربعة، حال النعمة أو حال البلية أو حال التلبس بالطاعة أو حال التلبس بالمعصية، فهذه باختصار مجمل الأحول التي يعيشها الناس طيلة أيام حياتهم، وهكذا عاش الناس الذين مضوا قبلنا، والعاقل فينا هو من يعتبر ويأخذ العبرة ممن عاش قبله ومن أيام عمره التي مضت، ليعرف كيف يكون مع ربه ومع مراد ربه فيه في كل وقت وحال. فكيف التصرف إذن في كل حالة من هذه الأحوال الأربعة لتكون مع ربك؟.
عباد الله، يقول الرباني الكبير سيدي ابن عطاء الله السكندري رحمه الله، شكوتإلى شيخي أبي العباس المرسي رحمه الله ما أجده من هموم وأحزان، فقال:”أحوال العبد أربعة لاخامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية، فإن كنت في النعمة فمقتضى الحق منك الشكر، وإن كنت بالبلية، فمقتضى الحق منك الصبر، وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود منته عليك، وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك وجود الاستغفار”، فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم والأحزان ثوباً نزعته، ثم سألني بعد ذلك بمدة: كيف حالك؟ فقلت: أفتش عن الهم فلاأجد”.
تأملوا عباد الله في هذا الكلام البلسم الشافي الحكيم اللطيف، فالله عليك في كل حال من أحوالكيا ابن آدم سهم من العبوديةيقتضيه منك بحكم الربوبية، فمن وجد حاله في الطاعة فسبيله شهود المنة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها،ولا يجمل بك نسبة التوفيق إلى الطاعات إلى نفسك وجدك واجتهادك، بل الله هو الموفق والهادي إلى كل صواب وطاعة، ومن كان فيالمعصية فمقتضى الحق منه وجود الاستغفار والندم، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن كان في نعمة فسبيله الشكر وهو فرح القلب بالله، قال الله تعالى:”وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون”، فإذا تأملت في حالك وقارنت نفسك بمن دونك، ستجدك دائما في نعمة وأي نعمة، ومن كان في بلية فسبيله الرضا بالقضاء والصبر،فإذا أدرك العبد ما وراء البلاء من حسن العاقبة، وقابل الشدائد بالرضاوالصبر تحقق له ما وعد الله به الصابرين من جزيل الثواب بغير حساب، وفي الحديث النبوي الذي رواه الإمام الطبراني وغيره عن سخبرة رضي الله عنه: “من أعطي فشكر وابتلي فصبر وظلم فغفر وظلم فاستغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون “، أي لهم الأمن في الآخرة وهم المهتدون في الدنيا.ومن كلام الربانيين: “المسلم ابن وقته، أي يتأدب مع الحال الذي هو فيه، ويعطيه حقه كما يتأدب الولد مه أبيه”، وقالوا أيضا:”أسباب القبض ثلاثة: ذنب أحدثته، أو دنيا ذهبت عنك، أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك، فإن كنت أذنبت فاستغفر، وأن كنت ذهبت عنك الدنيا فارجع إلى ربك، وإن ظلمت فاصبر واحتمل، هذا دواؤك، وإن لم يطلعك الله تعالى على سبب القبض فاسكن تحت جريان الأقدار، فإنها سحابة سائرة”.
عباد الله، وفي جميع الأحوال إذا شعرنا بغم أو هم أو حزن أو قبض أو كآبة، ينبغي أننتعلم أن ننزل حوائجنا بالله، وأن نلتجأ إليه ونتوكل في أمرنا كله عليه،فإنه يكفينا كل مؤنة، ويقرب إلينا كل بعيد، وييسر علينا كل عسير،لأن من سكن إلى علمه وعقله واعتمد على قوته وحوله، وكله الله إلى نفسه وخذله وحرمه توفيقه وأهمله، فلم تنجح مطالبه ولم تيسر مآربه، وهذا معلوم على القطع من نصوص الشريعة وأنواع التجارب،فاللهم وفقنا إلى دوام الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه، واحفظنا من الاعتماد على أنفسنا في كل شيء أو نسبة شيء إليها، آمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الدعاء.