الآخرون ونظرية اصطدام الحضارات
في البداية أشكر القائمين على الزاوية البصيرية، لتنظيمهم هذا اللقاء القيم، وأشكرهم ﻷني كانت لدي رغبة فكرية في أن أحضر مثل هذا اللقاء، وقد سمحت لي هذه المناسبة بأن أعود إلى المغرب، البلد الجميل والذي أحبه، وأستسمحكم في أنني لا أتكلم اللغة العربية ولهذا سأتكلم باللغة الإسبانية.
أود أن أبدأ محاضرتي بالحديث عن الحضارة الغربية المعاصرة ابتداء من القرن السادس عشر، ولقد بدأت في هذه الفترة نظريات ما يسمى بالمتعددة الجنسية، وهذه النظريات ظهرت معارضة لنظريات كانت موجودة، وهناك ما يسمى بالهوية الإسبانية أو الهوية الأوربية مضادة لهويات أخرى، وأهم هذه الفئات التي أسست هذه النظرية هناك الفئة العربية، ونشأت ضد الأفارقة السود وضد الهنود، وضد جنسيات أخرى، هذا البناء الذي يستعمل في ضرب الآخرين، يستغله الأوربيون لتكوين هويتهم، وهذا الشعور المبكر في القرن السادس عشر يظهر لنا هذه الهويات المتضاربة، وهنا تكبر الصراعات أكثر، وهنا تظهر قطرية الدول والهوية، وهنا تظهر الهوية الوطنية ويبرز من هو أجنبي أو الآخر.
فكلمة الأجنبي قديمة جدا في كل الثقافات، وخاصة في الثقافة الغربية، فمنذ القرن السادس عشر اعتبر الأجنبي هو من ينتمي إلى ثقافة أو هوية أخرى.
وقديما في عصر اليونان وعصر الرومان كان الأجنبي هو من يستعبد، وقد تطورت هذه النظرية إلى أواخر القرن الماضي، أي القرن العشرين، والقرن العشرين كما يقول المؤرخون لم ينتهي سنة 2000 م وإنما عام 1991م، وفي تلك الفترة سقط جدار برلين، واختفى ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي، وهذا كان له أثره السياسي على المجتمعات، وكانت هناك تغييرات أخرى في العالم الغربي حيث تبدلت أيضا المصطلحات، وانتقلنا من المعاصرة إلى ما بعد المعاصرة، وهناك أيضا ما يسمى بالليبرالية الجديدة في الاقتصاد، وهنا ظهرت ما يسمى بالعولمة، ووقعت تغيرات أنتروبولوجية حتى أصبحت المظاهر من أساسيات الغرب، وأصبحت الكماليات أهم من الضروريات، وكانوا يقولون أن للإنسان جذور في أماكن معينة ، ولكن في الحقيقة أن الجذور هي للنبات وليست للإنسان…
وظهرت هنا “نظرية اصطدام الحضارات” في الولايات المتحدة الأمريكية، وبداية من 1987م ظهرت “نظرية نهاية التاريخ” انطلاقا بأنه بانتهاء الاتحاد السوفياتي، وبناء على هذه النظرية فليس هناك اصطدام، وفي 1991م خلق الأمريكيون ما سموه بحرب الخليج، وبعد ذلك نجح في الانتخابات الأمريكية كلينتون، وسعى لإعطاء الشرعية لقراراته عبر المنظمات الدولية، بعد كلينتون جاء بوش، وقرر أن يعلن الحرب على الإرهاب، وبعد الهجوم على البنك العالمي للتجارة في عام 2001م ومن ذلك الوقت أصبحت “نظرية اصطدام الحضارات” تتصدر الأحداث، وقد استطاعوا عبر الإعلام أن يوحدوا فكر الناس بأن الطائرات تدخل في بنايات برجي مركز التجارة العالمية، بعد ذلك جاءت الحرب على أفغانستان والتدخل في العراق، في مارس 2004م كان الهجوم الإرهابي في مدريد، وفي 5 يوليوز في لندن، ورغم هذه الحروب فالاقتصاد الأمريكي ينمو ويكبر، وبالتالي أصبح العالم ينظر إلى هذه النظرية على أنها منزهة ولا تناقش.
هذه النظرية نظرية عنصرية محضة، وقد كتبت هذا على عمود في إحدى الجرائد، ولقد كتب صحافي آخر يرد على هذا العمود تحت عنوان:” لماذا غضب المسلمون؟”، وكان هذا العمود الصحفي عمود عنصري، وهناك تحليل لإدوارد سعيد يقول فيه:” بأنه ليس هناك “اصطدام حضارات” ولكن هناك “اصطدام تجارب”، ﻷنه لا العالم الغربي ولا العالم الإسلامي على نسق واحد.
ومع حادث تفجير مركز التجارة العالمي ظهر بوش كدونكشوت جديد، وهذه النظرية ضعيفة وعنصرية، ولقد أحدثت مصطلحات أخرى مثل” تحالف الحضارات” أنشأها الرئيس السابق لإسبانيا ورئيس تركيا أردوغان، وأنا أرى بأن خلق هذه النظرية لتصارع “نظرية اصطدام الحضارات”.
ونحن هنا نقوم باستعادة قراءة التاريخ، وندخل في نفس النظرية التي تقول بأن ما يحرك الحضارات هو الاصطدام، وأظن أن هذا خطأ كبير، وأن الذي يجب علينا أن ندرسه ونحلله هو أن التناقض الحقيقي الكبير في تاريخ البشرية هو التناقض بين الأغنياء والفقراء وهو الذي سيبقى.
ترجمة الأستاذ خليفة الشايب