اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ( الجزء الثاني )

د/عبد الهادي السبيوي

الحمد لله رب العالمين، خلق كل شيء فقدره تقديراً؛ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً؛ أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسِع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أحبتي في الله: اتقوا الله عز وجل واعلموا أن الوقت الذي تعيشونه في هذه الحياة الدنيا هو أنفس ما للإنسان، ولا يقدر بالأثمان، وكل مفقودٍ يمكن أن يسترجع إلا الوقت،  وهو ما كان موضوع  خطبتين سابقتين حيث وقفنا عند الجزء الاول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (( “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”.

وتطرقنا في الخطبة الماضية إلى أهمية فترة  الشباب  والصحة وقلنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم  قد أوصانا باغتنام شبابنا وصحتنا قبل فوات الأوان،  في طاعة الله وفيما يرضي الله سبحانه ، وتتمة لما سبق اعلم رحمك الله أخي الفاضل أختي الفاضلة انه صلى الله عليه وسلم اوصانا أن نغتنم غنانا قبل فقرنا  ، ذلك أن الغنى والمال نعمة من الله عز وجل ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” شريطة أن ينفق هذا المال فيما يرضي الله .

 

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم نصف ماله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخشى فقرا أو حاجة ما دام يقدمه في سبيل الله عز وجل يقول الله عز وجل : مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد11 ويقول العلماء في تفسيرها :”من ذا الذي ينفق في سبيل الله محتسبًا من قلبه بلا مَنٍّ ولا أذى, فيضاعف له ربه الأجر والثواب, وله جزاء كريم, وهو الجنة؟”

 

لأجل هذا علينا  أحبتي في الله أن نحصن أنفسنا وأموالنا بالصدقات :لقوله صلى الله عليه وسلم ” حصنوا أموالكم بالزكاة ” رواه أبو داود  فبالصدقة نكسب  رضى الله عز وجل :” صدقة السر تطفئ غضب الرب “حديث صحيح.”والصدقة تطفىء الخطيئة ، كما يطفىء الماء النار”رواه البخاري وبالصدقة نتعافى  من الأمراض وداووا مرضاكم بالصدقة ” رواه أبو داود وبالصدقة  أيضا نفرج  كربة إخواننا :” ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ” وبالصدقة تزداد الحسنات  فلا يحسب الدرهم درهما إنما الحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء يقول الله عز وجل :
“مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245
ويقول المولى عز وجل : {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة265
ومعناه أن  الذين ينفقون أموالهم طلبًا لرضا الله واعتقادًا راسخًا بصدق وعده,  فإنهم كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة, فتضاعفت ثمراته, وإن لم تسقط عليه الأمطار الغزيرة فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة, وكذلك نفقات المخلصين تُقبل عند الله وتُضاعف, قلَّت أم كثُرت, فالله المُطَّلِع على السرائر, البصير بالظواهر والبواطن, يثيب كلا بحسب إخلاصه.

 

وأعلم   أخي في الله  أنك إذا أنفقت  في سبيل الله فان الله يرزقك بدلا منه، ، حتى ولو كنت في عسرة وتحتاج إلى مال، فالله عز وجل يرده أضعافا مضاعفة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد ، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما ، فكلما هم المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره ، وكلما هم البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه ، وانضمت يداه إلى تراقيه  فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع” رواه البخاري

 

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” فتنة الرجل في أهله وولده وجاره ، تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف ” رواه البخاري
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول ” رواه البخاري.فلننفق في يسرنا وغنانا من أموالنا ، ما نجعله ذخرا لنا عند الله عز وجل ، فالفقر صعب جدا ولننفق في سبيل الله ولنغتنم غنانا قبل فقرنا قال الله تعالى “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة261 {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يحْزَنُونَ }البقرة274

 

 

 

احبتي الله ، جاء في الحديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم  اغتنم فراغك قبل شغلك،
وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسن الاستفادة من أوقات فراغنا واغتنامها واستثمارها في كل صالح مفيد،  يعود علينا بالخير وعلى أمتنا لأن الفراغ مضيعة العمر ومقبرته والوقت هو عمرنا بأيامه ولياليه وساعاته ودقائقه وثوانيه فإنما نحن أيام مجموعة كلما ضيعنا منها كلما ذهب من عمرنا، وما الأيام إلا صفحات تُطوى في كتاب حياتنا، وما الساعات في تلك الأيام إلا كالأسطر في صفحاتها، وسرعان ما تنتهي هذه الصفحات لننتقل إلى صفحات أخرى.. وهكذا تباعًا حتى تنتهي صفحات عمرنا.

 

والوقت كما قيل أنفاس تذهب ولا تعود ، والنفس إن لم تشغلها في فراغها بالطاعة ألهتك بالمعصية ، وإنما تقدر قيمة الإنسان في دنياه وآخرته بقدر إحسانه في طي صفحات أيامه، وبقدر استثماره لأوقات فراغه .قال الحسن البصري : “إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك”… وقال : ” ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل، و الليل إلى النهار، حتى يسلمانك إلى الآخرة”.. وقال :” “أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم”

 

ومن أجل ذلك يلفت النبي صلى الله عليه وسلم انتباهنا إلى أهمية الوقت وقيمته حين أخبرنا أن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن وقته وعمره فيما أداه، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمرهِ فيما أفناه، وعن شبابهِ فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علِم” رواه الترمذي.

 

فرأس مالنا أحبتي في الله  هو وقتنا إذا استغللناه في طاعة الله عز وجل فقد ربحنا تجارة لن تبور وإذا ضيعناه  في لهو وعبث ومعصية فقد خسرنا رأس مالنا أي عمرنا  وخسرنا الدنيا والآخرة .
قال عبد الله بن مسعود :- ما ندمت على شئ ندمى على يوم غربت فيه شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي.

 

فكم من يوم مضى لم يزد به عملنا  بل على العكس زادت سيئاتنا  وسهونا  عن الاستغفار والتوبة و كم من يوم مضى ونحن  هاجرون  لكتاب الله وهاجرون  لسنة نبيه  عليه الصلاة والسلام .

 

و كم من ساعة مرت ونحن  غارقون  في معصية قد نموت عليها.وكم وكم وكم ؟؟! وكما  قال بعض الحكماء : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ” فهو سلاح ذو حدين إما أن تستفيد منه وتجعله في طاعة الله عز وجل وإما أن يذهب في لهو وعبث ومعصية وخسران .
“وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت64
ولأجل هذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم أشد الناس حرصًا على اغتنام أوقاتهم في ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وتعلّم دينه والإحسان إلى خلقه، فمن ذلك عامر بن عبد قيس إذ قال له رجل: قف أكلمك، قال: أمسك الشمس، أي إن استطعت أن تمسك الوقت فلا يمر فسأقف، وكان داود الطائي يستف الفتيت، يأكل فتات الطعام، ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية، هكذا كانوا عليهم رحمهم الله، كانوا أشد الناس بخلا بأوقاتهم…
وعلينا أن نعلم أن الفراغ مقتل للشباب وللعمر بأكمله فنحن مسؤولون عن هذه الأوقات من أعمارنا، في أي مصلحة قضيناها؟ أفي طاعة الله وذكره، وتلاوة كتابه وتعلم دينه، أم قضيناها في أمرٍ لا يعود علينا بكبير فائدة، بل قد يباعدنا عن الله تعالى وعن مرضاته، ويقربنا مما يسخطه ويغضبه عز وجل .

 

فعلى كل مسلم أن يجعل أوقاته كلها لله عز وجل يحتسبها في ميزان حسناته فلا يجعل للفراغ فيها طريقاً وسبيلا وعلينا الإقتداء بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في العناية بالوقت وحسن استثماره في الصالح النافع الذي يعود علينا بالأجر والثواب . فلنسخره في كل ما يوصلنا إلى جنات ربنا عز وجل ويباعدنا عن عذابه “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ اللْغُرُورِ }الحديد20
اخي  في الله اغتنم   حياتك قبل موتك كما قال الصادق الأمين ، حياتك بشبابها وهرمها وبصحتها ومرضها بغناها وفقرها بفراغها وشغلها ،، بكل ما فيها من فرح وسعادة وتعب وابتلاء اغتنمها وتزود منها ولنسأل أنفسنا أيها الأحبة.
هل جعلنا حياتنا  لله عز وجل فحمدناه  عند الفرح وحمدناه عند الابتلاء ؟؟
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :” عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر . فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر . فكان خيرا له ” حديث صحيح.

 

وهل حفظنا الله  عند الرخاء وحفظناه عند الشدة ؟؟

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف” حديث صحيح.
وهل كنا من المحسنين لله عز وجل؟؟

 

اسأل نفسك اخي  وانت اختي لنسأل انفسنا جميعا هل عبدنا الله عند سعادتنا  وعند تعبنا وحزننا ؟؟ هل جعلنا حياتنا لله ومن أجل الله ؟؟.
فهل عبدنا الله عز وجل أم عبدنا هوانا واتبعنا ا نفسنا وشهواتنا ؟؟ يقول الله عز وجل : ” أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43
أحبتي في الله :

 

هذه الحياة بكل ما فيها هي ملك لله عز وجل وهبها لنا أو لنقل هي أمانة عندنا ،واعلم  أخي في الله أن أمانة الله أحق أن نهتم بها فنزينها بالطاعة ونجملها بترك المعاصي والآثام ونعمل على تحسينها بكل عزم وصدق، .

 

وهذه الحياة إنما هي فرصة للعمل والجد والاجتهاد للفوز بجنات عرضها كعرض السموات والارض {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة25

 

فعلينا أن نقف ونحاسب أنفسنا قبل فوات هذه الفرصة ، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون في الحساب غدا ، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، و تزينوا للعرض الأكبر ” يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية “
أخي المسلم  ، أختي المسلمة لنقف جميعا ونراجع أعمالنا معا ولنعمل لكي نعيد الامانة  لله عز وجل بأفضل وأحسن حال ولتكن تجارتنا مع الله ، لأنها تجارة لن تبور وليكن أهم هدف في حياتنا هو إرضاء  رب العالمين ، ولتكن حياتنا من أجل الله وفي سبيل الله جل في علاه ولنحتسب كل عمل نقوم به عند الله عز وجل .وليعلم كل منا – احبتي في الله-  أن نهاية حياتنا هو الممات وان مآلنا  إلى القبر،  وأننا سنقف بين يدي المولى عز وجل بضعف  صاغرين أمام  قوته وجبروته وسيسألنا ،  عبدي لما فعلت كذا وفعلت كذا ؟؟ فلننظر لأنفسنا     فاي جواب سنجيب به خالقنا ورازقنا ؟ هل نقدر يومها أن ندافع عن أنفسنا وأن نجنبها عذاب جبار السماوات والارض  لنتصور هذا الموقف وليسأل كل واحد منا يوم لا ينفع لا مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم  ما نحن  فاعلون  بحياتنا؟
{ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } [الزمر:54-58]
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات  والأرضين استخلف عباده في عمارة الأرض وأمرهم بعمارتها بإحسان ليتم لهم التعايش والتساكن وفقا لما أراه الله، ويعيش الجميع في أمن وامان ماداموا سائرين على نهج الدرب العالمين . وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ومجزي المحسنين على ما يقدمون لصالح الأمم والجماعات المسلمة من عون وإرشاد حتى يعبدوا الله حق العبادة في حرية واطمئنان. وأشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم وجه الأمة الى كل ما يصلح شأنها حتى تستحق وصف الله لها : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس). اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.

 

أما بعد،

 

فيا أمة القران ويا أتباع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم التنزيل : ( وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) عباد الله إن الله تعالى خلق الإنسان وعلمه البيان ومتعه بالعقل والجنان ليتأمل ويتفكر ويعتبر ويتذكر، فكم في الذكريات من آيات وكم تحمل في طياتها من عظات قال تعالى: ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). فالمؤمنون يرتبط حاضرهم بماضيهم ومستقبلهم بحاضرهم وكل أمة لها تاريخها وأمجادها. وكم للأمة المغربية من ذكريات وأمجاد وكم لها من مناقب ومفاخر تركها الآباء للأحفاد، ومن أعظم هذه الذكريات وأعلاها وأرفعها مكانة وأغلاها ذكرى عيد العرش العلوي المجيد الذي هو في قلوب المغاربة أجَلُّ عيد وطنيٍّ سعيد ذكرى تربع صاحب الجلالة أمير المؤمنين  مولانا محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، الذكرى التي يخلدها المغاربة في اليوم الثلاثين من يوليوز من كل عام يحتفل بها المغرب من أقصاه إلى أقصاه وفى مدنه وقراه فيا لها من ذكرى فخيمة تفرح بها القلوب وتبتهج بها النفوس ويجدد فيها الشعب المغربي ولاءه وإخلاصه وبيعته لعاهله الكريم وولي أمره في الدنيا والدين، ويؤكد فيها تمسكه بأهداب العرش العلوي المجيد. ولقد أكرم الله تعالى هذا البلد السعيد منذ أن دخل إليه الإسلام وأشرقت عليه شمس الإيمان بأن قيض الله له من سلالة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من يتولى فيه الخلافة في الدين ويدير شؤونه وسياسته وكافَّةَ الميادين. وها هي الدولة العلوية الشريفة ما زال المغرب يستظل بظلال عرشها الوارفة، ويعيش في أمن وأمان وينعم بنعمة الاستقرار والاطمئنان، ولقد كان بلدنا المغرب محفوفا بالعناية الربانية ومحفوظا برعاية الله تعالى تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من عند الله.  عباد الله لقد شهد المغرب بفضل الله تعالى تطورات في جميع المجالات ونهضة شاملة في مختلف الميادين تطوراتٍ اقتصاديةً وسياسيةً واجتماعيةً وثقافيةً رافقها تقدمٌ في مختلف العلوم، فهنالك المنجزات العظيمة تلو المنجزات المستمرة والسريعة والمتعددة الجوانب، التي حققها المغرب في كافة هذه المستويات من جميع المرافق العامة والبنية التحتية في مختلف المجالات في عهد قائد الأمة وعاهلها المفدى جلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره متابعا في ذلك مسيرة أجداده المخلِصين الذين ضاعفوا جهودهم في الدفاع عن حوزة الوطن ونشر الحق بين الناس ودعوتهم إلى الإسلام دين العدل والخير والبركة وإلى توثيق الروابط والتفاهم وتدعيم المحبة والألفة بين الناس وكل ما فيه مصلحة للبلاد وإلى التعاون على إحلال الأمن والاستقرار والتعايش السلمي في الوطن وحماية قيم المجتمع والحفاظ على عاداته وتقاليده وآدابه العامة وعقائده ودينه والعمل على عزة المواطن وكرامته، ولم يقتصر ذلك على المغرب وحده بل تعداه إلى الانفتاح على العديد من الدول الإفريقية ودعم مسيرتها التنموية والدعوية للحفاظ على توجهها الإسلامي سيرا على ما بدأه الأجداد ويتمه الأبناء والأحفاد بدعم من أمير المؤمنين سيدي محمد السادس نصره الله الذي يرعى ذلك بنفسه عن طريق زياراته لتلك الدول المسلمة المتعطشة لأمور دينها وهو ما يهدف إليه اعزه الله ونصره وزاد في مدده وعونه ومتعه بالصحة والعافية حتى يتم له ما يريد من إعزاز الإسلام والمسلمين آمين نفعني الله وإياكم ببركات القرآن العظيم وبحديث رسوله الصادق الأمين وأجرني وإياكم من عذابه المهين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين .

 

هذا وصلّوا وسلِّموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمر وعثمان ، و علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا ،. اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح دات بيننا  ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .

 

. اللهم وفق ملك البلاد أمير المومنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .

 

اللهم امدده  من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم ، اللهم  احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية  المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم

 



مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *