اعتقادات جارية على ألسنة الناس تنم عن جهل عظيم بمعرفة الله.
اعتقادات جارية على ألسنة الناس تنم عن جهل عظيم بمعرفة الله.
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.أما بعد، فيا عباد الله، لقد دأب العديد منا في كلامه مع الناس وبشكل دائم يتكلم كلاما معدودا في الفضول من القول الذي ينبغي للمؤمن القوي الإيمان بربه أن يجتنبه، وأن يتحاشاه، ذلكم عندما نتكلم فيما هو داخل في تدبير الخالق عز وجل وأفعاله ونحن لا نشعر، وقد نشعر بذلك وقد لا نشعر، ولكن ينبغي أن ننتبه لهذا، لأن الغفلة والجهل بالله هيمنا على قلوبنا، فصرنا نتكلم في تلكم الأمور بشكل اعتيادي دون أن ننتبه لخطرها في حياتنا الدنيا أو بعد حين في الآخرة. يقول الحق سبحانه وتعالى:” ولاتقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”، وفي المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب”.وقد يسأل البعض عباد الله عن هذا الذي أذكره هلا أتيت فيه بأمثلة، أقول في الجواب، أنه في الأمس القريب إبان الشهور الأولى لفصل الشتاء، حين ابتلانا ربنا عز وجل بقلة المطر ومنعنا القطر من السماء، واستمرت غالبية بقاع الأرض ببلدنا قاحلة أياما معدودة، فأطلقنا ألسنتنا وتكلمنا وقال الكثير منا: (بأن السنة الفلاحية يستحيل أن تكون لها نتائج هذا العام)، وقال العديد منا: (بأن الماء الصالح للشرب أصبح في خبر كان، وأن كل من يريد أن يروي ظمأه مستقبلا ينبغي أن يشتري الماء حتما)، وكأننا نحن الذين ننزل الماء من السماء وكأن خزائن رحمة ربنا بأيدينا، أفلا ننظر إلى الأرض كيف ازينت وقلب حالها بعدما كانت حمراء قاحلة فأصبحت خضراء مزهرة؟، إنه تدبير الخالق العظيم الذي ليس لنا فيه شيء.ومن أمثلة ذلك أن نقول بأن: (الوقت تحتاج للمطر)، وكأن رب الوقت لا يعلم باحتياجات عباده، ولله در العلامة الرباني ابن عطاء الله السكندري رحمه الله عندما قال:” ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله”، فالذي ترون في حياتكم الدنيا في شمال الأرض وجنوبها ومشرقها ومغربها، وما تسمعون من أخبارها هي الصورة التي أراد الخالق عز وجل أن يظهرها لخلقه، والجاهل والأحمق هو الذي يطلب أن يرى صورة أخرى غير ما أظهره الله.ومن أمثلة ذلك أن نقول عندما نرى أحدا مريضا طريح الفراش لمدة من الزمن، بأن:( فلانا يستحيل أن يقوم من هذا المرض وبأنه سيموت)، وكأن أمر الحياة أو الموت بأيدينا، بل إن العديد من الأطباء الذين أكرمهم الله بالعلم كثيرا ما يقعون في هذه الأخطاء الكبيرة، فكم وكم من مريض زاره غيره من الأصحاء وحكموا عليه بالموت فمات الزائرون الأصحاء وشفي المريض وعاش ردحا من الزمن بعدهم.ومن أمثلة ذلك أن نرى فلانا من الناس في طريق الغواية والمعصية، ونقول بأنه يستحيل أن يتوب إلى ربه، أو أن نحكم عليه بأنه من أهل الفجور وأنه من أهل النار، وكأن قلوب العباد بأيدينا، وأن مفاتح الجنان والنار بأيدينا، فكم وكم من تائه عن الله عز وجل استفاق من تيهه وعاد إلى رحاب ربه وأصبح من السباق في عداد الصالحين من الناس، ولنتأمل في سيرة الخليفة الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب وسيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنهم كيف كانوا وكيف ختم الله لهم. ومن أمثلة ذلك أن نقول:( بأنني أولى من غيري بكذا وكذا)، وكأنني أعترض على الخالق عز وجل، وما شابه ذلك.فهذه فقط بعض الأمثلة وغيرها كثير يتجلى من خلالها جهلنا بالاعتقادات الصحيحة في حق ربنا سبحانه وتعالى، ويتجلى فيها اشتغالنا بالفضول الزائد وغفلتنا الحقيقية عن مراقبة ربنا وتقديره قدره وتعظيمه وتمجيده.فالذي ينبغي أن نتحقق به عباد الله، هو أن الخالق سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته يدبر أمور عباده وخلقه بحكمه الخفية، وما على العبد إلا التسليم والتفويض والخضوع، والقيام بما أوجبه عليه المولى عز وجل.أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يهدينا صراطه المستقيم وأن يلزمنا عبادته وطاعته أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.الخطبة الثانية:الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد فياعباد الله، فهذه التصرفات والاعتقادات والحماقات والجهالات التي ذكرت بعض تجلياتها تعكس جهلنا وضآلة معرفتنا بخالقنا العظيم، وكان جديرا بنا أن نعلم بأننا مخلوقين في هذا الأرض، وللخالق علينا منة عظيمة عندما أوجدنا من العدم ولم نكن شيئا مذكورا، مثلنا في هذه الحياة الدنيا مثل سائر المخلوقات من الإنس والجن والحيوانات والحشرات والشجر والجبال والنجوم وغيرها، فلو لم يرزقنا الخالق الحول والقوة ما تحركنا، ولو لم يرزقنا القوت والشراب ما طعمنا وما روينا، أفلا ننظر إلى الإنسان عندما تقبض روحه فيصير ميتا فتشل حركته، أفلا ننظر إلى المريض الطريح الفراش إذا لم يطعمه غيره لا يستطيع أن يطعم نفسه، فمن منعه الحول والقوة التي كانت له؟، إنه الخالق العظيم، رب السموات والأرض، رب العالمين، سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته. فلا تتجاوز حدودك أيها المخلوق الضعيف، فليس لك من الأمر شيء من قبل ومن بعد، وتعرف إلى خالقك العظيم، وعامله بما يستحق من التعظيم والتمجيد والاستسلام والتفويض.ختاما عباد الله، إن الله عز وجل خلقنا لعبادته ولمعرفته وتمجيده وتعظيمه وذكره، وللتحقق بذلك كله، ولم يخلقنا للغفلة عنه، ولم يخلقنا للاشتغال بالفضول والحماقات والتفاهات، قال سبحانه وتعالى:” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، فالناظر بعمق لعلاقتنا بخالقنا يجدها علاقة شكلية، لا تظهر فيها معرفتنا بالله كما ينبغي، ولا تظهر فيها عبوديتنا للخالق سبحانه كما ينبغي، ولا يظهر فيها تعظيمنا له كما ينبغي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تأملوا في علاقتنا بكتاب الله تعالى، فالكثير منا لا يقرأه قراءة صحيحة، والكثير منا لم يختمه مرة في عمره، والعديد من أبنائنا والجيل الصاعد لا علاقة له بالقرآن الكريم، وكمثال على ذلك أيضا ركن الصلاة التي تعتبر عمود الدين، فالعديد من أفراد أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يقيمونها بشكل دائم، وكم وكم من الأسر التي لا تقيم الصلاة ولا تعرف وجهة القبلة، والعديد منا لا يعرف أحكام دينه من طهارة وصلاة وصوم وزكاة ومعاملات وغيرها، غير أننا لا نترك أمرا من أمور الدنيا لا نسأل عنه، فتجدنا حادقين في السؤال عن أمور الدنيا متكاسلين عن أمور الدين، وهذه هي حالنا، فلنغتنم فرصة قدوم هذا الشهر المبارك، شهر رمضان المعظم، لتصحيح مسار حياتنا في علاقتنا بالله تعالى، ولنسارع لتعلم أحكام ديننا ومعرفة ما يليق وما لا يليق اتجاه ربنا ولندم على ذلك ما أحيانا الله تعالى، حتى نلقاه وهو راض عنا والحمد لله رب العالمين.