استقبال السنة الميلادية الجديدة 2021
بسم الله الرحمن الرحيم
استقبال السنة الميلادية الجديدة 2021
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لعباده المؤمنين مواسم يتقربون إليه فيها بأنواع الطاعات، ويتطهرون بالعمل الصالح فيها من أدران السيئات، وسن لهم أياما يجعلونها مطية للإكثار من أنواع القربات، ويشكرونه خلالها على ما أنعم به عليهم من صنوف المكرمات، نحمده تعالى ونشكره على نعم لا تزال تتوالى على ممر الأوقات، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو خالق الأرض والسماوات، سبحانه لا شريك له في ربوبيته وألوهيته، وما له من الأسماء والصفات، القائل: “إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أول مسارع لفعل الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا سباقين إلى اغتنام الفرص للإكثار من فعل الخيرات وترك المنكرات والتقرب إلى بارئ الأرض والسماوات، وسلم تسليما كثيرا ما غشيت العباد الرحمات، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، بالأمس ودع العالم بأجمعه سنة كاملة من عمر البشرية، ودعنا فيها ما سجلنا من آثار أعمالنا، مدونة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فما كان منها حسنا فهو ذخر نفرح به يوم الوقوف بين يدي ربنا، وما كان منها سيئا ينبغي أن نتوب منه قبل فوات الآوان، وها نحن اليوم نستقبل عاما جديدا، ودعنا سنة شاء الله تعالى أن يعم فيها الكون كله بوباء أوقف العالم، وأوقف ما كان الناس يؤملونه ويرغبون في تحقيقه من برامج مستقبلية، وأرغمت البشرية خلاله على تغيير نمط عيشها، واتخاذ التدابير الوقائية لتجنب العدوى من هذا الوباء، وفقدنا خلالها أحبة لنا من أهالينا وأصدقائنا وعلمائنا ووجهائنا، رحمة الله عليهم أجمعين، ومن جهة أخرى كان هذا الوباء كان سببا للتضامن وفرصة للبذل والعطاء، ونكران الذات، عبر من خلاله المغاربة عن المواطنة الحقة بالتزام القوانين واتخاذ التدابير لعدم تفشي المرض والوباء بين المواطنين، فالعبرة من تعاقب الأعوام والسنين ليس بكثرتها، وإنَّما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة الله تعالى. لذا ينبغي أن نستقبل أيَّامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربِّنا، ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد من أعمالنا. أيها الإخوة المؤمنون، جدير بنا في هذا اليوم المبارك الذي هو يوم الجمعة فاتح السنة الميلادية الجديدة، أن نقف كما يقف التجار نهاية كل سنة لتقييم تجارتهم ومراجعة لكل ما كان في العام بأكمله لينظروا هل هم رابحون فيتابعوا تجارتهم بحثاً عن المال. أم أنهم خاسرون فيستأنفوا عملهم ليبحثوا عن سبب الخسارة ويجتنبوها، وهذا هو مقتضى العقل. إذ لا بد لكل من مر عليه زمن أن يعرف ماله وما عليه حتى لا يفاجأ بالخسارة دون أن يشعر بذلك فيصيبه الغبن. ونحن أيها المؤمنون، أحق من أصحاب الأموال والأعمال بهذه الوقفة للمحاسبة والمراجعة، نحن كذلك تجار نتاجر مع الله، رؤوس أموالنا أعمارنا، إنها الأيام التي نعدها والشهور التي نقضيها والسنين التي نعيشها. نتاجر مع الله بأعمارنا، والأعمال الصالحة مكاسبنا وأرباحنا، والسيئات والمعاصي هي خسائرنا. الحسيب علينا في هذه التجارة لا يفوته شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. يكتب كل ما نعمله من خير أو شر في صحائف ثم يعرضها علينا مع الشهود من أنفسنا، فتشهد يد الإنسان عليه ورجله وعينه وأذنه ولسانه حتى لا يستطيع أن ينكر شيئاً مما عمل. قال الله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. أيها الإخوة المؤمنون، المحاسبة الصادقة تورث عملاً صالحا، لأن حساب اليوم للاستدراك والإصلاح، وحساب الغد للجزاء والمحاسبة فوقفات المحاسبة هنا تهون علينا وقفتنا للمحاسبة وفصل القضاء بين يدي الله تعالى، فما لنا إذاً عن هذا غافلون وفي اللهو غارقون وفي الغي سادرون، وكأننا نسينا ما سوف يكون، أيها الإخوة المؤمنون، إننا في كل شهر نتطلع إلى آخره ونستبطئ مرور أيامه للحصول على دراهم معدودة ونتطلع إلى نهاية السنة لنحصل على زيادة سنوية ونسينا أنها أعمارنا نهدمها، وآجالنا نقترب منها. هذه الأيام التي تمر هي نحن، ونحن هذه الأيام. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان، قال الحسن البصري ح : (ابن آدم إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك). قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، كان الفضيل بن عياض قاطع طريق، وكان الناس يُخوِّفون بعضهم به لأنه كان يقطع الطريق على قوافل التجارة، وكانت الأم كما يروى إذا أرادت أن تسكت ابنها قالت له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل، حتى أصبح مضرب المثل في السوء وفي الشر، مرة ارتقى سطح بيتٍ ليسرق، فلما نظر من أعلى الجدار وجد شيخاً كبيراً قد جلس يتلو كتاب الله تعالى فانتظره الفضيل حتى يفرغ من قراءته، ثم ينزل ويسرق، فإذا بالشيخ يتلو قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، فبكى الفضيل وقال: بلى ياربُّ قد آن، ثم نزل وصلى الصبح في المسجد، وبعد حين كان الفضيل بن عياض إمام الحرمين، فالله تعالى يحيي القلوب بالقرآن كما يحيي الأرض بالمطر، فمن وجد غفلة في نفسه وقسوة في قلبه في السنة التي ودعناها بالأمس فليقبل على كتاب الله تعالى اليوم تلاوة وتدبّرا، فإنما هو هدى ورحمة للمؤمنين وموعظة وشفاء للمتقين. فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، واحشرنا في زمرة النبيئين والصديقين، ووفقنا لطاعتك في كل وقت وحين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، الإخوة المؤمنون، مع بداية هذا العام الجديد، أقول لي ولكم: تفاءلوا، واستقبلوا العام الجديد بنظرة إيجابية، وبعزم على تحقيق الأماني وتحدي الصعاب، فتفاءلوا بالخير تجدوه، فمن تفاءل بالخير وجده، ومن سعى للسعادة حصلها، ومن عاش التشاؤم قتله، أو قتل بالهم عمره فضاع سدى وحسرة، والمرء يختار لنفسه، فكل من التفاؤل والتشاؤم فن يحسنه نوع من الناس، ويجلبه إلى نفسه وحياته، وينقله إلى من حوله، التفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله، فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل، التفاؤل من الصفات الرئيسية لأي شخصية ناجحة.. فهو يزرع الأمل، ويعمق الثقة بالنفس، ويحفز على النشاط والعمل، وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق النجاح، فالنفوس المتفائلة وحدها هي التي تمضي نحو مرادها بثباتٍ ويقين وهدوء وسكينة، فالمتفائل ينتظر الفرج قبل النظر إلى المصيبة، ويعلم أن اليسر في طي العسر، وأن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا. فتراه دائما يغلب الأمل على اليأس، والتفاؤل على التشاؤم، والرجاء على القنوط، ويرى قرب الفرج كقرب ضوء النهار آخر الليل. ولنجعل شعار حياتنا مع بداية عامنا هذا تفاءلوا بالخير تجدوه. الدعاء