إصلاح ذات البين

الحمد لله، الحمد لله الذي أمر بإصلاح ذات البين، ونهى عن الإفساد بين المجتمعين، فقال وهو أصدق القائلين: “فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين”،

نحمده سبحانه وتعالى حمد الشاكرين، ونسأله التوفيق والسداد في كل حين،
ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إن من علامات الفطرة السليمة في الإنسان، حبه لفعل الخير والحث عليه، وكرهه للشر والابتعاد عن أهله، لأن المؤمن العاقل والإنسان السوي هو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه، ويكره للناس ما يكرهه لها، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان المريض العقل الضعيف الإرادة هو الذي يسعى إلى حتفه بظلفه، وأبواب الخير كثيرة متنوعة وطرقه واسعة منتشرة، فمن الخير العفو والحلم والتسامح والتعاضد، والتعاون ونصرة المظلوم، وإغاثة اللهفان، إلى غير ذلك من أخلاق الإسلام الفاضلة التي حث على التشبث بها القرآن، وبين نتائجها سيد ولد عدنان، محمد صلى الله عليه وسلم ،
ومن أهم هذه الأخلاق الإسلامية السامية الإصلاح بين الناس، مصداقا لقول الله عز وجل: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما”، هذه الآية الكريمة وغيرها في كتاب الله تعطينا صورة واضحة عن ضرورة وأهمية الإصلاح بين الناس والسعي الحثيث لتحقيق هذا الإصلاح، ولعل أول ما يخطر على بال العاقل هو أن يبدأ بإصلاح نفسه، ويحسن علاقته بها أولا، لأن الإنسان إذا انطلق من نفسه سهل عليه الانتقال إلى غيره، بحيث لا يسخط على قضاء الله وقدره، وأن يقنع بما آتاه الله من فضله، وأن يسعى قدر طاقته لتحسين وضعه وسط مجتمعه، وأن يجد في القيام بمسؤوليته في محيط أسرته وأهله وأصحابه ومجتمعه، وأن يجيد عمله ويثقنه ليكون كل هذا عونا له على إخلاصه وحبه لربه، فلا يغش ولا يطفف الميزان، ولا يظلم ولا يسرق إنسان، ولا يأتي المنكر كيفما كان، لأن السيئات يذهبن الحسنات كما هو معلوم في القرآن،
فإذا تصالح المرء مع نفسه وهيأها لأن تكون نفسا صالحة أمارة بالخير فاعلة له، سهل عليه أن يصلح بين الناس، وأن يقوم بينهم مقام الناصح الأمين، والعاقل الرزين، والعدل المحق.
والإصلاح بين الناس أيها المسلمون يعادل عند الله الصدقة والإحسان والمعروف وجزاؤه عند الله عظيم، كما أنه يعادل بل يفضل درجة الصيام والصدقة فيما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه    أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة”، (يعني حالقة الدين لا حالقة الشعر)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه   قال: “من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة”، وفي الخبر كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا ما كان من أمر بمعروف  أو نهي عن منكر، أو ذكر لله تعالى”، والنفس الخيرة المحبة للخير تبلغ منتهى الرضا إذا رأت العلاقات بين الناس في وضعها الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه في جميع الأحوال، وضع التصالح والرضا، ووضع الوئام والحب والتناصر، وأروع درجات التصالح بين الناس تتحقق بعد قتال أو صراع لقوله عز وجل: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا يبينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”، ذلكم أيها المسلمون أن المصالحة هنا تعني وقف الصراع والقتال وحقن الدماء وتوفير المال، وتوفير الجهد والطاقة، وتنجي من الكوارث التي تقضي على الحياة الطبيعية التي ينشدها الإنسان. فاللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا إلى إصلاح أنفسنا، واجمعنا على الخير ما أحييتنا، فإنك على كل شيء قدير، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون والمؤمنات، ونحن في هذا الموضوع الحيوي المتعلق بعلاقات الناس بعضهم ببعض وفي إطار إصلاح ذات البين، أسرد عليكم قصة ينبغي أن نتذكرها ونعيها، فعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رايناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر رضي الله عنه  : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تعالى: اعط أخاك مظلمته، قال يا رب، لم يبق من حسناتي شيء، قال المظلوم: رب فليحمل عني من أوزاري، قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه، قال: رب ومن يملك ثمنه؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  “فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة”، ولنا عودة لهذا الموضوع في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *