إتقان العمل

بسم الله الرحمان الرحيم 

إتقان العمل

الأستاذ مولاي يوسف يصير

الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وجه عباده لما فيه خيرهم وأمرهم بالعمل الحسن الذي يرضاه منهم بقوله: ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه القائل: “من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له” صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد .فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الأيام القليلة الماضية  كثر الحديث عن نتائج الأعمال التي نبذلها، ولكن لا نتقنها، شأننا في ذلك شأن من لا يبالي، ويظن أن أهمية العمل أن ينجز، ولا عليه أن يتم ذلك بإتقان وبضمير، مع العلم بأن الإنسان المسلم مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها، عبادةً لله، وإعماراً للأرض، واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات لا يتم الوصول إليها إلا بالعمل، وليس أي عمل، بل بالعمل الجاد المتقن الذي نبحث عنه جميعا عندما نقبل على شراء ما يلزمنا، لكن عندما نصنعه أو نود تسويقه لغيرنا يسعى كثير منا إلى الغش فيه وعدم المبالاة بإتقانه، ونمدح منتوجات غيرنا مما نستورده أو يهدى إلينا بما يسمى بالجودة، وما علم أكثرنا من صناع وتجار وفلاحين، وأصحاب الكسب، والموظفين وأصحاب المهن الحرة، وكل من يمارس عملا أن إتقان العمل سبب لرقي المجتمع، ودليل على تمسكنا بديننا، وأن إتقان العمل وسيلة لإستجلاب محبة الله عز وجل، قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”،

فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يعتنقه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي، وحق للعاملين المتقنين أن يكون لهم في كل عام يقطعونه يوم يقف فيه العالم بأسره منوها بما ينجزونه لفائدة البشرية من أعمال، ولهم يوم القيامة بين يدي الله يوم يجازون فيه عن أعمالهم بالجزاء الأوفى، علما بأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة فهو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” أيها الإخوة المؤمنون، إن كلمة الإتقان تعني القيام بالعمل المراد إنجازه، والانتهاء منه بأفضل صورة وعلى أتمّ وجه، ويكون ذلك ببذل الجهد، والبعد عن التراخي في العمل، وتعني في مفهومها العام انجاز العمل بإحكام وبمُنتهى الدقّة، فإتقان العمل في الإسلام يعتبر وسيلة من وسائل المسلم للرزقِ الحلالِ، بل إنّه محض العبادة الخالصة، لأن ديننا الإسلامي يدعو المسلم إلى العمل والانطلاق، وعدم الفتور والكسل، ويدعو المتمسك بهذا الدين أن يكون إنساناً إيجابيّاً ينطلق في هذه الدنيا نشيطاً طالباً الرزق من الله وما يُعدّه له من الخير الكثير، وهذا الخير لا يأتيه إلا بالعمل المُتواصل، مستشعرا في عمله مُراقبة الله تعالى في كل خطوة يخطوها، مؤدّيا العمل الموكول إليه على أتمّ وجه وأحسن حال،

فالعمل في الدين الإسلاميّ عبادة، يُؤجر عليها المسلم إنْ قام بها وأدّاها بحقّها، وأخلص في عمله بكل ما آتاه الله من قوّة وعزيمة صادقة. روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سيدنا أَنَسٍ بن مالك أنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”، فالإسلام ليس صلاة وصياما وعبادات محضة فقط، بل يشمل أيضا العمل بجدٍ واجتهاد وهمّةٍ عاليةٍ، وعلى المسلم إتقان ما قدّمه من عمل لينال من اللهِ سبحانهُ التوفيق والنّجاح في الدنيا، والأجرَ والثوابَ في الآخرة. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ”، أيها الإخوة المؤمنون، لقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى إتقان العمل في كل شيئ،  من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ”، والمقصود به أجر العمل، والأجر الثاني المتعلق بإخلاصه وإتقانه إرضاء لله عز وجل، وهذا التوجيه شامل ينطبقُ على جميعِ الأعمالِ وكافّة المُستويات، وعلى كلِ من وكل إليه أمرٌ من أمورِ المسلمين.

تأملوا معي إيها الإخوة المؤمنون هذا الحديث، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ”، فهو يدعو العبدِ المسلم إلى إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ بهيمة، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى، وإتقان العمل من صميم المسؤولية التي نتحملها جميعا، والتي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ”، لذى فإتقان العمل واجبٌ شرعيّ على كل مُوظفٍ وعامل مهما كانت وظيفتهُ، فالحاكمُ أو السلطان عليهِ إتقانُ عملهِ، والأب في أسرته مسؤولٌ عن بيتهِ ورعاية أبنائه رعايةً سليمةً، وكذا الزوجةُ راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها المُحافظة على الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، والمعلم في قسمه، مسؤول عن إتقان تعليمه وإخلاصه في عمله، والطبيب في عيادته، والمهندس في تصميماته وإنجازاته، والفلاح في حرثه وغرسه، والصانع في صناعته، وكل شرائح المجتمع المسلم، مهما صغرت أو كبرت مسؤولية أحدهم، فعليه أن يتحرى إتقان عمله، لأن الإتقان دليل الإيمان، وهو ذروة سنام الإسلام، والذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله عن الإحسان فقال: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”. قال الله تعالى: “وَقُلِ  اعْمَلُوا  فَسَيَرَى  اللَّهُ  عَمَلَكُمْ  وَرَسُولُهُ  وَالْمُؤْمِنُونَ”. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، العالم اليوم يتجه نحو الحصول على شهادة الجودة، هذه الشهادة التي تفتخر كل مؤسسة وكل هيئة حصلت عليها بأنها تحترم الضوابط الجيدة لضمان منتوج يراعي الضوابط المطلوبة دوليا ويحقق استحسان الناس، سواء كان العمل خدمة أو وظيفة أو صناعة أو إنتاجا، وربنا سبحانه وتعالى بين لنا ذلك في خطاب قصير من كتابه العزيز، حينما قال جل وعلا: “وَقُلِ  اعْمَلُوا  فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”، وما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يدل على أننا بعيدون عن هذا التوجيه الرباني، لذا فعلينا أن نشمر على ساعد الجد، ويعمل كل واحد منا من موقعه، ومن موقع مسؤوليته، على تجديد نظرته لعمله، مستشعرا أنه يقدمه بين يدي الله تعالى، وأن الله تعالى مطلع عليه، وأن الإمة إذا تضررت بسبب تهوره، أو من سوء عمله، فإن الله تعالى قبل أي كان لا محالة مؤاخذه ومحاسبه، فاللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، وعلمنا ما ينفعنا ووفقنا لصالح العمل، وارزقنا الإخلاص فيه. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *