أهمية ربط الأجيال الصاعدة بنبيها عليه الصلاة والسلام
أهمية ربط الأجيال الصاعدة بنبيها عليه الصلاة والسلام
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، المعروف تاريخيا أن بلدنا المغرب احتفل أول مرة بعيد المولد النبوي الشريف في عهد العزفيين؛ حيث كان أول من دعا إلى ذلك قاضي مدينة سبتة السليبة – ردها الله إلى حوزة الوطن قريبا- العلامة القاضي أبو العباس العزفي رحمه الله، وقد ألف حينئذ لحاكم البلاد الموحدي المرتضى كتابه: “الدر المنظم في مولد النبي المعظم”، وفي مقدمة كتابه هذا نجد ذكرا للأسباب والدوافع التي دعته إلى الدعوة لهذا الاحتفال، فيصف في حسرة وأسى ما دأب عليه مسلمو الأندلس وسبتة من الاحتفال بمواسم الغربيين كعيد النيروز وميلاد المسيح عليه السلام والمهرجان وغيرها، فدفعه هذا إلى أن يفكر فيما يشغل عن هذه المناكير، ولو بأمر مباح، فوقع في نفسه أن ينبه أهل زمانه على العناية بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذ يطوف على الكتاتيب القرآنية بسبتة ويشرح لصغارها مغزى هذا الاحتفال حتى يسري ذلك لآبائهم وأمهاتهم.
عباد الله، الغرض من ذكر هذه النبذة التاريخية المختصرة عن الدوافع الأولى التي دعت هذا العالم الرباني إلى ترغيب المسلمين في الاحتفال أول مرة بعيد المولد النبوي، لتعلموا أن الدافع الأول هو ملاحظته تأثر المسلمين حينذاك بالغربيين إلى درجة تقليدهم في الاحتفال بأعيادهم وعاداتهم وما إلى ذلك. وهنا اسمحوا لي أن أطرح الأسئلة التالية: ألا ترون بأن هذه الأسباب لازالت قائمة بل ازدادت؟ ألا تلاحظون بأن الغالبية من شبابنا لا تعرف نبيها، وأن العلاقة بينهم وبينه أصبحت علاقة شكلية وعلاقة انتماء لهذا الدين فقط؟، ألا تلاحظون بأن الغالبية اليوم من الأجيال الصاعدة تجهل أركان الإسلام، فبالأحرى أن تقوم بها؟ أليس جديرا بنا اليوم أن نحتفل بعيد ميلاد نبينا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أكثر من أي وقت مضى، ودافعنا في ذلك مقصد شرعي مهم، ألا وهو ربط أبناء المسلمين بنبيهم عليه الصلاة والسلام وبدين الإسلام الذي جاء به؟
عباد الله، ألا تنظرون إلى شبابنا كيف أصبح تائها مع شكله ومنظره الخارجي، ومع الموضى يتلقفها ويتتبعها ويطبقها يوما بعد يوم؟ ألا تنظرون إلى شكل حلاقتهم لشعورهم كيف أصبحت؟ ألا تنظرون إلى منظر سراويلهم الممزقة التي اعتادوا أن يلبسوها بشكل عادي؟ ألا ترون إلى انفتاحهم على كل جديد دون التمييز بين خيره وشره؟، ألا تنظرون إلى غربتهم بين ظهرانينا وغربتنا بينهم؟ ألا تنظرون إلى تأثرهم البالغ بمن يطلق عليهم اسم النجوم، وهم لاشيء، والغريب هو تتبعهم اليومي لكل صغيرة وكبيرة تتعلق بهؤلاء، متى استيقظوا من النوم؟ وكيف كان شكل لباسهم هذا اليوم؟ وماذا فعلوا؟ وماذا قالوا؟ وماذا قال عنهم الإعلام؟ فيضيعون أوقاتا نفيسة هم في أمس الحاجة إليها لتكوين ذواتهم وشخصيتهم والتخطيط لمستقبلهم، ألا تنظرون إلى تهورهم البالغ وعدم شعورهم بالمسؤولية عندما يجاهرون بالفواحش ويوثقونها بالصوت والصورة؟ ألا تنظرون إلى بعدهم عن الله وعن ذكر الله، وجريهم وراء الشهوة ليل نهار، مما أسهم في ضعف إيمانهم؟، ألا تنظرون إلى الوحدة والعزلة والفراغ التي يشكون منها، مما جعل بعضهم يعيش مرض الكآبة بشكل دائم، وربما أصبح يفكر في الانتحار. والعياذ بالله.
عباد الله، كل هذه الأمثلة ذكرتها مسميا الأشياء بمسمياتها لتدركوا أهمية ربط الناس بنبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أيامنا هذه، وأهمية ربطهم بأخلاقه صلى الله عليه وسلم حتى لا نظل الطريق أكثر، أسأل الله عز وجل أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، ولكي ترتبط الأجيال الصاعدة وغالبية الناس بنبيهم نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، لابد أولا من وجود إرادة قوية للتغيير، يقول الله عز وجل:” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، هذه الحقيقة لابدّ من أن نعرفها، ولكنّ العاقل هو الذي يعرفها في الوقت المناسب، يعرفها وهو شاب وبإمكانه أن يغيِّر حاله، يعرفها وبإمكانه أن يستفيد من هذه المعرفة قبل فوات الأوان، فتمام العقل أن تعرف سيرة نبيك وأنت في مقتبل العمر، وأنت تتنفس الحياة في صحة وسلامة من أمرك، كي تشكّل حياتك وتبني شخصيتك وفقَ أوامر الله عز وجل.
ومن الأمور المهمة كذلك مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق النبوية، وإدامة النظر في كتب السيرة النبوية، أو الاستماع من خلال وسائط التواصل الاجتماعي لسلسلة دروس السيرة النبوية من البداية إلى النهاية، والاستماع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال كتب الحديث الصحيحة، والنظر في سير الصحابة الكرام وأهل الفضل والحلم رضوان الله عليهم أجمعين.
فتشبهوا عباد الله بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا على الهدى المستقيم، فلا ينفع في عالم اليوم إلا التشبث بأخلاق وقيم هؤلاء.
ومن المهمات كذلك الانتقال إلى تطبيق ما استفدته من كل ذلك. وذلك بالتكلف في التخلق ببعض الأخلاق إلى أن تصير طبعا عاديا.
ختاما عباد الله، فلنعلم جميعا أن الإنسان لا يقاس بطوله وعرضه، أو لونه وجماله، أو فقره وغناه، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق، يقول عز وجل:” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”، فلنجالس أبناءنا ونحثهم على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتخلق بأخلاقه والعودة عودا حميدا إلى رحاب دين الإسلام، والحمد لله رب العالمين.