أهمية التعاون والتضامن في الإسلام

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، في هذه الآية ندب الله سبحانه وتعالى إلى التَّعاون بالبرِّ، وقرنه بالتَّقوى له؛ لأنَّ في التَّقوى رضا الله تعالى، وفي البرِّ رضا النَّاس، ومَن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النَّاس فقد تمَّت سعادته، وعمَّت نعمته، وقال تعالى في سورة العصر:” وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثُّه عليه، ويرغِّبه فيه، فهذه السُّورة العظيمة القصيرة، اشتملت على معان عظيمة، مِن جملتها: التَّواصي بالحقِّ، وهو التَّعاون على البرِّ والتَّقوى ابتغاء الأجر مِن الله سبحانه.

أيها الإخوة الكرام، لقد أقام الإسلام التَّعاون بين المسلمين على أساس مُحْكَم، ومدَّ له في كلِّ ناحية مِن نواحي الحياة بسببٍ. فالتَّمثيل القرآني لأهل الإيمان أنَّهم كالبنيان المرصوص، وفي التَّمثيل النَّبوي كالجسد الواحد، فأمور الإسلام ومطلوباته لاتتحقَّق على وجهها إلَّا بالتَّعاون، ودين الله بنيان شامخ لا يقوم ولا يثبت إلَّا حين تتراص لبناته، وتتضامن مبانيه؛ لتسدَّ كلُّ لبنة ثغرتها، ولهذا شجّع الإسلام التّضامنَ والتَّعاونَ بين أفراد المجتمع؛ لأنه أساسُ كلِّ نجاحٍ وتقدُّمٍ، وبه يقوم دين الأفراد ودُنياهم، فكلمتهم لن تتوحّد، ومصالحهم الدنيويّة لن تتمّ وتترتّب، وعدوُّهم لن يخشى بأسهم، إلّا بالتّضامن الذي أوجبه الإسلام، وجعله من أهمّ الواجبات التي يجب فعلها لتحقيق صلاح المجتمع؛ فالمسلمون مثل البنيان المرصوص والجسد والواحد إن هُم تعاونوا كما ندب إلى ذلك الإسلام.

أيها الإخوة الكرام، لقد جعل الله سبحانه وتعالى التَّعاون فطرة جبلِّيَّة، جبلها في جميع مخلوقاته صغيرها وكبيرها، ذكرها وأنثاها، إنسها وجنِّها، فلا يمكن لأيِّ مخلوق أن يواجه كلَّ أعباء الحياة ومتاعبها منفردًا، بل لابدَّ أن يحتاج إلى مَن يعاونه ويساعده؛ لذلك فالتَّعاون ضرورة مِن ضروريَّات الحياة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبالتَّعاون يُنْجز العمل بأقصر وقت وأقلِّ جهد، ويصل إلى الغرض بسرعة وإتقان، لذلكم لاحظ المتتبعون لنصوص الشَّريعة أنها كثيرا ماجاءت بالخطاب الجماعي، فقوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ”، وردت تسعة وثمانين مرَّة، وقوله:” أَيُّهَا النَّاسُ” عشرين مرَّة، وقوله:” بَنِي آدَمَ” خمس مرَّات، وفي ذلك دلالة على أهمية الاجتماع والتَّعاون والتَّكامل.
وبتتبع نصوص السنة الغراء نجد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم حثَّ على التَّعاون ودعا إليه، فقال:” مَن كان معه فضل ظهر، فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ مِن زاد فليعد به على مَن لازاد له”، وفي حديث آخر شبَّه المؤمنين في اتِّحادهم وتعاونهم بالجسد الواحد، فقال:” مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى”، وهو حديث صريحٌ في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم بعضًا، وحثِّهم على التَّراحم والملاطفة والتَّعاضد في غير إثمٍ ولا مكروهٍ، وقال صلى الله عليه وسلم:” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا”، وقال صلى الله عليه وسلم:” يد الله مع الجماعة”، وحثَّ على معونة الخدم ومساعدتهم، فقال:” ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم”، قال الإمام القرطبيُّ المالكي رحمه الله: في هذا الحديث أمرٌ لجميع الخَلْق بالتَّعاون على البرِّ والتَّقوى، أي ليُعن بعضكم بعضًا، وتحاثُّوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عمَّا نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافقٌ لما رُوِي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:” الدَّالُّ على الخير كفاعله”، وعن ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:” المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة”، قال أهل الحديث في شرحه:” وباقي الحديث حضٌّ على التَّعاون، وحسن التَّعاشر، والألفة، والسِّتر على المؤمن، وترك التَّسمع به، والإشهار لذنوبه”. نسأل الله عز وجل أن يحبب إلينا وإليكم خصال التعاون والتضامن والتكافل والتآزر لوجهه الكريم أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، قال الله تعالى:” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا”، وروى الإمام أحمد في مسنده، عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس»، قيل يا رسول الله، ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ قال: «إن أبواب الخير لكثيرة؛ التسبيح والتكبير والتحميد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتُسمِع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك».

هذا أيها الإخوة والأخوات حديث عظيم جامع لأنواعٍ مِن العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسَّر مِن عِلْم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك، والتَّعاون على البِرِّ والتَّقوى يكون بوجوهٍ كما ذكر أهل العلم، فواجبٌ على العالم أن يعين النَّاس بعلمه فيعلِّمهم، ويعينهم الغني بماله، والشُّجاع بشجاعته في سبيل الله، فهناك ما يعرف بالتَّعاون في الدَّعوة إلى الله، والتَّعاون في تزويج العُزَّاب، والتَّعاون لتفريج كربات المهمومين وسدِّ حاجات المعوزين، والتَّعاون في جمع التَّبرُّعات والصَّدقات والزكوات وتوزيعها على مستحقِّيها، والتَّعاون على حلِّ الخلافات والنِّزاعات التي تقع في وسط المجتمع المسلم، فهذه وغيرها كلها صور للتَّعاون.

أيها الإخوة الكرام، إن مظاهر التعاون والتضامن والتآزر بين الناس في المجتمع المغربي مثل العديد من البلاد الإسلامية كثيرة وعديدة، والمسلمون بفضل الله تعالى في مجتمعنا يتسابقون لفعل الخير والتضامن مع من هم في حاجة ماسة لذلك، سواء كانت الحاجة مادية أم السبب آفة اجتماعية أم كارثة طبيعية أم حدثا أسريا معينا مثل جنازة أم زفاف أيضا وغير ذلك.

ومن أهم صور التعاون والتضامن، ما يعرف في أيامنا هذه بالتبرع بالدم لفائدة المرضى والمزمنين وخاصة الفقراء منهم، لأن في التبرع بالدم شكر لله على نعمة الصحة والعافية، وهي تعد من الصدقات البدنية. فسارعوا من أجل إحياء صور التضامن بالمجتمع، واعلموا أنَّ كلَّ مَن أعان مؤمنًا على عمل برٍّ فللمُعِين عليه أجر مثل العامل، اللهم إنا نعوذ بك من زوالِ نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتِك، وجميع سخطك، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *